تناولت جميع الدساتير المقارنة مبدأ المساواة بين المواطنين، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وأن غايته صون حقوق وحريات المواطنين في مواجهة صور التمييز التي تنال وتقيد هذه الحقوق، والمقصود بالمساواة إتاحة فرص متساوية بين الأفراد للاستفادة من وضع معين إذا تساوت ظروفهم إزاء هذا الوضع، ولمبدأ المساواة مظاهر مختلفة تتمثل في المساواة أمام القانون والقضاء والمساوة في تولي الوظائف العامة في الدولة، ويعني مبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة في الدولة أنه يجب على الحكومة أن تترك باب الوظائف العامة مفتوحا أمام كافة المواطنين على أساس المؤهل والكفاءة دون تمييز بين المرشحين استنادا للعرق أو الدين أو الجنس أو الانتماء السياسي، وعلى هذا تعد قرارات التعيين المخالفة لمبدأ المساواة غير مشروعة ومصيرها الإلغاء إذا طعن بعدم مشروعيتها أمام القضاء الإداري.
وقد اهتمت الوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان من الإعلان العالمي والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالنص على أنه لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة، واعتبرته من أهم ركائز الحقوق الدستورية، وأكد القانون الأساسي الفلسطيني على تقلد الوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص، وبالتالي يتساوى جميع المواطنين الفلسطينيين في تولي الوظائف العامة، وأن يعاملوا نفس المعاملة من حيث الشروط المطلوبة قانوناً لكل وظيفة، ويعتبر مبدأ تكافؤ الفرص مكملا لمبدا المساواة، ويعني أنه يجب على الحكومة اختيار أفضل المتقدمين للوظيفة العامة المراد اشغالها استنادا إلى اعتبارات الكفاءة والجدارة والمؤهل.
فالمساواة أمام وظائف الدولة يعنى أن الناس متساوون أمام مبدأ التعيين في الوظائف العامة كما يتساوون في الأجور والمرتبات والحقوق والواجبات، ولا شك في أن التفرقة بين الوظائف المختلفة من حيث المزايا أو المرتبات أو الضمانات أمر لا يتنافى مع المساواة أمام الوظائف العامة لأن هذه المساواة لا تكون إلا بين ذوي الظروف والمؤهلات المتماثلة، وليس هناك ما يمنع من وضع أنظمة خاصة بفئات معينة من الموظفين تتفق مع طابع الوظائف ونظام العمل فيها ، كما هو حاصل فعلاً بشأن رجال القضاء والأمن وغيرهم، ألا أنه من الضروري معاملة الموظفين الذين يتساوون في المراكز القانونية على قدم المساواة والعدالة الاجتماعية، لا سيما فيما يخص المساواة والانتفاع بالحقوق الوظيفية ومكتسباتهم في العلاوات والترقية، وعلى المسئولين إنصاف الموظف بكل شفافية ومصداقيته، فلا يجب أن يُحرم الموظف المتميز من حقوقه، ويتساوى كل الموظفين في الأداء الوظيفي، وعندما تضيع الحقوق يغيب العدل، ولا أبالغ إذا قلت أن عدد الموظفين المظلومين بمؤسساتنا في ازدياد مطرد، خاصة إذا كان هناك موظفون يستحقون الترقية يحرمون، وآخرون لا تتوفر فيهم الشروط تمنح لهم، فإن أسوأ شعور ممكن أن ينتاب الموظف في العمل هو شعوره بالظلم في الحياة الوظيفية.
وفي اعتقادي أنه بالرغم من كل الجهود التي تبذلها السلطة الوطنية في اصلاح سياسة تولي الوظائف العامة إلا أن المحسوبية ما زالت قائمة في الوظائف وعدم الاهتمام بالكفاءات العلمية والإدارية والقدرات المهنية مما أدى إلى دفع الكثير من الكفاءات إلى ترك الوطن, كما إن عدم العدالة والموضوعية في سلم الرواتب لبعض الفئات من الموظفين ساهم هو الأخر في هجرة العقول خارج الوطن، وبات من الضروري معالجة هذا الوضع بتحسين اختيار الموظفين على أساس المؤهلات وتكافؤ الفرص والتنافس والابتعاد عن تسييس الوظيفة العامة، فالموظف يعتبر أساس أجهزه الدولة ورأسها المفكر وساعدها المنفذ فهو عماد ممارستها لنشاطها، فإن صلح اختياره من قبلها صلحت الدولة بكاملها، والمكافآت المادية والمعنوية المشجعة والمحفزة على أساس العدل السبب الرئيس في تطوير العمل وإبداع الموظف وزيادة الإنتاج والانتماء للوطن.
بقلم/ رمزي النجار
[email protected]