حكومة الابتزاز والتطرف والعنصرية الإسرائيلية

بقلم: غازي السعدي

بعد مرور شهرين على إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة للكنيست، وسط مد وجزر، وعقبات كثيرة في عملية تشكيل الحكومة رقم (34) برئاسة "بنيامين نتنياهو"، وبعد مخاض طويل، ولدت حكومة "نتنياهو" تستند إلى أغلبية ضئيلة وغير قادرة على تجاوز الأزمات وإجراء إصلاحات وتستبعد حل الدولتين من أجندتها، فبعد مفاوضات مع كل من حزب "البيت اليهودي" وحزب "كلنا" و"شاس"، و"يهدوت هتوراه" اضطر نتنياهو لدفع ثمن مشاركتهم بحكومته غالياً، بحصولهم على حقائب وزارية هامة، وتقديم رشوات مالية لمؤسساتهم الدينية والاستيطانية، فقد اصطف المستوزرون أمام مكتب "نتنياهو"، الواحد تلو الآخر لساعات طويلة ومهينة، منهم من قبل بالذل والإهانة مقابل الحصول على منصب وزاري، ومنهم من هدد بمقاطعة جلسة تقديم الثقة بالحكومة، ومنهم من ادعى المرض وأدخل للمستشفى، كل ذلك لتشكيل ضغط لنيل مقعد في حكومة "نتنياهو" الرابعة، وسط أجواء مكفهرة وخانقة وشاقة في عملية التشكيل، مما يدل على عمق الأزمة السياسية الداخلية التي تعصف بإسرائيل، إضافة إلى أزماتها الخارجية، فحصول الثقة بالحكومة من قبل (61) نائباً، مقابل معارضة (59) أي بفارق صوت واحد، يشير إلى أن عمر هذه الحكومة سيكون قصيراً، ولا يستبعد إجراء انتخابات مبكرة للكنيست في العام القادم، فإسرائيل تعيش في أزمة حكم وعدم استقرار، فهي حكومة الاستيطان والمستوطنين والتعصب الديني التوراتي، الرافضة للسلام، والرافضة للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، المدعومة من قبل قرارات الشرعية الدولية، ومن خلال الاتفاقات الموقعة بينها وبين الفلسطينيين.

لقد أظهرت الاتفاقيات الموقعة بين حزب الليكود الحاكم، وبين الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي أن حكومة "نتنياهو" هي حكومة "سيرك" وقال معارضوها أنه لم يمر بتاريخ الحكومات الإسرائيلية، مثل تشكيلة وتركيبة هذه الحكومة في السابق، فالصراعات على الحقائب كانت سمتها الرئيسية وسط ابتزازات تناولها كتاب الأعمدة في الصحف الإسرائيلية بالانتقاد والتعليق، وبينما يعلن "نتنياهو" بأن حكومته ستعمل من أجل حل سياسي مع الفلسطينيين، مع المحافظة على مصالح وأمن إسرائيل، وهذا الإعلان لا يعدوا "كلاشيه" يستعمله "نتنياهو" للخداع والتمويه وشراء الوقت، بينما اختفى من الخطوط العريضة لهذه الحكومة، موضوع حل الدولتين، خلافاً لحكومة "نتنياهو" السابقة التي تشكلت عام 2013، فهي تخلو من هذا الالتزام بحل الدولتين، فهي حكومة يمينية استيطانية توسعية متطرفة ضيقة وضعيفة معارضة لقيام الدولة الفلسطينية، وأن أكثر ما يتمناه "نتنياهو"، عدم قيام مفاوضات جدية مع الفلسطينيين، لكي يستمر بالاحتفاظ والسيطرة على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وسيطرته الأمنية على الفلسطينيين، للاستمرار في تحقيق المشروع الصهيوني، فلا نهاية للأطماع الإسرائيلية كذلك لا نهاية، ولا حدود لمفهوم الأمن الإسرائيلي، فإن أحداً لم يعد يثق بإسرائيل تتوق للسلام، حتى أن المتعاطفين مع إسرائيل في الغرب، الذين خُدعوا بدعوات إسرائيل للسلام، لم يعودوا يصدقونها، ومع ذلك هناك بعض العقلاء من بين الإسرائيليين الذين يقولون:"إذا لم يكن هناك حل للمشكلة الفلسطينية، فلن يكون هناك مستقبل لإسرائيل ومواطنيها"، وهذا يتطلب اتساع قاعدة الإسرائيليين الذين يعتقدون أن مشاكلهم مرتبطة بحل المشكلة الفلسطينية، ودون ذلك ستبقى إسرائيل تعتمد على الحروب والاعتداءات على العرب، بينما تعمل حكومة "نتنياهو" على دفن أي حل، أو مسيرة سلام جدية، وأن ذرائعها الجديدة، التغيرات وعدم الاستقرار الحالي في بعض الدول العربية، وخشيتها مما تقوم به "داعش" والحركات الإسلامية المتشددة، لتأخذ منها ذريعة باعتبارها تشكل تهديداً لإسرائيل، فمزاعم "نتنياهو" أن حكومته السابقة بذلت جهوداً كبيرة للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين كاذبة، واتهامه للرئيس الفلسطيني بتخليه عن مفاوضات السلام وباتجاهه للتحالف مع حماس، كل هذا لا يعدوا استمراراً للكذب والخداع الإسرائيلي، فالسلام الذي يريده "نتنياهو" يضم أكثر من 50% من أراضي الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، بما في ذلك القدس الشرقية، وشروط تعجيزية أخرى، لا ولن يقبل بها الشعب الفلسطيني.

القناة الإسرائيلية الثانية "9-5-2015"، ذكرت أن مسؤولين أميركيين وأوروبيين يضغطون على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، لاستئناف مفاوضات السلام، ودعوا لإجراء لقاء بين "نتنياهو" و"عباس"، لكسر الجمود الحاصل، وإعادة إحياء المفاوضات، بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فالرئيس "عباس" أعرب عن استعداده لاستئناف المفاوضات على أن تكون جادة وواضحة، فيما يبدي "نتنياهو" استعداده لاستئناف المفاوضات، لكن هذا الاستعداد غير جاد، في ظل استمرار الاستيطان، ونهب أراضي الفلسطينيين، ففي الحملة الانتخابية للكنيست، فإن الأحزاب الإسرائيلية-باستثناء حزب "ميرتس" اليساري، وتلميح من حزبي "العمل" و"يوجد مستقبل"- فإن الأحزاب الأخرى تجنبت في برامجها السياسية، الحديث عن السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية، واعتبار حدود عام 1967 كأساس لحل القضية الفلسطينية، فزعيم حزب الليكود "نتنياهو"، وللتهرب من استحقاقات الدولة الفلسطينية قال :"لن تكون هناك أي انسحابات ولا تنازلات ولن تقام دولة فلسطينية أثناء رئاستي للحكومة، وتذرع بأن أي أرض تخليها إسرائيل، ستحتلها عناصر إسلامية متطرفة، وأضاف أنه لن تكون هناك أي انسحابات ولا تنازلات، فهو مستمر في أيديولوجيته اليمينية، وفي خداعه للإسرائيليين والعالم، أما برنامج حزب إسرائيل بيتنا، يتلخص في وحدة الشعب، دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي، لا مواطنة دون ولاء، وحزب "البيت اليهودي" يتفاخر بأنه الحزب الفاعل الوحيد، الذي يرفض أي نوع من إقامة دولة فلسطينية إلى الغرب من نهر الأردن، أما حزب "هناك مستقبل"، يدعو إسرائيل والدول العربية المعتدلة والسلطة الفلسطينية، للبدء في مفاوضات لاتفاق إقليمي وانفصال إسرائيل عن الفلسطينيين، من خلال إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، كجزء من اتفاق إقليمي، أما حزب "العمل" زائد "الحركة"، فإنهما يحملان "نتنياهو" المسؤولية، لعدم تنفيذ اتفاق الإفراج عن دفعة من الأسرى القدامى في السجون الإسرائيلية، وأن إسرائيل تواجه انتقادات دولية جراء استمرار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ووقفها المفاوضات للسلام أمام حل الدولتين، وجاء في برنامج حزب "كلنا" الوسطي، وهو حزب جديد يخوض الانتخابات لأول مرة، ليؤكد على ضرورة التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية بالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية ومساعدة السلطة الفلسطينية في إدارتها وتطويرها حياة فلسطينية مزدهرة، وبالنسبة للقدس ستبقى عاصمة إسرائيل الموحدة، سوياً مع الكتل الاستيطانية، أما حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراة" الدينيين، فـ "شاس" يرفض إقامة عاصمة الدولة الفلسطينية في القدس الشرقية، فضلاً عن رفضه العودة إلى حدود عام 1967، بينما حزب "يهدوت هتوراة" يرفض اتفاق أوسلو للسلام، ويدعو إلى دعم المستوطنات، فلهذا الحزب لا وجود لبرنامج سياسي، بل بحسب تصريحات بعض قياداته.

في ظل هذا التطرف، واتجاه أكثر من نصف الإسرائيليين باتجاه اليمين والاستيطان، برزت أمامنا في حزب "البيت اليهودي" "إيليت شاكيد" التي عينت وزيرة للعدل، وقبل دخولها الوزارة، وضع حراسة أمنية عليها، في أعقاب تلقيها تهديدات على حياتها، فهي معروفة بمواقفها المتطرفة، فقد دعت خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، لإبادة الشعب الفلسطيني، معتبرة أن جميع الفلسطينيين هم أعداء لإسرائيل، وطالبت بإبادتهم جميعاً بمن فيهم النساء وكبار السن، وتدمير القرى العربية والمدن الفلسطينية، وبنيتها التحتية، فمن هي هذه الإرهابية: إنها من مواليد عام 1976، خدمت في الجيش الإسرائيلي في لواء جولاني، فزوجها طيار حربي في سلاح الجو الإسرائيلي، والدها عراقي الأصل، عملت مهندسة برمجيات في علوم الحاسوب، أسست بين عامي 2010-2012 جبهة أطلقت عليها "إسرائيل شلي"، وهي يمينية ممعنة بالتطرف الصهيوني تفوق زعيمها "نفتالي بينت" بالعنصرية، قاومت الهجرة من إفريقيا إلى إسرائيل، باعتبار أن هذه الهجرة تشكل خطراً على إسرائيل، وصفت الفلسطينيين بأنهم إرهابيون، داعية إلى ذبح الأمهات الفلسطينيات، لأنهن ينجبن مقاتلين وصفتهم بالثعابين، وأن جميع الفلسطينيين أعداء يجب قتلهم، تقدمت بقانون يمنع إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والعرب، وبمضاعفة مدة العقوبة والغرامات المالية، واستهداف المزارعين الفلسطينيين، وخاصة في النقب بتطبيق القانون الذي تم إقراره في الكنيست، وهي من أشد المعارضين لأي اتفاق سلام مع الفلسطينيين.

خلاصة القول، نحن أمام حكومة يمينية متطرفة، بل فاشية بين وزرائها أمثال وزيرة العدل، فأي عدل سيخرج عن مثل هذه الوزيرة؟، لكن رغم مواقفها هذه العلنية، كيف يمكن توزيرها، إن لم يكن رئيس الوزراء على شاكلتها؟ والملفت للنظر أننا لم نسمع عن ردود فعل إسرائيلية على مواقف هذه الوزيرة، لكن المزعج أكثر، غياب الإعلام العربي، وغياب المسؤولين العرب بالسكوت عن هذه الإرهابية وأمثالها، بل كان المطلوب رفع ما أدلت به إلى الأمم المتحدة، وتعميمه على جميع دول العالم، وما زال هناك متسع من الوقت للقيام به.

بقلم/ غازي السعدي