الكتابة فن وتواصل وخبرة ومعرفة، فبعض الكتابات لا تستحق القراءة والمتابعة، وتستنزف وقت القارئ وربما تؤثر عليه سلباً، وبعض الأفكار تمتزج بالأنانية المفرطة وتخدم المصلحة الشخصية ولا تفيد في صناعة الرأي العام أو تناول قضايا مجتمعية نافعة ومؤثرة، وتبقى حبيسة الشخص وكأنه يحدث نفسه .
وبعض الأفكار مثل الملابس الثقيلة في وقت الحر، يريد كاتبها (الإعجاب) وربما لا يدري إن كانت تضره أو تنفعه، وهو يعتقد أنها فقط "ستر عورة"، وبالتالي يعيش لحظات الإيحاء الداخلي بأنه إنسان عظيم وأنيق .
حضرت ذات مرة "وليتني لم أحضر" نقاش دار بين مجموعة من الناس وعندما بدا يشتد الحديث، ظهرت الأنا واضحة وغابت "نحن"، فخلع أحدهم "حذاؤه" وضرب به الطاولة، وصار يصرخ في الوجوه المندهشة، أنا الذي قمت بفعل كذا، أنا من قلت كذا، وأنهى حديثه بجملة واحدة "أنا المسؤول هنا"، وهذا خرجت بعد أن تأكدت تماما أن ما يدور عبارة عن معركة الشخص نفسه مع نفسه، مع عدم وجود ثقة في الآخرين وفي قدراته، وهو يُسقط أمور مطلوبة منه، إنها ترجمة محرفة وأسلوب خارج عن السياق ولا يخدم الفكرة أو المجموعة أو أي برنامج، وهنا تأملت كيف يوظف الإنسان موقف ما قام به "ضمن مسؤولياته"، ليصبح بعد ذلك الجميع أسرى هذا الموقف و كأنه دين يريد أن يسترده من خلال الاستحواذ على حقوق الغير والتعدي على منظومة طبيعية أو يفترض أنها هكذا في الحد الأدنى وسط الضجيج، ومن البديهي أن الناس لا يحبون الشخص الذي يمدح نفسه أو يسرد تاريخه المبالغ فيه كل مرة .
نعم كلما ارتفع مستوى خبرات الإنسان، وثقلت موازين مواقفه وأفكاره وحضوره، كلما اقترب من حقيقة نفسه والوقوف على مقياس قدراته، وكلما كان الإنسان ملتزما ومنتميا كلما وظف تلك القدرات والخبرات في طريقها السليم لتخدم الهدف العام، وألا تنحرف للأهداف الخاصة أو الذاتية .
ليس صحيحا أن الصحفي وحده أو المتلقي لعلوم الإعلام يتوجب أن يكتب في القضايا المجتمعية أو السياسية، لأن الكتابة هي القراءة وهي المعرفة والخبرة والتواصل، ومتى تم تنبيتها وتطويرها بواسطة الشخص المهتم، فإنه سوف يجيد الكتابة والتحليل والرؤية أكثر من الصحفي الخامل.
أحياناً نجد بقالا لا يعرف من دنياه غير وزن العدس والفول والتمر، وهو يظن أنه جدير بأي المناصب وأكثرها حساسية، ويجادل في الحديث لرغبة داخلية عنده لإقناع الغير، وكثيرا ما يصل إلى حد الصدام والقطيعة والنفور وبالتالي "التقوقع"،وهو لا يدري أو يدري أن العنتريات لا تفيد في كل المواقف والأماكن.
وعلى ذكر البقال، فلقد دخلت أمس محلا لبيع البقوليات، اعتدت أن أشتري منه، وفاجأني صاحبه بقوله: "أنا اقرأ لك دكتور، بيقولوا في حل قادم على البلد، هل صحيح ..؟!" قلت له بتفرج إن شاء الله وان شاء الله الخير قادم، ويبدو انه لم يقتنع بإجابتي الفضفاضة، وهو على حق وفي قرارة نفسي كنت أقول :" ليس من الممكن إقناع البشر أن يصبروا على حالهم زمنا طويلاً"، لهذا أدعو الله أن يكون هناك حلاً قريبا وانفراجة تلبي حاجات الناس وتسعد القلوب وتهدئ البال، وكل عام وانتم بخير.
بقلم/ د.مازن صافي