ما أسهل النطق وما أصعب الكلام ، وما أسهل الكتابة وما أصعب الاصابة ، ويقولون : العبارة كالحجارة تبنى منها القصور والقبور .
بتاريخ 11/2/1979 انتصر الخميني على شاه إيران انتصر الإيراني على نفسه لنفسه ، انتصر الإيراني لأحسن ما فيه على أسوأ ما فيه ، انتصر الإيراني لما هو حق في تاريخه وفي حاضره ، انتصر الإيراني لكل ما هو جميل ونافع في ثقافته .
إذن بتاريخ 11/2/1979 هبط من الفضاء لاعب جديد ومختلف إلى ملعب الأمم .
تعددت الرهانات وتوزعت في كل اتجاه حول حقيقة وجوهر دوافع هذا اللاعب وغاياته، حول طبيعة فهمه للهوية والمعاصرة، حول تبشيره لما هو دين أو مذهب أو لما هو إنساني
بتاريخ 11/2/1979 يمكن القول سُجّل آخر انتصار للثورات على الأقل في القرن العشرين والأرجح أن العالم من يومها وعلى رأسه أميركا استنفر كل ذكائه وكيده ومكره لمنع أي انتصار ثوري مشابه من جهة ومنع هذه الثورة من الحياة أو من استكمال دورها من جهة أخرى.
وانطلق المد الإسلامي الإيراني الثوري ، وقف العالم كله في وجه إيران ، نعم حين تشن حرب عربية بامتياز لمدة 8 سنوات على الثورة الوليدة وتقف اسرائيل واميركا والغرب ضد هذه الثورة فهذا يعني أن العالم من يومها وقف في وجه إيران الثورة من إجل إخضاعها وإذلالها أو على الأقل حرمانها من قطف ثمار الثورة محليا واقليميا ودوليا .
لكن الثورات الحقيقية يكون إيقاعها وحركة إندفاعها أصعب وأعقد من أن يتم تصورها ناهيك عن احتوائها.
وإذا كان الانتصار على الشاه هو انتصار على النمط الغربي الرأسمالي باعتبار الشاه أهم حليف للغرب في العالمين العربي والإسلامي ، فإن قائد الثورة وملهمها ومفجرها الإمام الخميني (رض) لم يتردد ولم يتأخر في تصويب سهام الحق نحو النموذج الاشتراكي الذي لا يزال حينها قائماً وممثلاً في الاتحاد السوفيتي السابق ، فوجه رسالته الشهيرة إلى أخر رئيس للاتحاد السوفيتي / ميخائيل غورباتشوف وأطلق ما يشبه النبوءة قائلا( إنني أسمع أصوات تهشم عظام الشيوعية ) ونصح غورباتشوف بالانفتاح على الثقافة والفلسفة الإسلامية بحثاً عن مخارج وحلول لمشكلاتهم ، وفعلا بعدها انهار الاتحادالسوفيتي
إذن هذا البلد – إيران – وهذا النموذج الإيراني بدلاً من السقوط أمام هذا التوحد العالمي ضدَّه ، صمد وصبر وواجه وأثبت وجوده داخل إيران وفي الإقليم وأخيرا باتفاق فيينا أثبت وجوده بجدارة فائقة على مستوى العالم .
وهنا يُطرح سؤال غاية في البساطة – والعظمة دوما في البساطة - : ماذا لو وقف العرب مع إيران؟ ماذا لو لم يحارب العرب إيران؟ ماذا لو التقى النهج الإسلامي الثوري مع المقدرات العربية والقرار العربي لصالح مواجهة اسرائيل من جهة ولصالح تطوير واستقلال ونهضة المنطقة من جهة أخرى ؟!
أي نتائج كنا سنجني كعرب وكمسلمين لو لم يكن القرار العربي خاضعاً لأميركا وإسرائيل مع وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ؟
لنترك الماضي القريب ونعود إلى الحاضر بعد اتفاق فيينا النووري
أي كتابة –بالمناسبة – هي أشبه بفن الحياكة والجمهور يختار ما يرتدي ويحكم على ما يرى من أنماط الحياكة .
فلنبدأ بتسجيل بعض الوقائع والدلالات المباشرة للحدث التاريخي
• أوباما يشهد بذكاء الشعب والقيادة والمفاوض الإيراني .
• إسرائيل تعيش حالة هيستيريه بعد الاتفاق وإيران تعيش نشوة كسب التحدَّي.
• كل من لا يزال يراهن على أميركا وإسرائيل يعيش حالة هيسترية أو على الأقل إرباكا لا يحسد عليه بعد الاتفاق .
• هناك شبه إجماع على أن الاتفاق تاريخي وبين دول عظمى بما فيها الأن إيران وسيتحدث العالم بعد اليوم على 5+2 أي مجلس الأمن + ألمانيا و إيران .
• هناك إجماع على أن مسار الأحداث في المنطقة العربية على الأقل سيختلف عما هو عليه الأن بدرجات متفاوتة حسب طبيعة واختلاف وتركيبة ملفاتها – العراق – سوريا – اليمن – البحرين وفلسطين .
• هستيريا إسرائيل تؤكد أن أميركا والغرب فشل في انتزاع موقف من إيران مختلف أو يتناقض مع موقفها من فلسطين والمقاومة ، ولو أن العكس حصل لكانت إسرائيل أكثر فرحاً بالاتفاق من إيران
• توقيت هذا الانتصار بعد فشل تجربة الإخوان المسلمين وتشوه تجربة النموذج التركي بعد تورطه في سوريا ومع داعش يعطي درساً للجميع بأن النموذج الأكثر عقلانية والأكثر واقعية والأكثر مصداقية في الحفاظ على الهوية من جهة والتقدم نحو تحديات العصر من جهة هو النموذج الإيراني شاء من شاء وأبى من أبى .
وبالتالي لا يجوز الآن تكرار الخطأ العربي مرتين تجاه الثورة الإسلامية، مرة لحظة الانتصار عام 1979 – وهذه المرة مع الحدث التاريخي.
بعض الشجاعة وبعض المسؤولية وبعض الإنصاف تجاه شعوبنا العربية يفرض علينا أن نقر للأخ الإيراني المسلم بأنه نجح وأنه يستحق التهنئة وأن حق شعوبنا علينا إما أن نقدم نموذجاً عربياً ناجحا أو نتواضع ونبدأ بالتعلم والاستفادة من النموذج الإيراني .
نعم العرب اليوم وعلى رأسهم الفلسطينيون مطالبون بوقفة تاريخية عميقة ومتأنية ومسؤولة وأمينة تجاه فلسطين وتجاه شعوبنا العربية .
هذه الوقفة التاريخية الأمينة تحتم علينا الاعتراف أننا – كعرب وعلى رأسهم الفلسطينيون – لم نتعامل مع العالم من حولنا بندية إنسانية حقيقية وأن زعاماتنا حتى اللحظة تتعامل بدونية وإنتهازية مع العالم من حولنا مما جعل العالم – يأخذ عن العرب فكرة عبّر عنها كيسنجر أن العرب لا يمكن أن يكونوا أصدقاء حقيقين ، وبالتالي هم عبء على أصدقائهم دوماً.
نعم العرب وعلى رأسهم الفلسطينيون مطالبون بالاعتراف المر بأنهم لا يتصرفون كأنداد حقيقين، وبالتالي يغيب عن مواقفهم أغلب الأحيان الطابع الاستراتيجي والمبدأي ، وما موقف العرب تجاه الاتحاد السوفيتي سابقا وموقف حماس تجاه ايران حاليا إلا أكبر دليل على ما نقول للأسف الشديد.
اذن (اتفاق فيينا النووي) يؤسس لفرصة تاريخية نادرة لا يجوز تفويتها بأي ثمن ، فرصة تاريخية لميلاد ند عربي حقيقي مخلص للعرب وقضية العرب الأولى والأهم فلسطين ويجعل من فلسطين ومصلحة الشعوب العربية وكرامة الإنسان العربي معياراً لهذه الندية العربية مع إيران ومع العالم بأسره ، وإيران ستكون أسعد الناس بهذه الندية العربية الحقيقية التي تنتصر لفلسطين ولمصالح الشعوب العربية وفي مقدمتها شعب فلسطين لما يمثله من رمزية حاسمة في التعبير عن حقيقة وجوهر الموقف العربي مما يعني أن أهم ما نحتاجه كعرب موقف تاريخي نثبت فيه أننا جادون هذه المرة في إثبات جدارتنا بالثورة والأصلاح والتغيير من أجل إنقاذ بلداننا من هولاكو التكفير والوحشية والبربرية التي ترتكب ظلماً وزوراً بإسم الإسلام وبإسم الخلافة.
نعم هي فرصة تاريخية لميلاد ند عربي حقيقي يضع يده في يد أخيه وجاره الإيراني حتى لا تخرج إسرائيل من حالة الهستيريا التي تعيشها إلى الأبد.
الخلاصة / إن ميلاد ندّ عربي حقيقي يُعتبر مصلحة إيرانية بامتياز، لأن إيران تريد أن تتعامل مع الأقوياء ومع الناجحين، لأن هذا التعامل سينعكس حتماً على القضايا المشتركة والمصيرية في المنطقة وخصوصا فلسطين.
مرة أخيرة : إيران ستكون أسعد من في العالم بميلاد ند عربي فلسطيني جاد ومخلص لفلسطين والعرب ،يتكامل ولا يتناقض معها .
السيد بركة
غزة - فلسطين