في الخامس من يونيو قبل ثمانية وأربعين سنة, وضمن جولات الصراع العربي – الإسرائيلي, اندلعت الحرب الثالثة بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا ولبنان, والتي سبقتها حرب الـ 48 والعدوان الثلاثي على مصر في الـ 56, وقد كان من نتائج الحرب الثالثة في الـ 67 أن منيت القوات العربية بالهزيمة, واقدمت القوات الإسرائيلية على احتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وسيناء, وتشريد ونزوح وتهجير الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني إلى مخيمات اللجوء في الدول المجاورة.
في أعقاب الحرب عقدت جامعة الدول العربية قمتها الرابعة في شهر أغسطس في مدينة الخرطوم, والتي عرفت بقمة اللاءات الثلاثة (لا صلح لا اعتراف لا تفاوض), وتمسك المؤتمرون بهذه بالثوابت وعدم التنازل عنها إلى أن تعود الحقوق إلى أصحابها!!. كما أن مجلس الأمن في شهر نوفمبر من نفس السنة أصدر القرار رقم 242, والذي كان بمثابة حل وسط لمجموعة من مشاريع القرارات والمقترحات التي تم طرحها للنقاش بعد الحرب والهزيمة, والذي نص صراحة على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلت إثر الحرب, وما لفت الانتباه آنذاك أن كلمة الأراضي التي وردت في القرار قد جاءت في الترجمة الانجليزية أراضي, وفي نص الترجمة الفرنسية الأراضي, فالأولى غير ملزمة بالانسحاب الكامل من الأراضي التي تم احتلالها, والانسحاب الجزئي من بعض الأراضي التي تم احتلالها, أما الثانية فهي تؤكد على ضرورة الانسحاب الكلي من الأراضي التي احتلت, وهو ما تؤكد عليه الدول العربية وتعارضه إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
منذ أن أقدمت إسرائيل على احتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس, شرعت في استكمال سياستها الاحلالية العنصرية القائمة على الاستلاء على الأراضي وطرد السكان منها ومصادرتها وإقامة المستوطنات على تلك الأراضي من خلال المشاريع الاستيطانية كمشروع ألون ومشروع فوخمان ومشروع شارون الأول والثاني وغيرها من المشاريع والتوسع والتمدد المستمر في تلك المستوطنات, إلى جانب إقامة جدار الفصل العنصري الذي أقيم على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية, والاستمرار في انتهاك المقدسات وأعمال الحفريات المستمرة حول وأسفل المسجد الأقصى, وسياسة تهويد الأماكن والمقدسات لطمس الهوية والتراث العربي عن تلك الاماكن والمقدسات, وسعيها للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى, بالإضافة إلى تنفيذ الجرائم والاعتداءات والاعتقالات بحق أبناء الشعب الفلسطيني والانتهاك الممنهج للحقوق الفلسطينية, بالتزامن مع الرفض الصارخ وغض الطرف والضرب بعرض الحائط لكافة القوانين والقرارات الدولية الشرعية الداعمة والمساندة للقضية الفلسطينية, والانتهاك المستمر للقوانين والمعاهدات الدولية وارتكابها لجرائم حرب يحاسب عليها القانون الدولي. في شهر سبتمبر 2005 أقدمت إسرائيلي على فك الارتباط من جانب واحد و الانسحاب من قطاع غزة بعد احتلال استمر 38 سنة, وهذا الانسحاب عائد لأسباب سياسية واقتصادية وديمغرافية, تصب جميعها في استهداف المشروع الوطني الفلسطيني والقضية الفلسطينية, وتقويض فرص إقامة الدولة الفلسطينية بالفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة, من خلال سياسة فرض الوقائع على الأرض باستمرار مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني وبناء جدار الفصل العنصري, وبالرغم من الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة, إلا أن القطاع مازال خاضع للاحتلال والسيطرة الإسرائيلية, من خلال فرض الحصار والتحكم بالمعابر والانتهاكات المستمرة براً وبحراً وجواً, والاعتداءات المتسمرة وارتكاب المجازر من خلال الحروب الثلاثة التي نفذتها تجاه غزة والتي كان آخرها في صيف 2014. إذ أن هذه السياسة التي أصبحت استراتيجية إسرائيلية ثابتة لم تكن لتستمر وتتجذر لولا الدعم والمساندة السياسية والقانونية والعسكرية الأمريكية لإسرائيل, والصمت والتراجع العربي.
واستذكاراً لمجمل القرارات والمبادرات والمشاريع التي طُرحت سواء عربياً أو إقليمياً أو دولياً من أجل التوصل لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي, بعد حرب يونيو1967 فقد اصدر مجلس الأمن القرار رقم 242, كما صدر القرار رقم 338 بعد حرب 1973, ومن ثم عُقد مؤتمر مدريد عام 1991, وفي عام 2002 أطلقت الجامعة العربية مبادرة السلام العربية, ومن ثم خارطة الطريق التي قدمت من قبل اللجنة الرباعية في ديسمبر 2002, كما تقدمت الدول العربية بمشروع لمجلس الأمن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في نهاية سنة 2014, ويتم في الوقت الراهن العمل لصياغة مشروع لتحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي من قبل فرنسا, هذا بالإضافة إلى جولات المفاوضات المتعددة بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي منذ اتفاقية أوسلو والتي كان آخرها في 2014 والتي كسابقاتها منيت بالفشل لاستمرار التعنت والرفض الإسرائيلي لكافة المطالب والحقوق الفلسطينية, كما أن كافة القرارات التي صدرت من قبل مجلس الأمن لم يتم تطبيق أي منها, وكافة المبادرات والمشاريع اصطدمت بالتعنت الإسرائيلي والاصطفاف والمساندة الأمريكية لإسرائيل.
وأمام هذا الواقع واستمرار السياسة الإسرائيلية المتعاقبة, والخطر الذي بات يهدد القضية في ظل العنصرية والتطرف التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية الحالية, وفشل كافة المساعي العربية والإقليمية والدولية لتحريك عملية السلام للتوصل لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية, ومع استمرار التحديات التي تتعرض لها القضية جراء ما يشهده الإقليم من تحولات وتغيرات جيواستراتيجية, فقد تبنت القيادة الفلسطينية استراتيجية التصادم والاشتباك والمواجهة الدبلوماسية من خلال التوجه للمحافل الدولية لانتزاع الحق الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة, فتم الاعتراف بفلسطين دولة عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 2012, والانضمام للعديد من المنظمات والهيئات والمواثيق والمعاهدات والبروتوكولات الدولية, والتوقيع على ميثاق روما والانضمام للمحكمة الجنائية الدولية, وهذا يأتي ضمن الاستراتيجية الفلسطينية التي تبنتها القيادة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي من خلال تدويل القضية الفلسطينية, وهذه الاستراتيجية ترتكز على استصدار قرار من مجلس الأمن ينهي الاحتلال للأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية, والتأكيد على أن مرجعية السلام هي مبادرة السلام العربية, وضرورة تنفيذ إسرائيل لكافة قرارا الشرعية الدولية, فقد حققت هذه الاستراتيجية خلال الفترة السابقة ثورة في البرلمانية الأوروبية حينما صوتت بالاعتراف الرمزي بالدولة الفلسطينية واعتراف السويد بالدولة الفلسطينية, وحملة المقاطعة التي تمارس ضد إسرائيل من قبل دول أوروبية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأكاديمياً, إلا أنه لا يمكن لهذه الاستراتيجية والمساعي والجهود التي تبذل داخلياً وخارجياً من أن تحقق أهدافها طالما أن الانقسام الفلسطيني مازال مستمر, وطالما أن هناك تشكيك حول التحركات التي تبذلها القيادة والسلطة الفلسطينية والاشتباك السياسي والاعلامي بين أطراف الانقسام, واستمرار لهذه الاستراتيجية وتفعيلها فالمطلوب هو إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية, والاتفاق الشامل بين كافة المكونات الفلسطينية على استراتيجية وبرنامج وطني شامل وفق رؤية وطنية مشتركة وتوحيد القرار السياسي الفلسطيني, لمواجهة التحديات والمشاريع التي يتعرض له المشروع الوطني الفلسطيني.
بقلم/ أحمد سمير القدرة
