ليكن الاول من أيار يوما لحرية جماهير العمال وكل المضطهدين والكادحين

بقلم: عباس الجمعة

تحتفل شعوب العالم من دون استثناء بيوم الأول من ايار عيد الطبقة العاملة ،طبقة البروليتاريا الأممية ، ففي مثل هذا اليوم قبل 129 عاماً قامت البرجوازية بشنق قادة إضراب عمال هاي ماركت في مدينة شيكاغو أمام الحشود لمطالبتهم بتخفيض ساعات العمل واعطائهم حقوقهم في الخبز والدواء ، فشكل هذا اليوم يوم الأول من أيار يوما خالدا للعمال ، تنحني فيه الهامات إجلالا لتضحيات أولئك العاملين الكادحين الذين أقيمت على أكتافهم ركائز العملية التنموية بإبداعاتهم وعطاءاتهم ودعائم المنظومة الاقتصادية والاجتماعية بعقولهم ونضالاتهم ومحاور النهضة الإنتاجية والإبداعية بسواعدهم وعرقهم حتى نسج هؤلاء المناضلون أعظم الملاحم البطولية والمبدئية، تجسيدا لرسالتهم المبدئية والأخلاقية التي حملوها في عقولهم وقلوبهم، وناضلوا من أجلها بأشجع المواقف ضد الظلم الاجتماعي والاستغلال الطبقي وفي مواجهة جشع الرأسمالية البشعة والقائمة على فائض القيمة وتلك الأرباح الخيالية الطائلة.

ولعل هذا التاريخ قد دون ما بين صفحاته المضيئة يوم الأول من ايار بأحرف من نور ، هذا اليوم ودلالاته قد أعطى تجسيدا حيويا لأعظم انتفاضة عمالية سطر أبطالها من العمال والنقابيين بدمائهم وتضحياتهم وشهدائهم ، وهجها مضيئا انتصرت على مافيا الرأسمالية الطائلة في انتزاع حقوقها العمالية والنقابية والإنتاجية والاجتماعية من رأسمالية الدولة الاحتكارية والمتمثلة في الكارتيلات والتروستات.

بمرور مئة وتسعة وعشرون عاماً على ثورة عمال شيكاغو ضد طغم الظلم الرأسمالية الاحتكارية،لم تستطع الطبقة العاملة باتحاداتها وقياداتها النقابية وأحزابها العمالية حتى الآن،أن تحقق أهدافها في بناء مجتمعات قائمة على العدالة الاجتماعية وخالية من التناقضات والصراعات الطبقية، بل ما نشهده زيادة في تغول وتوحش رأس المال وارتفاع حدة ووتائر الصراعات والتناقضات الطبقية، كما ان الاستغلال والاضطهاد الطبقي يتسع وتزداد مداياته، والاحتكارات انتقلت من إطارها المحلي والقومي إلى الإطار فوق القومي والعالمي،ونشهد حالة من بيع وتدمير القطاعات العامة لصالح الشركات الاحتكارية،وسن القانون والتشريعات التي تسحب وتنقض على حقوق ومنجزات حققها العمال بنضالاتهم وتضحياتهم عبر مسيرة طويلة من الكفاح والنضال عمدت بالشهداء والجرحى والمعتقلين ،وبما يثبت أن الرأسمال في سبيل مصالحه وأهدافه لا يدوس فقط على حقوق العمال وكراماتهم،بل ويدوس على العمال أنفسهم ولا يقيم أي معنى أو قيمة لحياة البشر في هذا الجانب،ويجري التعامل معهم كأي شكل من أشكال البضائع.

واليوم تحتفل شعوب العالم قاطبة بعيد العمال، بيوم الأول من ايار كل عام ، ولعل شعب فلسطين المناضل هو أحد هذه الشعوب المناضلة الذي يواجه بلحمه الحي جبروت الاحتلال الصهيوني الغاشم ، حيث ارتكب بحق الطبقة العاملة العديد من المجازر على ارض فلسطين ، بينما الطبقه العمالية تحاول انتزاع المكتسبات النقابية والعمالية بتضحيات مؤسساتها المدنية والشعبية وفي مقدمتها الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، أهم تلك المكتسبات ، حيث تحتفل

بهذا اليوم العظيم من خلال إحياء المسيرات العمالية والجماهيرية بما يليق بنضالات الطبقة العاملة والتضامن مع اسرى الحرية خاصة.

وعند الحديث عن الطبقة العاملة الفلسطينية ومدى ما تتعرض له من اضطهاد واستغلال قومي وطبقي ،و ما تعانيه من قمع واضطهاد يصل حد الإذلال وامتهان الكرامة من قبل حكومة الاحتلال،والحديث هنا ذو شجون يدمي القلب ويدمع العيون،حيث يضطر الكثير من عمالنا في سبيل لقمة العيش أن يسكتوا عن الكثير من التجاوزات والإهانات والممارسات من قمع واضطهاد واستغلال وسلب حقوق وتدني أجور،ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد،بل كثير من المؤسسات المسماة وطنية تستغل حاجة العمال بعدم توفر فرص عمل لهم في السوق المحلية، وعدم وجود حد أدنى للأجور والحماية من البطالة والفقر،وإمعاناً في استغلال حاجة العمال للعمل ترى الكثير من المؤسسات،وحتى لا يترتب عليها أية التزامات لجهة حقوق العمال من عطل أسبوعية وإجازات سنوية وحوافز ومكآفأت وتقاعد وضمان صحي واجتماعي وغيرها،تلجأ الى تشغيل العمال بعقود مؤقتة أو مياومه أو العمل بالقطعة ،أما عند الحديث عن المرأة العاملة فترى اضطهادا مركباً ومضاعفاً، حيث التميز في أجور العمل وعدد ساعات العمل وطبيعة العمل والحقوق الأخرى من إجازة أمومة ورعاية الأطفال وحقها في إرضاع طفلها في الساعات الدوام وغيرها من الانتهاكات الأخرى المرعبة والمخيفة.

امام هذه الاوضاع الذي يتعرض فيها العمال الى الغبن إلى جانب سياسات القهر الاجتماعي تجاه هذه الشريحة الأساسية في المجتمع، تتواصل الهجمة الامبريالية الصهيونية الرجعية على المنطقة في محاولة لفرض مشروع ما يسمى الشرق الاوسط الجديد من خلال تكليف قوى الارهاب المجرمة من عصابات داعش والنصرة وغيرهما بهدف تمزيق شعوبنا على أسس مذهبية واثنية وقبلية بعدما فتح لها الكيان الصهيوني منافذ على الحدود العربية ليضاعف من المعاناة ليس في استهداف لقمة العيش وحسب، بل في الأمن والاستقرار وفي حياة الناس ، وما يجري في مخيم اليرموك من تهديد وجودي وصل الى حد قطع الاعناق من خلال عمليات القتل والمجازر، وهذا الإرهاب الوحشي هو نتاج مؤامرة امبريالية استعمارية صهيونية بهدف الوصول الى شطب حق العودة وتصفية القضية الفلسطينية .

ان نتاج تراكم تضحيات وكفاح العمال، يجب ان يبقى أولوية تتقدم على كل الأولويات، الى جانب الاستمرار تسوية اوضاع المناضلين والمناضلات الذين يعملون بدون كلل او ملل من خلال اعطائهم مطالبهم المشروعة ورفع الغبن اللاحق بهم ، ومواجهة الاحتكار والفساد والاستغلال وغياب الخدمات، ومواجهة السياسات الضرائبية التي تفرضها قوى الانقسام في قطاع غزة والتي تحاول فرض اقامة امارة على حساب وحدة الجفرافيا بين القطاع والضفة ، والتي تنال دائما من الفقراء وذوي الدخل المحدود وتستثني أصحاب الثروات ورأس المال المتوحش، مما يستدعي السعي الحثيث من أجل تعزيز الأمن الاجتماعي في قطاع غزة من خلال اعطاء حكومة التوافق الوطني دورها في كافة المجالات حتى يتمكن الشعب الفلسطيني الذي صمد وضحى في كافة معارك الصمود والتحدي من اعادة اعمار ما هدمه الاحتلال الصهيوني .

ولهذا يجب ان تكون رسالتنا للاول من ايار هو التمسك بكافة اشكال النضال ضد الاحتلال اولا لانها العدو الرئيسي ، ونحن على ثقة بأن قوة الشعب العربي الفلسطيني ستحطم الجدار وستهدم المستوطنات وسيتمكن حتما من النصر والتحرير واقامة الدولة الفلسطينية العربية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس, هذا هو نضال الطبقة العاملة من اجل تلبية حقوقها ضد الظلم والاستبداد.

إننا ندرك حجم الآلام التي يعانيها العمال بسبب الاحتلال والبطالة والتمييز الذي يواجهونه في شتى المجالات، بما في ذلك محاولات تحويل الطبقة العاملة إلى جيش"متسول"ينتظر المساعدات من هنا وهناك بعد أن كانت تكتسب لقمة خبزها بكرامة وشرف،إن ذلك يتطلب وحدة الحركة العمالية، وتوحيد أطرها ومؤسساتها، وتكريس الديمقراطية وإجراء الانتخابات وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل وتبني برنامجًا كفاحيا مطلبيا دفاعا عن حقوق العمال ومصالحهم وسن التشريعات القانونية، التي تضمن المساواة العادلة بين العاملين والعاملات، وإقرار حد أدنى للأجور، وتوفير شروط الصحة والسلامة وصولا لضمان حياة حرة كريمة للعمال عن طريق تعزيز وحدتهم ونضالهم الوطني والاجتماعي على قاعدة أن ضمان الحقوق الاجتماعية والديمقراطية هو ضمان للحقوق الوطنية.

في هذا اليوم يجب ان نقول أن صمود الشعب الفلسطيني لم يكن يوما بضاعة تجارية تشترى بالأموال، حيث اكد هذا الشعب العظيم بفضل تضحياته خلال سبعة وستون عاما من النكبة وقبلها، انه سجل بطولات يومية لم توثق في غالبيتها الساحقة، ولم تجد من يوثقها، ونحن هنا نتطلع الى استمرار تلك الأجيال التي حملت المشروع الذي يواجه عقلية النكبة، ونرفض خصخصة النضال.

من هنا نرى ان مناسبة الاول من أيار انطبعت عند أجيال متعاقبة ، لان الفكرة التي جسدها هذا اليوم الأغر يمثل الطموح الإنساني الأكثر شمولية والأكثر عدالة والأكثر حرية لكل جماهير العمال وكل المضطهدين والكادحين ، ولكافة الأحزاب والفصائل والحركات الثورية العمالية باعتباره رمز تحرر وثورة ويشكل حالة انسانية وديمقراطية وثورية.

ختاما كنا نتمنى ان نحتفل بإنجازات و نحتفل بمكتسبات و نحتفل بعالم اكثر انسانية و اكثر عدالة ، ولكن للأسف الوضع اكثر تشاؤم، في ظل العدد الكبير من العاطلين عن العمل في كل أنحاء العالم العربي وخاصة في مخيمات اللجوء الفلسطيني من جيل الشباب ، يعانون من الفقر والحاجة والحرمان ، وتخلف أوضاعهم الصحية ، أو تأخّرهم عن الزواج ، أو عجزهم عن تحمُّل مسؤولية أُسَرِهِم .و يرجع ذلك إلى إخفاق خطط التنمية الاقتصادية وقوانين العمل في الاقطار العربية، وهذا يتطلب من النقابات ان تقف امام التحدي الكبير و قضية المصير لهؤلاء الشباب ، عليها مواكبة قضاياهم و تفعيل التضامن الحقيقي الفعال معهم ، واستعادة دور النقابات وكلمتها المسلوبة ،من اجل كرامة العمل و العمال ، لما للنقابات من دور تاريخي سيحدد مصير المستقبل و مصير الطبقة العاملة و موقعها في المجتمع ، كما يستدعي ذلك استنهاض كافة القوى الثورية والعمالية لمواجهة كافة الالتفافات الممكنة على حركتها التحررية وقدرتها، وتحصين شعوبها دون السقوط من جديد في التبعية للقوى الامبريالية التي تحاول تدمير حضارتها وتضحياتها في سبيل بناء أوطانها، في محاولة لإعادة الإستعمار والقضاء على

أحلامها في الحاضر والمستقبل، وحتى يبقى نضالها من اجل الدفاع عن اوطانها ودعم صمود الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعه وحتى تبقى فلسطين هي البوصلة .

عاش الاول من ايار يوم العمال يوم الاحرار, عاشت الطبقة العاملة.

بقلم / عباس الجمعه

كاتب سياسي