ارتفاع الدولار والأزمة المالية في اليونان !!!

بقلم: حسن عطا الرضيع

تعاني اليونان منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008 من أزمة مالية تمثلت بارتفاع الدين العام والعجز المتنامي في الموازنة الحكومية, وأصبحت اليونان مهددة بالإفلاس بعد أن قفزت ديونها السيادية إلى أكثر من 400مليار دولار , وهي ديون تم إخفاءها منذ سنين بسبب تحالف السلطة الحاكمة مع النخبة الرأسمالية العالمية في زواج كاثوليكي غير شرعي , وبسببه تحمل المواطن اليوناني أعباء الدين وأخطاء السياسات الاقتصادية للحكومة اليونانية حيث تحملها الفقراء والشرائح الأكثر فقراً في اليونان واتضح ذلك من خلال سياسة التقشف التي اتبعتها الحكومة اليونانية للتقليل من حدة تحمل الدين وخفض العجز الثنائي في الدين والميزانية الحكومية, وبسبب عدم قدرة اليونان على تسديد ديونها أثارت الأزمة المالية في اليونان تداعيات كبيرة على دول منطقة اليورو من خلال خطر الإفلاس والتعثر في السداد, حيث ارتفعت نسبة احتمال إفلاس اليونان إلى أكثر من 50% ونسبة احتمال إفلاس البرتغال 30% وأسبانيا 20%, ونسبة إفلاس بريطانيا 5%, وخلال السنوات الماضية قدم وسارع الاتحاد الأوروبي في تقديم خطة للإنقاذ بلغت قيمتها 1 تريليون دولا ر, ورفضت ألمانيا مراراُ مساعدة اليونان حيث اعتبرتها " أرض السفهاء اقتصادياً ومالياً" , تلك الثقافة الرأسمالية الأكثر توحشاً حيث توصف بلاد العلماء والفلاسفة والحضارة الإنسانية جديرة الدراسة بهذا الوصف الذي يعبر عن خطورة بين ثناياه مخاطر إفلاس اليونان على الاقتصاد الأوروبي, وعلى الرغم من أن مساهمة الاقتصاد اليوناني تبلغ 2% من الناتج الإجمالي الأوروبي إلا أن تداعياته أكبر من ذلك بكثير, حيث أن تدهور الوضع في اليونان من شأنه أن يضغط على سعر صرف اليورو مقابل الدولار, حيث تراجع اليورو وبلغ 1.09 دولار لكل يورو, وفي حال الإعلان عن إفلاس اليونان فإن اليورو في طريقه للتراجع أكثر , حيث تتراجع ثقة المستثمر في اليورو لصالح الدولار الذي يعتبر الأكثر آماناً في ظل التراجع الاقتصادي في منطقة اليورو وتباطؤ الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة في دولا أوروبية عديدة كاليونان واسبانيا وإيطاليا والبرتغال, هذه التأثيرات سيرافقها اشتداد المضاربة على اليورو وزيادة عمليات البيع واستبدالها بالدولار مما يعني أن الضغط على أسعار السندات الحكومية المُصدرة من الدول التي تعاني من أزمات مالية كاليونان مثالاً, وعلى الرغم من أن الديون اليونانية شكلت 113% من الناتج المحلي الإجمالي , وبلوغ العجز في الموازنة 12.7% من إجمالي الناتج اليوناني وهي نسبة مرتفعة نسبياً حيث أن الاتحاد الأوروبي لا يسمح لأي دولة أن يتعدى العجز بها لنسبة تزيد عن 3% , إلا أ ن الاتحاد الأوروبي تعامل مع اليونان كحالة خاصة ويعود ذلك لتأثيرات أي صدمة باليونان على اقتصاد منطقة اليورو والتي تحمل عملة موحدة اليورو حديثة الولادة .
في العام 2009 كانت من نتائج الأزمة في اليونان هو تخفيض التصنيف الائتماني ثلاثة درجات من +BBB إلى +BB , والتي يعني أن الاستثمارات تعاني من مخاطرة مرتفعة والتعثر وعدم القدرة على السداد, مما آثار موجة ذعر في الأسواق المالية, وأعلنت الحكومة حينها عن إجراءات تقشفية جديدة وخفضت المعاشات ورفعت سن التقاعد, ودمجت وألغت عشرات الهيئات والمؤسسات الحكومية, وترتب على إتباع الحكومة اليونانية لسياسات التقشف فوز أحزاب ذات توجهات اشتراكية والتي نادت بمزيد من السياسات الداعمة للشرائح المجتمعية والعدالة في توزيع الدخل والثروة و مناداتهم بضرورة وقف سياسات التقشف التي أثرت على الشرائح المجتمعية في اليونان والتي تحملها الفقراء وذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة , حيث أن أخطاء السياسات الاقتصادية دفع فاتورتها المواطن اليوناني على شكل تدني الخدمات ومستوى المعيشة وارتفاع الضرائب وتراجع الاهتمام الحكومي بعدة نشاطات ذات أهمية وتعتبر أساسية كقطاعي الصحة والتعليم وبعض الخدمات الأساسية, والتي بمجملها أثرت على الواقع الاقتصادي والمعيشي وساهم ذبك بتراجع الطلب واستمرار حالة الركود وبوتيرة متسارعة ومتداخلة ومعقدة منعت الحكومة من سداد التزاماتها , والتي أدت إلى منع دول اليورو من تقديم حفز للمساعدة دون موافقة اليونان على إتباع سياسات تقشفية.
وبسبب تعثر اليونان عن السداد ورغم صغر حجم اقتصادها مقارنة باقتصاد منطقة اليورو إلا أن التأثيرات الاقتصادية المترتبة والمتوقعة لخروجها من اليورو وإعلانها الإفلاس وعدم القدرة على سداد التزاماتها ستكون كبيرة, في ظل الاندماج وأجواء العولمة الاقتصادية ومنها المالية حيث أن إعلان اليونان الإفلاس من شانه أن يضغظ أكثر على اليورو بالتراجع مقابل الدولار من جهة وأسعار الأسهم والسندات والفائدة والنفط والذهب من جهة أخرى
تراجع اليورو الى 1.09 مقابل الدولار يعتبر تراجعا خطيرا و له مدلولاته وتحديدا أن اليورو في طريقه لمساواة الدولار وهذا يهدد مكانة اليورو في التعاملات الدولية ويزيد الطلب والثقة أكثر للدولار كملاذ امن وبسبب التحسن في أداء سوق العمل الأمريكي والاستقرار المالي والاقتصادي في اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية وفي ظل الاضطرابات في الشرق الأوسط فجميع تلك المؤشرات حاليا تنذر بارتفاع الدولار في الأيام القليلة المقبلة ...
سيشهد الدولار ارتفاعات متتالية لغاية 5-7-2015 وهو موعد المناقشات المتعلقة بتقديم حزم لمساعدة اليونان , وفي حال إعلان الإفلاس وفشل محاولات الإنقاذ فان منطقة اليورو مقبلة على أزمة هي الاسوء منذ إنشاءها عام 1992
أزمة عملة يرافقها أزمة في أسواق الأسهم والسندات ثم أزمة مالية عالمية والسبب الحقيقي هو أن دول اليورو تعاني من ركود اقتصادي وتباطؤ في الإنتاج ووصل الى السالب في بعض السنوات الست الأخيرة ,
هذا كله بعكس الاختلال القائم في التوازن بين الاقتصاد الحقيقي والمالي حيث انتقلنا لأسوأ علاقات اقتصادية تمثلت باعتبار الدولار والعملات الأخرى سلعا بحد ذاتها للتبادل والتي تشهد مضاربات كبيرة بعيدا عن دائرة الإنتاج الحقيقي المتمثل بالإنتاج الحقيقي الذي يضيف قيم اقتصادية حقيقية تحد من مشاكل الإنسانية واهما البطالة
ومن مصلحة دول منطقة اليورو بقاء اليونان والآخرين كايطاليا واسبانيا والبرتغال داخل المنطقة لأنه يعتبر أضافه من حيث قوة المنظومة ومواجهة الاقتصاد الأمريكي والدولار..
كل هذا يؤكد على أهمية اليونان في الحسابات الاقتصادية الأوروبية حيث أن انفراط عقد منطقة اليورو من شأنه إحداث تراجع في الاقتصاد الأوروبي ككل ، والترويكا بتحاول جاهدة أنها تحافظ على بقاء اليونان لكن اليونان وقادتها مصرين علي أنهم لا يتخذوا إجراءات إصلاحية لأنهم سبق ووعدوا شعب اليونان بعدم الدخول في إجراءات تقشفية ، لكنهم اصطدموا بالواقع المرير والذي يحمل في طياته مشاكل مزمنة في البنية والهيكل الاقتصادي اليوناني.
وسيكون أول رد فعل لانسحاب اليونان من المنطقة هو سحب المودوعين لاموالهم من البنوك الاوربية،مما يعني بداية تراجع قيمة اليورو أمام باقي العملات،الا أن باقي الدول الأوروبية يمكن لها أن تتجاوز المحنة في حال إذا ما اتبعت إجراءات تعقيم مالي والرقابة على الأموال وأسعار الصرف ومنعت خروج الأموال من دولها فإن ذلك من شأنه أن يحد من إمكانية تعرضها لأزمة مالية أو على الأقل كبح جماح التأثر بتلك الصدمات هذا لا يعني أنها ستكون بمأمن من الأزمات المالية مستقبلا بسبب اندماجاتها الواسعة في الأسواق العالمية.

بقلم / حسن عطا الرضيع
باحث اقتصادي_ غزة