سبعة وستون عاماً تمرّ على عمر النكبة الوطنية الفلسطينية والقومية العربية، والإسلامية والمسيحية والإنسانية، والتي تجسدت في 15/05/1948م عندما أعلنت بريطانيا العظمى آنذاك نهاية إنتدابها على فلسطين، وإعلان العصابات الصهيونية قيام كيان الإغتصاب الصهيوني على أكثر من 78% من مساحة فلسطين، وما نتج عنه من تشريد وتهجير قسري لأكثر من ثلثي شعب فلسطين، وتحويلهم إلى لاجئين في مخيمات بقيت شاهدة على جريمة العصر وعلى أكبر جريمة إنسانية شهدتها المنطقة، والتي مثلت زلزالاً لا زالت هزاته الإرتدادية تعصف بالمنطقة، ففلسطين مركز الزلزال المدمر الذي لم يهدأ، ولن يهدأ، ولن تهدأ المنطقة معه، إلى أن تنتهي وتزول كافة آثار الزلزال المركزي الذي ضرب فلسطين في الخامس عشر من أيار للعام 1948م، فهل يدرك العرب ومعهم العالم أجمع هذه الحقيقة ؟!!
إن وهم الأمن والإستقرار والسلام في المنطقة، مع إستمرار آثار النكبة الفلسطينية، تكذبه أحداث المنطقة، وأحداث فلسطين، إن وهم تبديد الشعب الفلسطيني وتذويبه، وتبديد الوطن الفلسطيني وتزويره، بفعل القوة الصهيوإمبريالية، وَهمٌ وفريةٌ وكذبةٌ كبرى تضافُ إلى سجل الأساطير والأكاذيب الإستعمارية الصهيونية الإستيطانية، التي تسعى جاهدة منذ أكثر من قرن من الزمن، ومنذ سبع وستين عاماً على قيام كيان الإغتصاب، لتمريرها وتثبيتها بشتى وسائل العنف والقتل والبطش والإرهاب والتزوير...
إن فلسطين الوطن وفلسطين الشعب، حقيقتان ماثلتان للعيان، فلم يستكين شعب فلسطين، ولم تهدأ أو تستسلم أرض فلسطين، لكل عوامل القوة الغاشمة، الناعمة والخشنة، في محو الحقيقة التاريخية أو الإجتماعية، أو الحقيقة السياسية والقانونية التي إستطاع كفاح الشعب الفلسطيني وصموده العنيد والأسطوري من تسطيرها وتجسيدها في هذه المواجهة التاريخية مع الصهيونية والإستعمار، فالشعب الفلسطيني ليس كماً بشرياً زائداً عن حاجة المنطقة وحاجة العالم، إنه حقيقة إنسانية وسياسية وقانونية وتاريخية موجودة ولها حقوقها المشروعة، شأنها شأن شعوب العالم أجمع، كما أن الإستعمار والإحتلال الصهيوني لفلسطين حقيقة إستعمارية إحتلالية إستيطانية، حتماً زائلة، لأنها تمثل آخر مخلفات الإستعمار والنظام الدولي القديم، والذي يتعارض مع روح العصر، ومع روح التغيير، التي إجتاحت العالم، ومع روح النظام والقانون الدولي الذي بات يحكم العالم، ويفرض سلطانه على أشخاصه من الدول والمنظمات، ولن يفلت الكيان الصهيوني من هذه المواجهة الحتمية مع القانون والشرعية الدولية ومع شعب فلسطين الذي يزداد يوماً بعد يوم تصميماً على إنتزاع، وإسترداد، حقوقه كاملة غير منقوصة في وطنه فلسطين، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة الديمقراطية، التي تعبر عن إستعادة الحقيقة التاريخية والإجتماعية والقانونية والسياسية لشعب فلسطين، وأرض فلسطين معاً.
وشعب فلسطين في ذكرى النكبة وفي كل يوم يؤكد دائماً بيانه، وموقفه الثابت وعزمه المتجدد على نيل مطالبه المشروعة في وطنه، والتي باتت تحظى بتأييد شعوب العالم ودوله، وبات كيان الإغتصاب أكثر عزلة وحصاراً من أي وقت مضى، لإنكشاف أساطيره وإدعاءاته وأوهامه، فهو شيء من الماضي المنبوذ، وجريمة بشعة تكشف عن وجهها يومياً، تقبح وجه العالم.
فالنكبة الفلسطينية لن ولم تموت، حتى نعمل على إحياءها، إنها حية في قلوب وعقول أبناء شعب فلسطين، وفي عقول وقلوب جميع الأحرار في العالم، الذين يرفضون الظلم، ويعارضون الإستعمار والإحتلال والتمييز العنصري تلك صفات كيان الإغتصاب الصهيوني...
فلن تشهد فلسطين الأمن والإستقرار والسلام، ومعها المنطقة، ما لم يتم إستعادة الحقيقة التاريخية والجغرافية لإقليم فلسطين، كجزء لا يتجزأ من إقليم المنطقة وهويتها، عندها فقط تنتهي دوامة العنف واللاإستقرار التي عانت وستعاني منها المنطقة إلى أن يتحقق ذلك.
نعم إن فلسطين مركز الزلزال، ولن تفلح معالجات الهزات الإرتدادية للزلزال، دون معالجة الآثار الرئيسية لمركز الزلزال، في فلسطين، ومحو آثار النكبة الفلسطينية، إنها الحقيقة الساطعة، التي لا زال البعض يتجاهلها، لكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.
بقلم/ د. عبد الرحيم محمود جاموس