نكبات شعبنا مستمرة ومتواصلة في الكثير من الأشكال والتجليات والمسميات،وهذه النكبات متوقع لها مع تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة في دولة الإحتلال "الإسرائيلي"،ان تتصاعد وان تزداد بشكل غير مسبوق،حيث ان هذه الحكومة في صلب برنامجها،سن المزيد من القوانين والتشريعات الهادفة الى طرد وتهجير شعبنا من خلال الإستيلاء على أرضه،وممارسة كل أشكال التضيق والخناق عليه،لحمله على الهجرة والمغادرة القسرية،هي سياسة تطهير عرقي بإمتياز،نشهد تجلياتها في الإتفاق الذي جرى بين حزبي الليكود برئاسة "نتنياهو" والبيت اليهودي برئاسة "نفتالي بينت"،حيث أصر بينت مقابل موافقته على المشاركة في الحكومة،بأن يكون هناك بند ضمن الإئتلاف الحكومي يؤكد على تفعيل مخطط "برافر" التهودي،المستهدف لوجود وأرض شعبنا في النقب،حيث واضح من المناصب الموزعة بين أقطاب حكومة الإحتلال،مدى الحقد والعنصرية على شعبنا،فالصهيونية المتطرفة "أيليت شاكيد" من البيت اليهودي،والتي تصف أطفالنا بالثعابين الذين يجب قتلهم،حصلت على وزارة العدل،وكذلك المتطرف "أوري ارئيل" من نفس الحزب والمعين كوزير للزراعة والمنوط به تنفيذ القرار،مع عودة للمتطرف من الليكود" بني بيغن" من أشد مؤيدي ومقدمي الطلب الى "الكنيست" للتنفيذ.
هذه التشكيلة الوزارية المتطرفة تنذر وتقرع الجرس،بأنه ستكون هناك هجمة مسعورة على أهلنا وشعبنا في النقب،بقصد الإستيلاء على اكثر من (800000) دونم من أراض النقب،وطرد وتهجير اكثر من 30 ألف فلسطيني،وتدمير أكثر من أربعين قرية عربية غير معترف بها،والمحرومة من البنى التحتية والكهرباء والماء والخدمات للضغط عليها من أجل الترحيل،وفي هذا الإطار نذكر بأن قرية العراقيب تدمر وتهدم للمرة الخامسة والثمانين.
ونكبة شعبنا في النقب،ليست بالنكبة الوحيدة فشعبنا المنكوب والمشرد في مخيمات اللجوء منذ أكثر من 68 عاماً،عانى من نكبات جديدة،تعرضت فيها مخيماته للتدمير وسكانها للقتل والتشريد،وحتى الان لا يسمح بإعمارها،حيث ان عصابات مجرمة،كما حصل في مخيم نهر البارد"فتح الإسلام" اعتدت حينها على الجيش اللبناني وقتلت العديد من الجنود اللبنانيين،ولجأت في مخطط مشبوه للمخيم،وتحصنت فيه،حيث جرى تدميره من قبل الجيش اللبناني،اثناء إقتحامه لطرد تلك العصابات المجرمة،وحتى اللحظة الراهنة لم يسمح لأهله بالعودة إليه،وكذلك عمليات إعماره تجري ببطء شديد،حيث الكثير من سكانه ذهبوا في رحلة تيه ومنافي جديدة.
واليوم يشهد شعبنا في أكبر مخيماته في الشتات،مخيم اليرموك،عملية حصار وتجويع وطرد وتهجير وقتل وتدمير،من قبل عصابات مجرمة (داعش،نصرة،اكناف بيت المقدس وغيرها) تختطف المخيم ومن بقي من سكانه،وتمنع دخول المواد التموينية والغذائية والطبية للمحاصرين المتبقين من سكانه،او حتى فتح ممرات آمنة لنقل الجرحى أو خروج الأطفال والنساء وغيرهم.
تدمير مخيم اليرموك،قتل وتشريد سكانه من قبل تلك العصابات المجرمة يحمل اكثر من رسالة خطيرة وذات بعد إستراتيجي،في أولها واخطرها تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين،والغاء الدور التاريخي والوطني والرمزي للمخيم،فاليرموك هو الأكبر جغرافياً،وهو عاصمة اللجوء الفلسطيني،ورمز كفاحه ونضاله،وتمسك أهله بحق العودة،وشاهد على مأساة شعبنا وجرائم الإحتلال الصهيوني بحقه.
ولتحقيق هذا الهدف عملت تلك العصابات ومشغليها ومموليها على إخراج الفلسطينيين في سوريا وبالذات،أهل اليرموك عن حيادهم في الحرب الدائرة على سوريا،وزجهم في الصراع هناك نصرة لهذا الطرف او ذاك،حتى يكون هناك مشروعية لقتلهم وطردهم وتهجيرهم في رحلة لجوء جديدة،بحيث يجري توطينهم في الأماكن التي يهجرون او يهربون اليها،بالإضافة الى إحداث شرخ وخلخلة في العلاقة بين القوى الفلسطينية والدولة السورية المضيفة والحاضنة لشعبنا وثورتنا.
أما في قطاع غزة فشعبنا هناك يعيش النكبات بأبشع صورها،وليس نكبة لجوئه وطرده من أرضه بعد عام 1948،فهو بفعل الإحتلال شنت عليه منذ عام 2008 ولغاية الان ثلاثة حروب،كان اخطرها حرب تموز/ 2014 ،ليس فقط لجهة العدد الكبير من الشهداء والجرحى،بل لجهة العدد الكبير من البيوت المهدومة،والتي ما زال أكثر من مائة ألف ممن شردوا عن بيوتهم بسبب هدمها وتدميرها كلياً او جزئياً يفترشون الأرض ويلتحفون السماء،أو تم إيوائهم في "كرفانات" ومراكز إيواء تفتقر لشروط وظروف الحياة الإنسانية،فالإحتلال ما زال يفرض الحصار على القطاع،ويمنع دخول مواد الإعمار والمعابر لم تفتح،والظروف تزداد مأساوية بفعل الجوع والفقر والبطالة المرتفعة وإنعدام الخدمات من بنى تحتية وصرف صحي وكهرباء وماء وغيرها،وبما يجعل حياة الناس في ظل تلك الأوضاع،مع استمرار الإنقسام أشبه بمرجل يغلي،بلغ درجة الغليان،أو برميل بارود يوشك على الإنفجار.
أما في القدس فالوضع كارثي،فالإحتلال يسابق الزمن من اجل تهويد وأسرلة المدينة والإجهاز عليها،حيث "التغول" و"التوحش" الإستيطاني،بلغ مرحلة "تسونامي" لا يمر أسبوع دون نشر مخططات او طرح مناقصات لإقامة مئات وألآلاف الوحدات الإستيطانية في القدس،وقوانين وتشريعات عنصرية تشرع وتسن بغرض الإستيلاء على أراض المقدسيين وطردهم وتهجيرهم،ضمن مخططات التطهير العرقي،والتي كان آخرها قرار محكمة العدل "الإسرائيلية" بتطبيق ما يسمى بأملاك الغائبين على أملاك واراض المقدسيين المقيمين في الضفة الغربية،في عملية قنونة وتشريع للسطو وسرقة املاك المقدسيين في وضح النهار،وليس هذا فقط ومع تولي المتطرف "نفتالي بينت" من البيت اليهودي لوزارة التربية والتعليم،سنشهد هجمة كبيرة على قطاع التعليم والمنهاج الفلسطيني في القدس،حيث تخطط وزارة المعارف الإسرائيلية،لتطبيق منهاج التعليم الإسرائيلي على (2200) طالب مقدسي في (88) صف تعليمي مع مطلع العام الدراسي الجديد.
نكبات شعبنا ستتواصل وتستمر على اكثر من ساحة فمشاريع تصفية قضيتنا وتدمير مشروعنا الوطني مستمرة ومتواصلة،ليس بفعل الإحتلال الذي ينظر لنا كبديل لوجوده،بل بفعل انظمة ودول وجهات عربية وإقليمية ودولية،تريد أن تنهي وتصفي قضيتنا،والمأساة أنه رغم كل هذه النكبات والمخاطر المحدقة بقضيتنا وشعبنا ومشروعنا الوطني،ما زال الإنقسام يتكرس ويتعمق وتطول مداياته،وما زال طرفا الإنقسام يقتتلون ويتصارعون على إقتسام كعكة سلطة خالية من الدسم.
ألم يحن الوقت لكي يدركوا بانهم سيصبحون شركاء في نكبات شعبنا وتشرده وضياع حقوقه وثوابته الوطنية وتفكك مشروعه الوطني..؟؟
بقلم/ راسم عبيدات