الشكوى.. أول أسباب تراجع أولوياتنا الوطنية

بقلم: أكرم أبو عمرو

لعل من ابرز سمات الحالة الفلسطينية الراهنة بل ومنذ فترة ليست بالقصيرة ، هي الشكوى التي يبديها الكبير قبل الصغير ، من المواطن البسيط والعادي إلى المسئول الكبير ، وكل شكوى لها درجتها ومستواها ، شكوى من الحصار ، شكوى من الفقر ، شكوى من البطالة ، شكوى من الحكومة ، من الرئاسة ، من الخارجية والداخلية ومن الجميع للجميع ، يأتي هذا دون رؤية أي نوع من الحلول الذاتية ولا نريد أن نشطح بعيدا لنقول حلولا إبداعية يمكن التغلب فيها على بعض الظروف الصعبة ، أنا هنا لا أدعو للمستحيل بل أدعو إلى الممكن ,

في هذا السياق ظهر مؤخرا بعض الكتابات حول تشخيص دقيق للحالة المرضية الفلسطينية الراهنة خاصة في قطاع غزة ، إلا أن هذا التشخيص جاء مبتورا لأنه يغفل الأسباب الرئيسية المسببة لهذه، والتي في معرفتها يمكن معرفة طرق العلاج والأدوية اللازمة ، من هنا أقول : لا تكفي الشكوى الدائمة ، لابد من المبادرة ، وخاصة المبادرة الذاتية ، لان في المبادرة الذاتية إسقاط في يد الآخر ، وإسقاط لكل التهم والشبهات التي تدور من حول الشاكي ، فعلى الجميع أن يبادر ذاتيا ، العاطل عن العمل ، المرأة ، الشاب ، كل فئات المجتمع ، لا تتركوا الانتظار ينهك أجسادكم ، ولعل أكثر الجهات المطالبة بالمبادرة، هي الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية ، لأنها تتحمل مسئولية وطنية وتاريخية عن معاناة أبناء شعبنا ، فلا بد من الخروج من الحالة المتردية التي نعيشها .

ما دفعنا لهذا القول : انه في الوقت الذي نرى فيه بصيص من نور حولنا ، ربما يساعدنا في مواصلة المسير نحو تحقيق أهدافنا الوطنية ، لا يتم استغلالها واستثمارها استثمارا مناسبا واستثمارها لصالح قضيتنا الوطنية ، نرى أن هناك ثمة تعاطي لأمور تحرفنا عن مسارنا ، بل ولا نبالغ إذا قلنا وضع حواجز لحجب هذا النور لتبقى الطريق مظلمة أمامنا لتبقى الشكوى هي العنوان ، وكأن هناك تعمدا لبقاء الحال على ما هو عليه ، وعلى المتضرر أن يركن في بيته رافعا يديه إلى السماء داعيا ، متناسيا قول الله سبحانه: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ".

في هذه الأيام تنشط حركة المقاطعة لإسرائيل وخاصة المستوطنات الإسرائيلية ، في أوروبا وفي كل مكان فما هي جهودنا لدعم هذه الحركة لاستمراره ودعمها وانتشارها ، وبالأمس أصدرت المحاكم الأمريكية قرارا بعدم الاعتراف بالجنسية الإسرائيلية للأمريكيين المولودين في مدينة القدس،، هذا يعني أن الإدارة الأمريكية وبغض النظر عن سياستها المعادية لشعبنا ، ما زالت لا تعترف بان القدس عاصمة لإسرائيل ، لماذا لا يتم البناء على هذا القرار وتبدأ الدعوة لكل دول العالم بانتهاج هذا النهج وهو عدم الاعتراف بالجنسية الإسرائيلية لكل من يولد في القدس عدا سكان القدس العرب الفلسطينيين ، لان المستوطنين الإسرائيليين مستوطنين مغتصبين جاءوا من بلاد مختلفة . وبالأمس قام كان بي مون أمين عام الأمم المتحدة بحظوة لها دلالتها بعد أن رفض وضع إسرائيل في القائمة السوداء بناء على توصية مندوبة الأمم المتحدة لشئون الأطفال السيدة ليلى زروقي ، هذه خطوة بجب التوقف عندها فماذا اعددنا من خطط لإحياء مثل هذه المبادرة وإنجاحها ، وهناك لا نريد ذكر ما ذكرناه سابقا من سلسلة الاعترافات لكثير من البرلمانات الأوروبية بدولة فلسطين ، وغيرها من خطوات كبيرة وهامة .

إذن هناك انجازات ومكاسب تم تحقيقها لايمكن الاستهانة بها وجميعها يمكن استثمارها لتقصير المسافة للوصول إلى الهدف ، ولكن ما نراه بدلا من تأكيدها ودفعها إلى الأمام وزيادتها واتساع نطاقها نجد العكس ، فالعالم في واد ونحن في واد آخر ، ما زلنا في دائرة كيل الاتهام لبعضنا البعض ، ما زلنا في دائرة تخوين بعضنا البعض ، ما زلنا في طور تحميل المسئوليات لبعضنا البعض ليبدو أن الكل بريء مما نحن فيه والكل مسئول عما نحن فيه ، نقف عند قضايا صغيرة قياسا بالقضايا الجوهرية لقضيتنا ، قضايا يمكن حلها وعلاجها في ساعة لو صدقت النوايا ، نرى الحقائق ونبتعد عنها ، وبابتعادنا تزداد المعاناة ، ونسوف بعض الأمثلة لبعض القضايا التي نصر على تجاهلها ، فالمعبر مثلا كان قبل الانقسام مفتوحا على الدوام ، بعد الانقسام تم اغلاقة ومنذ ذلك اليوم ومشكلة المعبر قائمة حيث توقف انسيابه وأصبح يفتح على فترات محدودة ، والسماح لأعداد محدودة بالمرور منه ، حيث أعلنت مصر من اليوم الأول للانقسام أنها لن تفتح المعبر إلا بتسليمه إلى السلطة الشرعية المعترف بها دوليا وعربيا وإقليميا ، وما زال هذا هو المطلب المصري حيث تم تكراره مرارا ، ويأتي ذلك بناءا على اتفاقات سابقة موقعة والسلطة الفلسطينية احد أطراف هذه الاتفاقات ، فلماذا الإصرار على فرض الإرادة وأقول بصراحة الإرادة الحزبية على حساب مصلحة الوطن والمواطن ، لماذا الإصرار على بقاء الموظفين في المعبر وهم محدودي العدد ، ألا يمكن التخلص من هذه الحجة ونقل الموظفين إلى أي دائرة ، ثم من هم الموظفين الجدد أليسوا من أبنائنا ، أليسوا مواطنون مكلفون ، ألا يمكن أن يتم هذا الإجراء في دقائق ،وإسقاط حجة إغلاقه ، لماذا الإصرار على فورية حل بعض القضايا يعرف الجميع انه لا يمكن حلها إلا تدريجيا ، مشكلة الموظفين الذي نشأت من تداعيات الانقسام ، ثمان سنوات من الانقسام وجميعها مملوءة بالمشاكل المتراكمة لا يمكن حلها وعلاجها إلا تدريجيا والأولى فالأولى حسب القدرة والإمكانية مع الحفاظ على الحقوق ، فكل مواطن على هذه الارض له الحق في حياة كريمة .

أمثلة كثيرة يعرفها القاصي والداني منا ، المطلوب التوقف عن الشكوى وإلقاء المشاكل وأسبابها على حبال الغير المشفوعة بالتخوين والتقصير ، ، لا يوجد وطنية وخيانة بين مواطني هذا الشعب الذي يعتبر من أكثر شعوب الأرض تضحية وفداء لوطنه ، الوطنية هي القاعدة والأساس ، والخيانة هي الاستثناء والعابر ، الوطنية هي الدائمة والباقية والخيانة هي الزائلة وبسرعة ، لأنه لا مكان للخائن والخيانة بيننا ، علينا وضع الإصبع على الوجع ونقوم بعلاجه فورا ، العالم متغير من حولنا ، والرياح عاصفة من حولنا ، مناكفاتنا وشكوانا الدائمة جعلتنا نغفل قضيتنا وأولوياتنا ، التي باتت تتراجع على سلم الاهتمامات الدولية والعربية ، أعيدوا للقضية الفلسطينية وهجها وبريقها فالمادة الخام متوفرة فأحسنوا استخدامها .

بقلم/ أكرم أبو عمرو