ان ظاهرة التكفير من المسائل الخطيرة التي أبتليت بها الأمة الإسلامية بل من أخطر البدع التي إبتدعها المكفرون وزرعت بين صفوفهم في هذا العصر مما كان لها الأثر في تأكيد الفرقة والإختلاف وايجاد العداوة بين المسلمين واللا أمن في المجتمعات.
ومما يؤسف له أن أفكار الفكر التكفيري وجدت سوقا رائجة في هذا الزمان وساعدت على تركيز الاقتتال بين أبناء الأمة الاسلامية الواحدة .فهل هي جريمة يجب وضع النصوص القانونية العقابية لها؟ أم انها خروج من الملّة والدين ؟
والملاحظ أننا نتعامل مع الفكر التكفيري ونتائجه بطريق الهجوم للوقاية أو "كالفزعة في طوشة " وبعد فض " الطوشه" نصمت وكل واحد يذهب لحاله ويستمر التمدد التكفيري بعدها لخطف المزيد من الشباب وغسل أدمغتهم للقتال ضد الكفر- كما يدعون- ،فأصبح التهديد معلن لزعزعة الاستقرار والأمن والطمأنينة في بلاد المسلمين . أرى أن التنسيق المنظم والدقيق والعملي لمحاربة هذه الظاهرة قد غاب وأن الهبة او " الفزعة" لاتكون الا اذا حصل ردا لفعل كحصول كارثة أنتجها هذا الفكر .وهذا الصمت بعد الطوشة او الهجوم الوقتي يسبب خلط الصالح بالطالح ولايفرق بين الغث والسمين ويحول الامر الى هرج ومرج وكل من يعرف او لايعرف يدلي بدلوه فالخطابات الإنشائية على وسائل الإعلام أو في المؤتمرات التي تعقد لعلاج هذه الظاهره والتي كثرت انعقادها بلافائدة او نتائج تذكر لمحاربة هذه الظاهره وهذه الافكار انما هي خطابات انشائية وصفية عامة وكلمات ومصطلحات مكرره كالارهاب والاجرام والقتل وتشويه صورة الاسلام ورغم ان هذه المصطلحات والعبارات صحيحة الوصف ولكنها لاتحل المشكلة ولا تعالج الجرح ولاتصد الهجوم أو توقف ذبح الرقاب وحرق الأجساد ، ولأجل ذلك نرى أنه يجب أن يكون خطابنا في مواجهة الفكر التكفيري أكثر جدية وعملية ودقة وتقنين والعمل على تفكيك هذه الافكار ومناقشتها ومجادلتها ببيان حقيقة الاسلام من متخصصين وليس من اعلاميين وعامة الناس، بل ونلجأ عمليا لتجريم هذه الظاهرة وتنصيصها في القوانين .والاستفادة من المؤتمرات التي تعقد لاجل هذه الظاهره بخطابات عمليه يمكن تنفيذها بقرارات واضحة وصريحة ولاتكون انشائية خطابية لاتتعدى القاعة التي قيلت فيها وعلى نظام " أكل شرب ، نام " ولابد من الخوض في الجدال المنتج مع هؤلاء التكفيريين ومواجهتهم الحجة بالحجة والدليل بالدليل وفضح فكرهم التكفيري المنحرف عن اصول الدين الاسلامي وسماحته ووسطيته .ثم وضع النصوص القانونية لتجريم هذه الظاهرة .
ولاجل ذلك فان اطلاق الكفر في السنة قد ورد في بعض المعاصي التي يعد ارتكابها جريمة عظيمة في الاسلام لاسيما اذا كان التأويل النصي يمكن أن يحتمل في حقها للمنع عند التعارض وعلى سبيل المثال قوله تعالى" وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا " سورة الحجرات آية 9 فسماها من المؤمنين ،فلابد لنا أن يصرف عن الظاهر بمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" مسند أحمد بن حنبل ج1ص385 فالكفر هنا ليس بمعنى الخروج عن الدين أو الملّة كما هو الظاهر ،وكذا الحال فيما اذا كان الظاهر معارض بكثير من الأحاديث التي شهدت بالإسلام أو فيما اذا كانت النصوص معارضه معانيها مع بعض الحقائق فمثلا قال تعالى " إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء" سورة النساء آية 48 وعلى هذا فمعناها الظاهر غير مراد ،وفاعلها ليس بكافر.
وجدير بالذكر فإن الجهل والفهم الخاطيء لإطلاقات الكفر في الكتاب والسنة وعدم التأصيل الفقهي الصحيح لها من أهم مايقع به المكفرون .حيث أنهم رأوا أن أصحاب المعاصي قد وصفوا في الكتاب والسنة بالكفر وهم يتشبثون مثلا بظاهرها ويحكمون بأن مرتكب المعاصي أوالكبيرة كافر مع أن القول بتكفير المسلم المذنب فيه خطر عظيم على مجتمع المسلمين ولايجوز لنا أن نكفر أحدا من المسلمين بسبب الكبائر فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يعامل المجرمين معاملة الكفار وان ارتكبوا الكبائر من الذنوب.والله سبحانه وتعالى عفا عن مجتنب الكبائر وأدخله مدخلا كريما حيث قال" ان تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما" سورة النساء آية 31 فكيف نجعل الذنوب والمعاصي كلها من الكبائر ؟ وعلى ذلك واستنادا على النصوص الفقهية المستمدة من الكتاب والسنة والمذاهب الفقهية المعتبرة نرى أن التكفير جريمة لابد أن تدرج في قانون العقوبات وقانون التنفيذ طالما أنه أصبح له انعكاسات أمنية على المجتمعات تسبب الضرر المادي والمعنوي ودب الفتن بين جماعات المسلمين .ومعلوم أن القانون انما يهدف الى تحقيق العدل والحفاظ على القيم الإجتماعية والأمنية داخل المجتمعات،وتحقيق الأمن الفردي والجماعي والإستقرار الذي هو المكمل الطبيعي للامن والعدل ،والقانون يسعى في سبيل تحقيق هذا الإستقرار ويتوخى أن يكون هذا في ظل الشريعة الإسلامية .وباختصار فان غاية القانون هو حماية حقوق الأفراد وحرياتهم وتحقيق سعادة الفرد وأمنهم وتجريم التكفير في القانون ينسجم مع الأصول الفقهية لواقعة التكفير استنادا للتأصيل ،فقد وجب وضع النصوص العقابية القانونية المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية حماية للفرد والمجتمع.وهذا كأحد علاج هذه الظاهرة عمليا .اضافة الى تجنيد وسائل الاعلام للرد على الافكار الهدامة والمكفره بالحجة والدليل باستضافة متخصصين في العلوم الشرعية وكذلك عقد اللقاءات الموسعة من المؤسسات الاسلامية ومناقشة هذه الافكار مع الشباب ووضع التوصيات المعالجه لهذه الظاهرة والعمل على متابعتها لتنفيذها .الاسباب كثيرة وطرق العلاج بطيئة وبعضها خاطيء ونهجم ونصعد في الهجوم وفجأه نهدأ واصحاب الافكار يعملون بهدوء كفانا الله شرهم.
د. ماهر خضير
عضو المحكمة العليا الشرعية - فلسطين