رئيس دولة المستوطنين (إسرائيل) روفن ريفلين يقول إن مقاطعة إسرائيل تهديد إستراتيجي من الدرجة الأولى. أقول: إن شاء الله.
العرب والمسلمون في بلادهم لا يقدرون مدى التأثير النفساني (السيكولوجي) والاقتصادي لحملات في الغرب تحمل الاسم «مقاطعة وسحب استثمارات وعقوبات» وتشمل غالبية من أهم جامعات العالم وكنائس والاتحاد الأوروبي نفسه فهو يحظر استيراد أي بضائع من الأراضي المحتلة.
ثمة أخبار عن المقاطعة في الميديا الغربية والإسرائيلية يوماً بعد يوم، وقد علقت على كثير منها في هذه الزاوية، وأعود إليها بعد أن قرأت مقالاً نشرته «واشنطن بوست» عنوانه «الجهود الأكاديمية لمقاطعة إسرائيل» كتبته البروفسورة جيل شنايدرمان من كلية فاسار الأميركية العريقة.
المقال صدر هذا الشهر إلا أنه يتحدث عن حادث يعود إلى آذار (مارس) 2014 عندما حاولت الأستاذة المتخصصة في شؤون الأرض أخذ طلاب من كليتها إلى قرية العوجا في الضفة الغربية المحتلة لدراسة نبع يوفر للقرويين الماء. أعضاء «جماعة الطلاب من أجل العدالة في فلسطين» في فاسار عارضوا الزيارة وشنوا حملة لوقفها. ونشطون في الأراضي المحتلة قالوا «لا نريدكم هنا».
رأي البروفسورة شنايدرمان، وأجدها معتدلة أو أفضل من غيرها من اليهود الأميركيين الذين يؤيدون إسرائيل «على عماها»، أن المقاطعة تضر بالطلاب. أنا طالب ولم أصل يوماً إلى درجة «البروفسورية» إلا أنني أجد هذا الكلام غير صحيح أو سخيفاً، فزيارة إسرائيل أو عدم زيارتها لا يمكن أن تضر بأي طلاب، لأن الطلاب يستطيعون أن يزوروا أي مكان آخر في العالم، ونفعهم لا يعتمد حتماً على زيارة إسرائيل أو الأراضي المحتلة.
عدت إلى مادة أحتفظ بها عن المقاطعة ولم أفاجأ باكتشاف افتتاحية، كتبها ليكود «واشنطن بوست» سنة 2013، تقول إن أساتذة الجامعات الأميركية ضالون، أو مضلـّلون، بمقاطعة إسرائيل. أطلب من القارئ أن يراجع معي التفاصيل: اتحاد الدراسات الأميركية الذي يضم حوالى خمسة آلاف أستاذ جامعي طلب من أعضائه التصويت على مقاطعة إسرائيل، وشارك في التصويت 1.252 منهم فأيد المقاطعة الثلثان، وهي غالبية مطلقة، ثم يجيء ليكودي من كتّاب جريدة يُفترض أن تكون ليبرالية ليقول إن أساتذة الجامعات مخطئون، وإن رأيه، وهو يؤيد دولة إرهاب واحتلال، صحيح.
الافتتاحية حقيرة كالذي كتبها أو الذين كتبوها، ومثلهم تطرفاً وتأييداً لإسرائيل وهي تحتل وتدمر وتقتل الأبرياء بمن فيهم الأطفال. الكاتب في الجريدة نفسها تشارلز كراوتهامر، وهو يستغرب قرار أساتذة الجامعات الأميركية مقاطعة إسرائيل لأنها تحرم الفلسطينيين حقوقهم الأكاديمية والإنسانية.
كراوتهامر يستغرب لأنه يرى إسرائيل ديموقراطية مع صحافة حرة وقضاء مستقل وتنوع ديني وعرقي. هو مُقعَد فقد عاقبه الله على الأرض، إلا أنه أيضاً أعمى بصيرة فأنا أرى إسرائيل دولة مخترَعَة في أرض فلسطين، إرهابية محتلة، ولا آثار لها إطلاقاً في بلادنا، ثم أنها تقتل الرجال والنساء والأطفال، وجرائمها مسجلة بالصوت والصورة عبر تاريخها النتن.
ريتشارد كوهن، في الجريدة نفسها، وجد مقاطعة إسرائيل «بشعة». أقول إن إسرائيل بشعة لا المقاطعة، ثم أسجل أن كوهن معتدل، وليس من نوع كتّاب افتتاحية «واشنطن بوست» أو كراوتهامر. هو يقول إنه أيضاً لا يحب معاملة الفلسطينيين في الضفة الغربية ولا يوافق على سياسة الاستيطان ووجود نفوذ كبير للأحزاب الدينية في حكومة إسرائيل. إلا أنه يرفض أن ينتقد ستيفان ريشار، رئيس شركة أورانج الفرنسية، إسرائيل لأنه انتقد إسرائيل في مصر، ويهاجم الرئيس عبدالفتاح السيسي. فلا أقول له سوى إن ما يجري في مصر لا يبرر قتل الأطفال في غزة.
أفضل مِن كل مَنْ سبق الأستاذة الجامعية الإسرائيلية النشطة في طلب السلام هيلا دايان فهي في مؤتمر أكاديمي إسرائيلي أعلنت تأييدها مقاطعة إسرائيل، وأعطت في خطاب طويل الأسباب. هي تعيش الموضوع وتعرف عنه ما لا يمكن أن يعرف ليكودي أميركي أو كاتب معتدل.
جهاد الخازن