جاء قرار إنشاء مجلس التعاون الخليجي في الوقت الذي كانت تعصف بالمنطقة العديد من التحديات والتطورات والصراعات ضمن بيئة إقليمية ودولية مضطربة تحيط بدول الخليج العربي, بدءاً من سقوط نظام الشاه ونجاح الثورة الإسلامية الإيرانية والسعي المستمر لتصدير الثورة للدول العربية المجاورة ودعم ومساندة الطائفة الشيعية في تلك الدول, واندلاع الحرب العراقية – الإيرانية, وتوقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية وما رافقها من انقسام في الموقف العربي, واشتداد التنافس بين قطبي النظام العالمي آنذاك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي فيما عرف وقتها بالحرب الباردة واقتراب الاتحاد السوفيتي من المياه الدافئة في الخليج بعد احتلال افغانستان عام 1979, حيث شكلت هذه البيئة المشتعلة مصدر توتر وخطر وتهديد لدول منطقة الخليج العربي, ففي غمرة هذه الأحداث عقد قادة دول الخليج اجتماعاً في العاصمة الإماراتية أبوظبي في 25 – 26 مايو 1981, وتم خلال هذا الاجتماع الاعلان عن تشكيل مجلس التعاون الخليجي واصدار النظام الأساسي للمجلس والتوقيع عليه من قبل الدول الخليجية الستة (الإمارات والسعودية والبحرين والكويت وقطر وسلطنة عمان), تعزيزاً وترسيخاً لروابط الأخوة وتحقيق التعاون والتنمية والتنسيق والتكامل والترابط بين دول المجلس في كافة المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية والثقافية والتعليمية وغيرها من المجالات, إلى جانب تعزيز أواصر الترابط بين شعوبها, لما تتمتع به دول الخليج العربي من متانة وقوة العوامل والروابط المشتركة الدينية والتاريخية والاجتماعية والثقافية, بحكم التقارب والتواصل الجغرافي والحدود المشتركة فيما بينها, وأيضاً لمواجهة التحديات الأمنية المحيطة بهم وحماية أمن واستقرار دول منطقة الخليج العربي.
استمرت مسيرة مجلس التعاون الخليجي في ظل استمرار التحديات والتطورات والتغيرات, التي تعرض لها النظام العربي والإقليمي والدولي, وهذه التطورات تمثلت في استمرار الحرب العراقية – الإيرانية لمدة ثماني سنوات, واحتلال العراق للكويت وعلى إثرها قامت حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت, ومن ثم الاعلان عن تفكك الاتحاد السوفيتي وتحول النظام العالمي من ثنائي القطبية إلى أحدى القطب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية, وما هي إلا سنوات قليلة حتى جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك من قبل تنظيم القاعدة, وكان من نتائجها أن تم إعلان الحرب على أفغانستان والعراق من قبل قوات التحالف وسقوط النظام العراقي, في هذه الأثناء بدأت الأطماع الإيرانية بالتمدد والنفوذ تتزايد تجاه المنطقة استثماراً لحالة الفراغ التي أوجدها سقوط النظام العراقي, من خلال دعمها ومساندتها لحلفائها وأذرعها في المنطقة, والتي أصبح التواجد والحضور الإيراني بها بشكل كثيف وظاهر, سعياً لتنفيذ مخططها ومشروعها الصفوي وتحقيق حلم الإمبراطورية الإيرانية, والاستمرار في بناء وتطوير برنامجها النووي للوصل إلى امتلاك القوة النووية. وبدأت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار تضرب المنطقة العربية والتي كان عنوانها الحركات الاحتجاجية في العديد من الدول العربية, فسقطت أنظمة وارتفعت أسهم التنظيمات والجماعات الإسلامية واعتلت سدة الحكم وكان أبرزها تولي جماعة الإخوان المسلمين الحكم في جمهورية مصر العربية لمدة عام واحد, إلى جانب استمرار الصراع في سوريا بين قوات النظام والمعارضة, والبروز القوي لجماعات الإرهاب والتطرف في سوريا والعراق وليبيا والمتمثل بتنظيم داعش وتزايد تهديداتهم وخطرهم لأمن واستقرار المنطقة العربية بأكملها, وكان آخر تلك التطورات والتحديات تنفيذ جماعة الحوثيين انقلاب والسيطرة على العاصمة اليمينة, كل هذا بالتزامن مع استمرار التدخلات الإقليمية والدولية وتشكيل تحالفات وتجاذبات واستقطابات وفق أجندات تلك القوى من أجل حماية وتأمين مصالحها وخدمة لمشاريعها ومخططاتها الهادفة إلى تقسيم الوطن العربي إلى دويلات وكنتونات قائمة على الطائفية والمذهبية والعرقية, في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات وتفاعلات استراتيجية وبروز لقوى إقليمية ودولية وفاعلين من غير الدول, وعودة النظام العالمي متعدد الأقطاب يحكمه التنافس والتنازع على النفوذ في المنطقة, واختلال وتغير في ميزان القوى وعودة لمفهوم سباق التسلح مجدداً.
تلك التطورات والتحولات القديم منها والحديث شكلت أبرز التحديات التي تعرض لها الأمن القومي الخليجي, ما استدعى من قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن يواجهوا تلك التهديدات والمخاطر منذ التأسيس, فبدء التنسيق والتعاون الأمني بين دول المجلس من خلال اقرار العديد من الاستراتيجيات المتعلقة في هذا الشأن, فتم تشكيل قوات درع الجزيرة وتوقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية وتوقيع اتفاقية الدفاع المشتركة واتباع استراتيجية الدفاع الوقائي دبلوماسياً وعسكرياً بناءً على طبيعة المتغيرات والتحديات المحيطة بدول الخليج, فاستطاع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الحفاظ وحماية الأمن القومي الخليجي وصون استقلال وسيادة دول الخليج, وتحصين الجبهة الداخلية والقدرة على التصدي ومواجهة كافة المخاطر والتهديدات والتغيرات الإقليمية والجيوسياسية الخارجية المتسارعة, وذلك بفضل حالة التوافق والتجانس فيما بين دول المجلس والتي تتجلى بتبني مواقف وقرارات موحدة تجاه كافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية, انطلاقاً من الإيمان بالمصير والمصالحة المشتركة تحقيقاً للمبدأ الذي ينص على أن المحافظة على أمن واستقرار دول المجلس هو مسؤولية جماعية يقع عبؤها على الجميع, وأن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ, وأن أي اعتداء على أية دولة من دول الخليج هو بمثابة اعتداء على الجميع, وأن محاولات التدخل من قبل أي جهة في الشؤون الداخلية لأي دولة هو تدخل في الشؤون الداخلية لكافة دول المجلس.
أحمد سمير القدرة
باحث في شؤون الشرق الأوسط
