غزة مرة أخرى...تفجيرات وإتهامات

بقلم: راسم عبيدات

بالأمس اعلن الناطق الرسمي باسم داخلية حكومة غزة بأن المسؤول عن التفجيرات والعبث الأمني والسيارة المفخخة المكتشفة على مدخل حي الشجاعية،هي من فعل عناصر مرتبطة وتدار من قبل اجهزة أمنية وسياسية قياداتها تتقلد مناصب رسمية في السلطة الفلسطينية في رام الله،وقدمت أدلة واثباتات من خلال الإعترافات والتسجيلات على صحة ما تقولة،وبالمقابل اعتبرت الحركة على لسان الناطق الرسمي باسمها احمد عساف وعدد آخر من قياداتها بأن ما تم عرضه ليس أكثر من مسرحية رخيصة،هدفها التحضير لحملة اعتقالات وقمع وتنكيل بعناصر وقيادات فتح في القطاع، وأن هذه المسرحية تندرج في إطار سعي حماس لإقامة دويلة أو إمارة غزة،وبما يضرب المشروع الوطني ويكرس الإنقسام.
ولعل الجميع يذكر أنه في سياق التحضيرات التي كانت تجري في تشرين ثاني من العام الماضي لإحياء الذكرى العاشرة للشهيد الرئيس أبا عمار،حدثت مجموعة تفجيرات طالت منصة إحياء الذكرى وعدد من منازل وممتلكات قياديين في حركة فتح،وفتح وجهت اتهاماتها لحركة حماس بالمسؤولية عن ذلك،وطالبت بتحقيق مستقل وبمشاركة فصائلية ومجتمعية للكشف عن المرتكبين لتلك التفجيرات وتقديمهم للمحاكمة،ولتقوم حماس بعد مدة ليست بالقصيرة،بعقد مؤتمر صحفي وتعلن فيه بأن المسؤولين عن تلك التفجيرات أيضاً،يتبعون ويرتبطون بأجهزة امنية وسياسية قيادية في رام الله،وحملت الرئيس كما حاصل الان المسؤولية المباشرة عن ذلك.
من الواضح أن من يقومون بتلك التفجيرات أنهم ليسوا مجموعة من الهواة أو الأفراد المعزولين،بل هي مجموعات تعمل بشكل ممنهج وبأجندات واهداف خبيثة، في مقدمة تلك الأهداف،تعميق وتكريس وإستطالة امد حالة الإنقسام،وضرب وحدة النسيج المجتمعي والوطني في قطاع غزة،وكذلك في الضفة الغربية،وجر الساحة الفلسطينية الى صراعات وحروب داخلية ومهاترات حزبية وفئوية،تشغل الناس والفصائل عن الإحتلال وإجراءاته وممارساته الرامية الى تفكيك المشروع الوطني،ناهيك عن منع عجلة الإعمار من الدوران وبما يبقى الحصار قائما ومستمراً،وبما يعني أيضاً تعميق ازمات القطاع السياسية والحياتية،عدم قدرة حماس على الوفاء بإلتزاماتها المالية تجاه موظفيها،وهذه واحدة من المشاكل الجوهرية،وكذلك مثل هذا الوضع يزيد ويعقد من ظروف الناس الحياتية بطالة،فقر،جوع، أزمات إنقطاع الكهرباء والماء ومشاكل الصرف الصحي والمشردين بفعل العدوان ..وغيرها.
منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني،والتي كان من المفترض ان يكون تشكيلها مدخلاً حقيقياً نحو التقدم لإنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية وإيجاد حلول مرضية ومقبولة للملفات الأساسية، فتح المعابر،إعادة الإعمار، رفع الحصار، رواتب موظفي سلطة حماس ال(40) ألف، والإعداد للإنتخابات التشريعية العامة.
ولكن لم يجر أي تقدم جدي في تلك الملفات حيث كانت الإتهامات المتبادلة والتحريض والتحريض المضاد والمناكفات والمهاترات العنوان الأبرز،حكومة الوفاق وحركة فتح تتهمان حماس بعرقلة وعدم تمكين حكومة الوفاق من القيام بمسؤولياتها ومهامها ودورها في القطاع،من خلال الإصرار على الشراكة في قضايا الإعمار والإشراف على المعابر،وعدم السيطرة على الأجهزة الأمنية،وحماس تتهم حكومة الوفاق وفتح،بالتدخل في الشؤون الداخلية للقطاع من خلال خلق الفوضى والإنفلات الأمني في القطاع،واهمال قطاع غزة وعدم ايجاد أية حلول لمشاكل أهل القطاع حياتية ومعيشية وخدماتية ،أو القيام بأية مشاريع من شأنها ان تسهم في تحسين ظروف وحياة أهل القطاع،وتحد من البطالة والفقر والجوع هناك.
واضح قبل الحديث عن مدى صدقية الإتهامات والمعلومات بين الطرفين (حماس وفتح)،ان هناك حالة كبيرة وهوة واسعة بين الفريقين من عدم الثقة،وأن الصراع يتمحور ليس على الحرص على المشروع الوطني والقضية،بل صراع يتمحور على من سيقود او يتولى زمام امور الشعب الفلسطيني،وكذلك صراع على اقتسام كعكة سلطة غير دسمة،وتولي الإشراف على ملفات المعابر واعادة الإعمار وغيرها،ناهيك عن اصطفاف الفريقين خلف محاور عربية واقليمية متباينة،والتدخلات العربية والاقليمية والدولية في الشأن الفلسطيني،وما نتج عن ذلك من حالة عدم تحقيق المصالحة وانهاء الانقسام،جعلت الساحة الفلسطينية مفتوحة لطرح مشاريع سياسية مشبوهة،مشاريع الهدف منها بالأساس ضرب وحدة المشروع الوطني الفلسطيني،وانهاء القضية الفلسطينية،والحديث يجري عن خلق دويلة فلسطينية في القطاع مع هدنة طويلة برعاية عربية وإقليمية ودولية بين اسرائيل وحماس،وحماس التي تحت ضغط بقاء الحصار وبطء دوران عمليات الاعمار واغلاق المعابر، قد تقدم على خطة من هذا النوع،تجد فيها بأنها تنقذ حكمها وتقدم حلول معقولة لمشاكل وهموم الناس،وتخفف من حالة الضغط والاحتقان السائدة والتي قد تحول ثورة الفقر والجوع الى ثورة عارمة ضد حكومتها وسلطتها،أو تتنامى مظاهر البلطجة والزعرنة والمليشيات وتصبح الفوضى والفلتان سيدة الموقف.
نعم الوضع في قطاع غزة إرتباطاً بعدم فتح المعابر والحصار وبطء الإعمار،وما يحدث من صراعات عربية واقليمية وتدخلات في الشأن الفلسطيني،خلقت تربة خصبة لإنتعاش جماعات سلفية وداعشية تحمل افكارا غريبة تريد أن تفرضها على الواقع الفلسطيني،وكذلك هناك من يحملون برامج وأهداف وأجندات خبيثة جل هدفها منع أية وساطات او حلول تنهي الإنقسام وتعيد وحدة شطري الوطن،والإحتلال هو المتهم الأول في هذا الجانب،وخصوصاً بعد قيام الحكومة اليمينية المتطرفة في اسرائيل،والتي قادتها لديهم مشروعاً عبروا عنه بشكل واضح، تأبيد وشرعنة الإحتلال،مع تطبيع كامل مع الدول العربية،رؤية نتنياهو للمبادرة العربية لحل الصراع العربي- الإسرائيلي،ورؤيته في الدولة ذات الحدود المؤقته،التي تمكنه من ابتلاع القدس وتحويل ما يتبقى من الضفة الغربية بعد ضم مناطق (سي) التي تشكل (60)% من مساحة الضفة الغربية الى جزر متناثرة و"كانتونات" في محيط اسرائيلي واسع.
نعم في ظل ابقاء حالة الإنقسام وفي ظل تغليب المصالح الفئوية والحزبية على المصالح الوطنية،وعدم الاتفاق والتوافق على برنامج واستراتيجية موحدتين،فإن المشروع الوطني يتجه نحو كارثة جدية وحقيقية بأيدي فلسطينية ،فحتى تجري معالجات جادة ومحاسبة ومحاكمة للمسؤولين عن التفجيرات والعبث بالأمن ونشر حالة الفوضى في القطاع،فهذا يحتاج الى اجراء تحقيقات مهنية ومستقلة وبمشاركة فصائلية ومجتمعية،تقود الى كشف المتورطين والعابثين ومحاكمتهم،بعد ان يجري رفع الغطاء عنهم من قبل من يراعهم ويمولهم ويدربهم ويوجههم ويقودهم.
ما يجري وما نشهد اليوم من ارتفاع وتيرة وحدة الصراعات والخلافات بين الفريقين،يتطلب جهد شعبي وجماهيري تحركه وتقوده قوى مجتمعية واهلية وفصائلية، يقول للفريقين كفى عبثاً كفى تدميرا كفى تآمرا وذبحا للمشروع الوطني تحت راية مصالحكم وأجنداتكم ومنافعكم وامتيازاتكم.
بقلم :- راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
11/6/2015
0524533879
[email protected]