قد يكون هذا العنوان ، غريبا أو مضحكا للعديد من الكتاب والمثقفين ، إلا إنني أتعمد استخدامه في هذا المقال ، والسبب هو أن التعدد هو المناخ الصحي التي يجب أن تعمل فيه أي ثورة تحرر في العالم ، وهذا ما شهدنا في كثير من ثورات التحرر ، والتعدد هنا معناه تعدد المشاريع الوطنية ، وتعدد أساليب النضال والثورة لبلوغ الأهداف ، انطلاقا من وحدانية الهدف مهما كان الاختلاف ، والتعدد يجب أن يكون مصدر قوة لا مصدر ضعف للثورة ،
في حالتنا الفلسطينية الراهنة أصبح التعدد مصدر قلق لشعبنا وعلى قضيتنا ، بل لعله الأخطر منذ النكبة عام 1948 ، لأنه بالفعل بات يهدد وجودنا وطموحاتنا وأمالنا الذي عاش عليها شعبنا عشرات السنين من الضياع والتشرد وما صاحبهما من قتل وتدمير واعتقال ، على الرغم من أن الهدف واضح وضوح الشمس ولا لبس فيه ، فإذا سالت أي فلسطيني سؤالا حول قضيته الفلسطينية ماذا تريد ؟, يجيبك على الفور وبلا تردد : عودة الحقوق المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني أو الإسرائيلي أو اليهودي أي كان المسمى فجميعها مترادفات للاحتلال ، وحقنا في تقرير المصير ، وهذا هو المطلب الذي عمل عليه الفلسطينيون منذ اليوم الأول للنكبة ، حيث تشكلت مجموعات الفدائيين لمهاجمة قواعد الاحتلال العسكرية ونصب الكمائن القاتلة لجنودة ، وتدمير منشآته ، كما بدأ العمل على إفشال كل مخططات التدويل والتوطين والوطن البديل التي طرحتها بعض القوى الاستعمارية وبعض القوى العربية المتساوقة معها في ذلك الحين ، إلى أن انطلقت الشرارة الأولى للثورة الفلسطينية في الأول من يناير 1965 ، معلنة الهدف هو تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني ، كل فلسطين من النهر إلى البحر ، وقد صاحب ذلك انطلاق عدة فصائل وأحزاب وتيارات، حملت نفس الهدف فالهدف واحد مهاما كان الاختلاف في الرأي أو المعتقد وتاريخ الثورة سجل بأحرف من نور العمليات الفدائية التي قام بها الثوار الفلسطينيون من مختلف الاتجاهات ، عملية فدائية هنا نفذها ثوار الفتح ، وعمليه هناك نفذها ثوار الجبهة الشعبية وهكذا ، ظل التناغم والعمل الوطني ، كان هناك اختلافات إلا أنها لم ترق إلى استخدام السلاح ضد بعضنا البعض ، وقد عبر عن ذلك الرئيس الراحل أبي عمار عندما قال إنها الديمقراطية في غابة البنادق ، كان شعبنا ينظر بأمل وفرح لهذه الثورة والأعمال البطولية لم يكن هناك بغض ولا تطاول ولا تخوين ، بل كان هناك التقدير لكل الفلسطينيين ، الم يصف الرئيس أبو عمار السيد جورج حبش بأنه حكيم الثورة والشيخ احمد ياسين بأنه شيخ فلسطين ، فالكل فلسطيني والكل يعمل لفلسطين هذا ما كانت عليه الثورة الفلسطينية .
اليوم نبحث عن تلك اللوحة الجميلة التي رسمها شعبنا بدماء أبنائه فلا نجدها ، لم إلا نجد لوحة مع الأسف قبيحة بل الأشد قبحا من الألوان والخطوط الغير منتظمة وأشكال لا تعرف لها لا لون ولا هيئة هي حالتنا السياسية الراهنة لدرجة تجعلك تتساءل دائما أسئلة تعيدك إلى الوراء وكأنك تنسى أو تتناسى التاريخ المجيد القريب الذي شهدنا بعضه في جزء من حياتنا ، ماذا نريد ، هل نريد وطنا بكل مكوناته السيادية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى البيئية ، أم نريد معبرا أو ميناء ، ونصيب من الموارد والمناصب ، نريد مقاومة أم مفاوضات ، نريد العنب أم نقاتل الناطور ، هل نريد أن نكون شعبا واحدا أم نريد أن نكون شعبين شعب مع وشعب ضد ، انقوا الله في أنفسكم وشعبكم ووطنكم المهدور كرامة وموارد وأرضا ، لماذا الصراعات والمناكفات والحوارات المتعددة والاتفاقات التي لا حصر لها ، وانأ أريد وذاك لا يريد ، وخطاب الأنا حيث أنا الفلسطيني وغيري ليس فلسطيني ، أنا المقاوم وغيري الذي يتنازل ، هذا مسلم وذاك كافر ، هذا وطني وذاك عميل ، مدافع ورشاشات من الردح والردح المضاد ، لماذا ماذا دهاكم ، لا ليس صحيحا ما تتفوهون به وسئمنا سماعة الشعب الفلسطيني معظمه مسلم موحد بالله ، الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحيه شعب وطني متمسك بحقوقه وأرضه ، ولماذا الاختلاف وعلى ماذا ؟ العالم يتغير من حولكم ، والرياح والعواصف الهوجاء بدأت تدق أبوابكم ،
وجود حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ، وحركة المقاومة الإسلامية حماس ، وحركة الجهاد الإسلامي ، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وجبهة النضال وحزب الشغب وغيرها أمور صحية وايجابية في المجتمع وجميع أبناء هذه الفصائل هم أبناء الشعب ، هم في الحقيقة إخوة وبني عم وأصهار وجيران ، تربطهم علاقة الجيرة والشارع الواحد والحي الواحد والمدينة أو القرية الواحدة والوطن الواحد فلماذا وعلى ماذا الاختلاف والتشرذم .
الم نتعلم من عدونا مغتصب أرضنا وناهب مواردنا ، بالأمس كان هناك اختلافات بين الإسرائيليين هو الأشد اختلافا في تاريخها حول نتنياهو ، وحقق نتنياهو فوزا وقام بتشكيل الحكومة ، والغريب انه ضم في حكومته وزيرة للعدل اسمها ايليت شاكيد يهودية عراقية من اشد الساسة الإسرائيلية عنصريه وحقدا على الفلسطينيين وطالما نادت بإبادة الفلسطينيين وذبح أطفالهم ونسائهم ، لم نسمع عن اختلافات بينهم حول هذه الوزيرة الفاشية ، لم نسمع عن صراعات مسلحة بينهم ولم نسمع عن تخوين ولا تكفير ، فالجميع منهم حتى الأكثر اعتدالا في نظرنا نجده مطأطئ الرأس أمام أي إجراء أو ممارسة ضد الفلسطينيين ، لهذا ليس غريبا أن يكون أول قرار يتخذه نتنياهو بعد تشكيل حكومته إنشاء 900 وحدة استيطانية دون اعتراض من كل المعتدلين لان الأمر يتعلق بالفلسطينيين .
اليوم ونحن نواجه أقذر واخطر حكومة إسرائيلية ، وهنا أسجل اختلافي مع البعض الذي يرى في فاشية هذه الحكومة فائدة للفلسطينيين ، أقول لا فائدة ترجى ، لا تنسوا مثلنا الشعبي القائل : "ذيل الكلب لا يعدل" ، وسيلتنا الوحيد مواقف صلبة وشجاعة ، مواقف جريئة بعيدة عن تكلس البرامج والمشاريع ، مواقف وطنية وقرارات مسئولة، وأنا على يقين أن شعبنا سوف يستجيب لكل قرار وطني بمعنى الكلمة ، السبيل الوحيد الآن لمواجهة عدونا وإعادة اللحمة لشعبنا طالما أن كل المحاولات والاتصالات والاتفاقات فشلت، فلا بد من فرض الواقع وفرض الواقع هنا موجه لعدونا مهما كانت النتائج ، هنا أمرين الأول : إعلان الدولة الفلسطينية وإنهاء العمل رسميا بالاتفاقات السابقة واخص أوسلو ، عملا بقرار الأمم المتحدة 19/67 لعام 2012 ، أو الثاني: هو إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير لتكون الحاضنة لكل التيارات الفلسطينية بدون استثناء ، آو الاثنين معا ، وهذه خطوات يمكن تقديمها لشعبنا وفلسطين في هذا الشهر الذي سيشهد الذكرى السابعة والستين للنكبة والذكرى الحادية والخمسين لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية ، نعم في اعتقادي خطوتان ضروريتان وفيهم قلب الطاولة على أعدائنا ، وفيهما إعادة الاعتبار لشعبنا ونضالاته وتضحياته ، وفيهما الإسقاط في يد كل مزايد على شعبنا بتاريخه ونضاله وتضحياته.
بقلم/ أكرم أبو عمرو