أبعاد وتداعيات، وربما حتى نتائج الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، قد لا تقتصر أو تتوقف عند حدود نزع فتيل حرب كانت ممكنة الحدوث بين طهران وحلفائها الإقليميين من جهة والغرب (إسرائيل وأميركا، على الأقل) من جهة أُخرى وحسب، بل وهذا مرجح, ستعيد علاقات الولايات المتحدة بدول الشرق الأوسط، بما يشمل تطبيعا ممكنا أو محتملا للعلاقة مع إيران وحتى سورية، بما يشمل أيضا حزب الله!
قبل التوصل لهذا الاتفاق بلحظات، لفت انتباه المراقبين والمتابعين، الخلاف الذي دار بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لدرجة ظهور الرغبة لدى الإدارة الأميركية بحدوث تغيير على مقعد رئاسة الوزارة الإسرائيلية، بمناسبة الانتخابات الإسرائيلية التي جرت الشهر الماضي، فيما اندفع نتنياهو في تحديه للبيت الأبيض بالذهاب إلى الكونغرس بالاتفاق مع الجمهوريين وإلقاء خطابه المناهض للاتفاق مع إيران !
ويبدو أن عدم وضوح السياسة الأميركية، خاصة مع تداول الحكم بين الجمهوريين الذين فضلوا إعادة مراكز السيطرة المباشرة، بعد الحرب الباردة، خاصة في مواقع كانت تحسب على المعسكر الشرقي (أفغانستان والعراق) وذلك من خلال شن حربين كونيتين، فيما فضل الديمقراطيون إعادة رسم خارطة المنطقة، وفق تصورهم للشرق الأوسط الجديد، على أساس طائفي، ووفق نظرية الفوضى الخلاقة.
ورغم أن إسرائيل _ خاصة اليمين، تدعم بقوة عملية إعادة فك وتركيب المنطقة على أساس طائفي، يبرر محاولتها التحول إلى دولة يهودية، إلا أن حالة التبريد التي سعت إليها واشنطن مع طهران، نزعت من يد نتنياهو ورقة الضغط على الملف التفاوضي مع الجانب الفلسطيني، حيث اعتاد الرجل أن يطالب واشنطن بتقديم التنازلات له في هذا الملف، مقابل التوقف عن الضغط على واشنطن بالملف النووي الإيراني، عبر المطالبة الدائمة بالتوقف عن المراهنة على التفاوض مع طهران، وشن الحرب عليها.
نعود الآن إلى الإشارة إلى أن ما بات يبدو ثابتا في سياسة الديمقراطيين الأميركيين في الشرق الأوسط، هو تشجيع عملية فتح الدول العربية، خاصة تلك التي فيها اختلاط طائفي، عبر إشعال الحروب الداخلية، بما يؤدي إلى الفرز الطائفي، وهذا ما حدث في كل من العراق، حيث قادت أميركا مباشرة الحرب عليه عام 2003، وفي سورية، حيث انحازت أميركا إلى طرف منذ بداية الصراع، قبل ثلاث سنوات، وحيث أن الأمر بدا أنه قد استتب في العراق، فإن الحرب ظلت مشتعلة في سورية، رغم أن الفرز الطائفي قد تحقق عمليا مبكرا، فالشريط السني من حلب إلى درعا، قد خرج من سيطرة النظام العلوي، فيما بقي الشريط الساحلي / العلوي، بعيدا عن أتون الحرب، وهكذا انحصرت الحرب طوال تلك السنين حول العاصمة وريفها، وحين حاولت داعش أن تجمع سنة العراق إلى سنة سورية، واقتربت من آبار النفط والأكراد شنت واشنطن عليها الحرب الستينية (نسبة إلى مشاركة أكثر من 60 دولة في الحرب على داعش).
المهم أن واشنطن تدرك انه في نهاية مطاف عملية الفرز الطائفي هذه، وإضافة إلى إقامة دول طائفية واثنيه، لم تكن على خارطة سايكس / بيكو، مثل دولة الأكراد، الدروز، إضافة إلى دولة الموارنة المسيحيين، والدولة اليهودية، وربما دول أخرى في الشمال الأفريقي، ستكون هناك دولتان أو أكثر مركزيتان، هما دولة السنة ودولة الشيعة، وحيث انه من الصعب جمع نحو مليار مسلم سني في دولة واحدة، فهذا فيه كل الخطر على إسرائيل وأميركا، وحتى انه يستحيل ذلك لأن السنة موزعون على قوميات متعددة، على الأقل في الشرق الأوسط هناك العرب والأتراك والأكراد، لذا فهل يمكن توقع أو قبول « توحد « الشيعة وهم نحو 300 مليون مسلم، في دولة واحدة، وتجاوز الافتراق القومي بين العرب والفرس، في كل من إيران، العراق، سورية وصولا للجنوب اللبناني واليمن ؟ !
هذا التداخل وهذه الحرب الطائفية المشتعلة، هي التي جعلت من فلسطينيي سورية (وربما فلسطينيي لبنان لاحقا) ضحية لا ناقة لها ولا بعير، ورغم أن فلسطينيي سورية رفعوا شعار عدم التدخل بين المتقاتلين، وحاولوا إصلاح ذات البين بينهما بالحل السياسي، إلا أن كون الفلسطينيين مسلمين / سنة، جعل منهم هدفا للتهجير، وقد تركز الأمر في مخيم اليرموك، نظرا لأنه يضم اكبر تجمع للفلسطينيين في سورية، ولأنه أيضا متماسك اقتصاديا وكان عنوانا للوطنية الفلسطينية، ومقرا لقيادات ثورتها المعاصرة، ولقربه أيضا من العاصمة، محور الصراع، وهو يقع بين السيدة زينب، العنوان الشيعي الأهم في سورية، وريف دمشق، التجمع السني الذي يحاول اختراق العاصمة.
أخيرا نقول، إن عدم عودة الفلسطينيين إلى وطنهم، وعلى الأقل إلى دولتهم (في الضفة وغزة والقدس)، في وقت يستحيل فيه توطينهم في سورية ولبنان، بسبب المعادلة الطائفية، فقد شارك موارنة لبنان عام 82 في مجازر صبرا وشاتيلا لأن توطين الفلسطينيين السنة سياسيا في ذلك الوقت كان من شأنه تقوية سنة لبنان سياسيا، ومن ثم فعل علويو سورية وشيعة لبنان (أمل) الأمر ذاته، بهدف إخراج الوجود السياسي الفلسطيني لصالح السيطرة السورية على لبنان.
وفي مواجهة هذه المشكلة طرحت حينها أفكار من قبيل توطين فلسطينيي لبنان في العراق الذي كان محكوما من قبل الأقلية السنية، بهدف زيادة عدد السنة في العراق، وكما يحدث تقريبا من تشجيع لإقامة السنة العرب في البحرين وغيرها.
وهكذا كان «اليرموك» ضحية الحرب الطائفية الدائرة في سورية، وبذلك لن توقف أية سياسات فلسطينية مهادنة أو محاربة هذا التطهير الطائفي، بل إن الأمر سرعان ما سينتقل إلى لبنان أيضا، ولا حل إلا بعودة فلسطينيي سورية ولبنان إلى فلسطين، وإلا فان المنافي البعيدة، بما في ذلك مياه المتوسط، ستكون في انتظارهم، وستكون ملجأهم الأخير والنهائي !
رجب أبو سرية
07 نيسان 2015
[email protected]