حرية الحركة والإقامة بين الممارسة والتضييق

بقلم: رمزي النجار

تعتبر حرية الإقامة والتنقل حقاَ أساسياً وأمراً طبيعياً لحياة الإنسان في الممارسة اليومية، ويشمل هذا الحق حرية الحركة والإقامة، ونص القانون الأساسي الفلسطيني في المادة (20) على حرية الإقامة والتنقل مكفولة في حدود القانون، كما نصت المادة (28) منه على أنه لا يجوز إبعاد أي فلسطيني عن أرض الوطن أو حرمانه من العودة إليه أو منعه من المغادرة ، ونص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حرية الفرد في التنقل والإقامة داخل حدود كل دولة، كما نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق الفرد في حرية التنقل داخل حدود دولته، وحرية اختيار مكان إقامته وحرية المغادرة، ومع ذلك يتدخل المشرع لتنظيم هذا الحق لمصلحة الإنسان والمجتمع، وإذا اقتضت الضرورة تقييد هذا الحق ببعض القيود ، فيجب أن تكون المصلحة العليا للدولة هي الباعث على ذلك، وأن تكون هذه القيود في أضيق الحدود ولفترة مؤقتة، وفي الحدود التي رسمها القانون، وفي بعض الأحوال إعمالاً لسيادة الدولة على إقليمها يكون للسلطات الإدارية في حالات الضرورة ولأمور تبرر ذلك منع الأفراد من مغادرة إقليمها، وذلك في الحدود وبالقدر الضروري اللازم للحفاظ على المصلحة العامة للمجتمع، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع أي انحراف يهدر كيان الدولة وأمنها الداخلي والخارجي ويسئ إلى مصالحها السياسية والاقتصادية أو يمس سمعتها الأدبية، وقد وضع القانون الأساسي الحماية على حق المواطن من السفر للخارج وعدم جواز إبعاده عن البلاد، باعتباره حق دستوري وفقاً لنص المادة (28) لا يجوز المساس به دون مسوغ، ولا الحد منه بغير مقتضي.
وفي هذا الصدد تناول قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم (2) لسنة 2001، الإجراءات القانونية الواجب إتباعها لتقييد حق المواطنين بالتنقل والسفر في المنازعات المدنية، ونصت المادة (111) منه بأنه يجوز لقاضي الأمور المستعجلة عند إصدار قراره بمنع المستدعي ضده من السفر بناء على أسباب جدية تدعو إلى الاعتقاد بأنه على وشك مغادرة فلسطين أن يكلف المستدعي بتقديم كفالة مالية؛ لضمان ما قد يصيب المستدعي ضده من عطل أو ضرر إذا تبين أنه غير محق في دعواه، ومع ذلك فإنه إذا صدر حكماً قضائياً ضد المدعى وتم تنفيذه فإنه ما كان يجوز منعه بعد ذلك من السفر إذا ما طلب، وبالتالي إذا صدر قرار من الإدارة بسحب جواز السفر من المدعى ومنعه من السفر إلى الخارج يكون قد صدر بالمخالفة لأحكام القانون ومن ثم يتعين إلغاؤه، كما أنه لا يجوز الأخذ بالشبهات لحرمان المواطن من السفر إلى الخارج، وهذه الشبهات مهما بلغ نصيبها من القوة في اعتبار الإدارة لا يمكن أن ترقى إلى مرتبة الحكم القضائي .
والواقع الفلسطيني الذي يعكس نفسه بنفسه خاصه وأن الشعب الفلسطيني ما زال تحت الاحتلال، وخضوع الضفة وغزة لسيطرة فعلية من سلطات الاحتلال الاسرائيلي التي تهيمن على الحدود والمعابر، فإسرائيل تمارس سياساتها في التضييق على الفلسطينيين وانتهاك حقهم في السفر لأسباب سياسية، فتقوم بمنع السياسيين والناشطين والمثقفين من السفر للتأثير في توجهاتهم، أو لأسباب اقتصادية بهدف التحكم في الاقتصاد الفلسطيني وعدم إعطائه هامشا من الحرية وإبقائه رهينة للاحتلال، بالطبع هذا يخالف اتفاقية جنيف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تتحدث عن مغادرة وعودة سكان الإقليم المحتل بحرية، والأدهى من ذلك واقع الانقسام بين شطري الوطن الذي فرض نفسه على حياة المواطنين بسبب المناكفات السياسية القائمة بين طرفي الانقسام، حيث ازدادت الشكاوي حول انتهاك الحق في التنقل والسفر، واتخذت تلك الانتهاكات أنماطاً مختلفة، تركزت في العديد منها كردود أفعال مباشرة مبنية على أساس المناكفات، ومنها منع الأجهزة الأمنية بعض المواطنين من السفر، وفرض الإقامة الجبرية على بعض المواطنين، والتأخير في طباعة جوازات السفر، وشرط السلامة الأمنية وغيرها.
باعتقادي أنه في ظل النصوص الدستورية السابقة أصبح من غير الممكن أن نخضع دخول الفلسطيني لبلاده على تصريح أو فيزا يحصل عليها مسبقاً من السلطات الفلسطينية، فالمواطن يدخل بلاده في أي وقت يشاء، وبلا قرار يؤذن له بالدخول، كما أنه لا يجوز منع أحد من السفر، ونص المادة (28) من القانون الأساسي واضح بحيث لا يسمح بتدخل السلطة التنفيذية ولو من باب التنظيم في هذا المجال، فلا يجوز تحت أي وصف من الأوصاف طرد المواطن الفلسطيني من البلاد إلى خارجه، وأي إجراء في هذا الشأن يعتبر إجراء غير دستوري، كما أن السلطة التشريعية لا تستطيع أن تتدخل بالنص على طرد الفلسطيني من إقليم الدولة ولو على سبيل العقوبة، لأن ذلك يعتبر مخالفاً للقانون الأساسي، وبالتالي يطعن عليه بعدم المشروعية الدستورية، كما أنه على الاحتلال الاسرائيلي احترام الاتفاقيات الدولية التي تمنح سكان الإقليم المحتل حرية الاقامة والتنقل والسفر دون عوائق .
بقلم/ رمزي النجار
[email protected]