يبدو أن بعض أدعياء الثقافة والفكر الإسلامي، لا زالوا يعيشون في كهوف من الظلام، ربما قبل دوران الأرض حول الشمس، ويتبنون رؤى تتناقض مع العلم والواقع، برغم تطور الحيوان وتعلمه القيام بأعمال شبيهة بعمل الإنسان. الفرق بين الحيوان والإنسان، أن الأخير يمتلك العقل والإبداع والاجتهاد، والقدرة على فك أسرار الكون، والتعلم كيف يتعلم، ومتابعة التغيرات الهائلة التي حدثت في العالم في القرنين الماضيين .
ما يجري اليوم في العالم العربي والإسلامي هو أحد فصول ما قبل الحضارة الإنسانية، عصر الانحطاط في الفكر والمعرفة والسلوك، عصر تدمير آفاق المستقبل المشرق، عصر التخلف والتبعية وغياب الاحتكام للبصر والبصيرة، عصر لي ذراع الحقيقة، وطغيان السادية الشوفينية، والتفاخر بسفك دماء الأبرياء وقتل الإنسان لأخيه الإنسان، بمفاهيم وشعارات شيطانية، تتناقض مع روح العصر وحب البحث عن الحقيقة، والتذيل والتبعية للغرب الاستعماري والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل .
بعض الحركات الإسلامية المتطرفة، تفهم الدين بغير أهدافه الحقيقية، وتعتبر نفسها مرجعية ووكيل الله على الأرض، تكفر من تشاء، وتمنح الجنة لمن تشاء بغير حساب، متجاهلة أئمة المسلمين المتنورين الذين يفسرون آيات القرآن، والأحاديث النبوية بروح العصر، وعلى قاعدة الدين في خدمة الشعب. هذه الحركات التكفيرية تتناقض مع برامج الأحزاب والقوى السياسية والمؤسسات الاجتماعية والتربوية، ومكونات المجتمع المدني في تحديد عدو الشعب الوطني والطبقي . فالمتتبع لكل البرامج السياسية للقوى الوطنية،ومكونات المجتمع المدني، وبعض هذه القوى والمفكرين الإسلاميين، خصوصا بعد استقلال أوطانها غير المكتمل، ترى أن الفقر والمرض والجهل والفساد والبطالة وتفشي المخدرات.... الخ تشكل معارك حقيقية للشعوب العربية للخروج من أزماتها المستعصية كافة.
ومع أن الشعب الفلسطيني لا زال يخضع للاحتلال الإسرائيلي، ويخوض معركة التحرر الوطني، يحتم عليه الواجب الوطني والأخلاقي، أن يخوض نضالا تحرريا، وأن يعمل على التخلص من الاحتلال والاستيطان وجرائم المستوطنين، والسعي لإقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة دون مستوطنين ومستوطنات وعاصمتها القدس، وحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم طبقا للقرار ألأممي 194 ، وتتشابك مع نضاله السياسي جدليا معارك التحرر الاجتماعي والديمقراطي. ومع ذلك فلا زالت الشعوب العربية تعتبر القضية الفلسطينية هي القضية المركزية وشغلها الشاغل، ومن مصلحتها الوطنية والاجتماعية والاقتصادية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن كامل الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 للتفرغ لواقعها وحياة شعوبها في حل كافة مشاكلها .
حركة الأخوان المسلمين المتطرفة في مصر، اعتمدت دراسة صدرت عام 1981، بقلم المهندس محمد عبد السلام فرج بعنوان " الجهاد الفريضة الغائبة " الذي أعدم في قضية اغتيال السادات وهي تحتاج لنقاش وحوار جاد حول العديد من القضايا المطروحة، ولكن ما لفت انتباهي بشكل خطير هي دعوته لقتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد !!! حيث يقصد بالعدو القريب هي الأنظمة العربية التي لا تطبق الشريعة الإسلامية في الحكم والسلطة، وتعتبرها دول كافرة لا بد من محاربتها أولا، وأن هؤلاء الحكام تربوا على موائد الاستعمار، ولا يحملون من الإسلام إلا الأسماء ولهذا وجب محاربتهم. وأن العدو البعيد هي إسرائيل التي تحتل الأراضي المقدسة، والولايات المتحدة الأمريكية، ويحاول في كراسته أن يؤكد أن دماء المسلمين ستنزف حتى وان تحقق النصر على إسرائيل والولايات المتحدة والغرب الاستعماري، ويتساءل هل هذا النصر وان تحقق هل سيكون لصالح الدولة الإسلامية ؟؟؟ وفي رأيه لو انتصرنا على الاحتلال الإسرائيلي فانه سيكون لصالح الحكم الكافر، وهذا يعني تثبيت أركان هذه الدولة الخارجة عن شرع الله، كما انه يؤكد في كراسته إن أساس وجود الاستعمار في بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام، فالبدء بالقضاء على إسرائيل والاستعمار هو عمل غير مجد وغير مفيد، وما هو إلا مضيعة للوقت !!! لقد اعتمد المهندس محمد عبد السلام فرج على مجموعة من فتاوى ابن تيمية التي تطفح بسفك الدماء والقتل تحت حجج الكفر وعدم تطبيق الشريعة الإسلامية ،على الرغم من أن أغلبية قوانين ودساتير الدول العربية، تعتبر أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، في حين يرى الفيلسوف ابن رشد " أن أخطر عدو على الإسلام، جاهل يكفر الناس " .
ولهذا فلا غرابة من مسلكيات الأصوليات الإسلامية، من داعش والنصرة والسلفية الجهادية والعديد من المتاسلمين والمتطرفين الإسلاميين بزعامة التنظيم الاخواني الدولي وتبنيها نهج العنف والسيف والحرق وقطع الرأس والقتل وتفجيرات الأماكن العامة والشعبية، وتدمير الحضارة العربية والإسلامية في كل من سوريا والعراق ومصر وليبيا وتونس ... الخ ، بهدف زعزعة الاستقرار والأمن للشعوب العربية، وملاحقتها في تفجيراتها الدموية، كالجيش والشرطة ورجال القضاء والمفكرين والسياسيين الديمقراطيين والتقدميين والكتاب والفنانين والمبدعين ... الخ خدمة لمفاهيمهم الظلامية التي تخدم في نهايتها العدو البعيد الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاستعماري وإسرائيل حسب زعمهم .
إن محاولات حرف النضال عن القضايا الجوهرية للشعوب العربية ،وتجاهل القضية المركزية فلسطين والمسجد الأقصى ودور العبادة الإسلامية والمسيحية التي تتعرض للتهويد والاستيلاء عليها من قبل الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين تعكس فهما مغلوطا، ومفضوحا تساهم أفعالهم في تأجيج الصراعات الداخلية، وتخلق المزيد من الفتن الطائفية والمذهبية وتفتت النسيج الاجتماعي بين أبناء الشعب الواحد مما يساهم بشكل خطير في تعزيز الوجود الاستعماري وتثبيت الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي العربية المحتلة ويعيق تطور الشعوب العربية ويمنعها من التقدم وحل مشاكلها السياسية والاجتماعية والديمقراطية ويكرس استمرار الاستبداد والفساد والتبعية للغرب الاستعماري.
فكم عام يحتاجون لتحرير بلدان الكفر الإسلامية حسب زعمهم، حتى يتفرغوا لتحرير القدس والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟؟ ؟ إنكم لا تمتلكون الحقيقة المطلقة، ولا أحد وكلكم ومنحكم صلاحية الهروب من المرجعية الحقيقية للإسلام، واعتماد فتاوى ابن تيمية بديلا عنها ؟؟؟ إن القوى الوطنية والإسلامية في فلسطين تضع نصب عينيها تحرير الوطن من الاحتلال الإسرائيلي، واعتبار إسرائيل العدو القريب، مغتصب الأرض والعرض والمقدسات، وكل من يساندها من الدول الاستعمارية والإقليمية والرجعية، ولن تتبنى أية مشاريع أخرى إلا الدفاع عن الأرض والإنسان الفلسطيني، حتى وان شطح البعض، وتناغم مع أفكارها التكفيرية .
طلعت الصفدي
غزة – فلسطين
الجمعة 31/7/2015
[email protected]