لا شيء أكبر من الوطن ، فالوطن للجميع ويتسع للجميع ، وأي تفكير يجعل الوطن شيئاً دوني هو تفكير ظلامي ، تفكير يختصر الوطن في مصالح فئوية على حساب مصلحة الكل الوطني ، فالوطن لا يمكن تقزيمه في إمارة أو دويلة أو سلطة ، لأنّ الوطن هو بكل مكوناته الاجتماعية والفكرية والسياسية والدينية وحتى القومية ، ومن يحمل اسم الوطن عليه أن يحافظ على الوطن وأبناء الوطن بقدر ما هو متاح أمامه وبقدر ما هو ممكن فعله ، ولفلسطين وبسبب ظروف نشأة قضيتها خصوصية الجمع بين الوطن المادي والوطن المعنوي ، وذلك نتيجة النكبة التي ألمت بالشعب الفلسطيني عام 1948 وجعلته ينتشر خلال عقود سبعة في كل أرجاء العالم .
فلسطين التي انتفى وجودها في نهاية النصف الأول من القرن الماضي ، وتحولت إلى قضية إنسانيّة بحتة ، ثم انطلقت ميلاداً جديداً من أزقة المخيمات بانطلاق الثورة الفلسطينية في الفاتح من كانون الثاني عام 1965 ، مسبوقاً بميلاد منظمة التحرير الفلسطينية تعيش اليوم أزمة الضياع والتيه من جديد ، ضياعٌ وتيه فلسطيني بإرادة فلسطينية ، عندما يتم القبول بجزء الوطن كوطن بديل للكل الفلسطيني فإنّ هذا يعني أنّ الجزء الآخر من الوطن أصبح خارج الحساب الوطني وخارج الرواية التاريخية الفلسطينية ، لأنّ الجزء الآخر لم يعد ملكاً وحقاً تاريخياً للشعب الفلسطيني بقدر ما أصبح وطناً قومياً للغزاة الصهاينة ، فحل الدولتين كما إقامة الإمارة الحمساوية لا يخدم الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في كل فلسطين .
ومنظمة التحرير الفلسطينية التي قاتل الفلسطينيون من أجل تكريسها كممثل شرعي وحيد للشعب العربي الفلسطيني ، وككيان سياسي ووطن معنوي لكل الشعب العربي الفلسطيني ، تعاني اليوم من أزمة وجودها بسبب عدم الاهتمام ببنيتها السياسية والتنظيمية والشعبية ، وأولى ما تعانيه المنظمة التقوي بالسلطة الوطنيّة عليها ، فبدل أن تكون السلطة الوطنيّة ذراعاً نضالياً للمنظمة تحولت المنظمة إلى ورقة خاسرة بيد السلطة ، وغاب بذلك التمثيل الفلسطيني الحقيقي على جميع المستويات الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية ، وأصبحت السلطة هي التي تحتل المقعد الفلسطيني وإن كان باسم دولة فلسطين أو باسم منظمة التحرير الفلسطينية ، وغياب منظمة التحرير عن الساحة الدولية حتى عبر السفارات الفلسطينية التي أصبحت تتبع ما يسمى وزارة الخارجية الفلسطينية دون أن تكون تابعة للدائرة السياسية في اللجنة التنفيذية للمنظمة ، هذا الغياب الذي فرض نفسه ممارسة خاطئة للسفارات الفلسطينية التي لا يعنيها سوى أبناء السلطة الوطنيّة ، وقد ظهر ذلك واضحاً جلياً في التعامل مع نتائج الأزمة السوريّة على الصعيد الفلسطيني .
ففلسطينيو سوريةّ الذين قذفت بهم الأزمة السّورية في عرض البحر الأبيض المتوسط وعلق الكثير منهم في مقدونيا وقبرص ومصر لم يلقوا الاهتمام اللازم من قبل السفارات الفلسطينية في تلك الدول ، رغم توجيه عشرات النداءات لهذه السفارات وللقيادة الفلسطينية حتى بلغ السيل الزبى دون حل واضح لمعاناتهم .
حتى أنّ معاناة المخيمات الفلسطينية في سورية لم تكن موضع اهتمام القيادة الفلسطينية ولم تكن على جدول أعمال اللجنة التنفيذية في أي اجتماع من اجتماعاتها كبند مستقل ، وحتى أنّ الطلب الذي تقدم به السيد سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني إلى اللجنة التنفيذية عبر السيد الرئيس بطلب عقد دورة استثنائية للمجلس المركزي الفلسطيني لمناقشة وضع المخيمات الفلسطينية في سورية وخاصة مخيم اليرموك لم يجد أذناً صاغية داخل اللجنة التنفيذية وربما لم يصل إلى أسماع أعضائها ، وكأنّ ما يجري في اليرموك لا يعني مملكة السويد التي تحظى بالاهتمام الفلسطيني باثنين من مواطنيها تم خطفهم داخل الأراضي السّورية ، وكأنّ نصف مليون لاجىء فلسطيني طالتهم الأزمة السّورية لا يعادلون في الحسابات الفلسطينية الرسمية مواطنين اثنين من السويد ، حيث أنّ نصف مليون لاجىء فلسطيني لا يساوون جناح بعوضة سويدية لدى اللجنة التنفيذية للمنظمة التي هي كانت وما زالت وستبقى الوطن المعنوي والكيان السياسي لكل الشعب العربي الفلسطيني ، فهل تدرك اللجنة التنفيذية خطيئتها بحق أبناء شعبها وتبادر لأن تكون ممثلا حقيقياً لكل الشعب العربي الفلسطيني .
حمص في 4/5/2015 صلاح صبحية