ما تشهده ساحات الضفة الغربية قبل أكثر من أسبوع على جريمة حرق منزل آل دوابشة، وحتى الآن، ينطوي على أبعاد خطيرة في سياق تنفيذ المخططات الإسرائيلية، لشطب كل الحقوق الفلسطينية. كان بالإمكان، التصرف بهذا الشكل أو ذاك إزاء جريمة حرق منزل آل دوابشة لو أن الجريمة كانت معزولة، وخارج سياق سياسة إسرائيلية عامة، غير أن الأمور تسير في اتجاه مختلف.
هذه هي مفردات الحرب الممكنة التي تستطيع إسرائيل أن تشنها على الضفة الغربية بخلاف ما تستطيعه ضد قطاع غزة الذي اعتبرته وتعاملت معه منذ أيلول 2009 على أنه كيان معاد.
الحرب التي تخوضها إسرائيل في الضفة شاملة، تستهدف الأرض والبشر والنظام السياسي، والحقوق، وتستهدف الإرادة الفلسطينية، وتتحدى من خلالها بشكل صارخ كل قوانين الأمم المتحدة.
لم تضعف الحرب ضد القدس والمسجد الأقصى، ولم تتراجع في مجال مصادرة الأرض والاستيطان، وهي تتقدم نحو الأسرى من خلال محاولة، تنفيذ قرار التغذية القسرية للأسرى المضربين، فيما يتصاعد إرهاب المستوطنين، وتتواصل جرائمهم ضد الناس والأرض.
إسرائيل تستثمر الظروف المحيطة والداخلية، حيث تخلت الولايات المتحدة عن ما تقوم به من جهد إزاء العملية السياسية، على الرغم من انحياز خلال ما كانت تقوم به لصالح إسرائيل، والاتحاد الأوروبي مصاب بالشلل، فيما الوضع العربي مهلهل، مفتت وغارق في همومه الداخلية. الوضع الفلسطيني ليس أفضل حالاً، فالانقسام لا يزال يقرر مستوى وطبيعة المجابهة الممكنة، وبسببه يأتي الجواب سلبياً على سؤال إمكانية اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة نضجت كل ظروفها ما عدا الظرف الذاتي.
القيادات السياسية تلوذ بعجزها إلى توجيه التهديدات فارغة المضمون، تهديدات تعرف إسرائيل مدى جديتها، وتراهن على أنها قادرة على احتوائها. القيادات السياسية مرتبكة، حائرة ومترددة، وتعمل على نحو عشوائي، بمعزل عن أية استراتيجيات واضحة وشاملة.
الرئيس الإسرائيلي ريفلين يتحدث عن هشاشة السياسة الإسرائيلية في مجابهة الإرهاب اليهودي، بينما يحذر ديسكن رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" السابق، من أن دولة يهودا في الضفة تتبلور، وهي دولة تعمل وفق قوانين مختلفة عن القوانين المتبعة في دولة إسرائيل.
ديسكن يشخص الأوضاع الجارية التي يمثلها الوجود والعقل الاستيطاني في الضفة على نحو صحيح، ينسجم والاستراتيجية الإسرائيلية التي تتعامل مع الضفة الغربية على أنها يهودا والسامرة، وتحيل إدارة مشروع دولة "يهودا" للمستوطنين، بحماية ورعاية الجيش والأجهزة الأمنية.
وبصرف النظر عن مآلات وتداعيات الدور الذي يقوم به المستوطنون من حيث أنه يمثل القنبلة التي ستؤدي إلى تفجير المجتمع الإسرائيلي وتحويله إلى مجتمع عنصري، تنخره كل أنواع التناقضات والصراعات فإن المردود المباشر لدورهم هو الإجهاز على رؤية الدولتين والعاصمة القدس، والتحضير لضم الجزء الأكبر من الضفة الغربية، والتخلص من الكتلة السكانية فيها.
المكمل لهذا المشروع، الذي لم تعد مفرداته غائبة عن ذاكرة المواطن العادي وليس فقط المسؤول السياسي، هو فصل قطاع غزة نهائياً، وخلق الظروف، كل الظروف والعوامل المناسبة لإقامة الدولة فيه بمن فيه وبعيداً عمن يقيمون السياسة في الضفة الغربية أو بقاياها. الحديث عن صفقة الهدنة مقابل رفع الحصار والسماح بإقامة ميناء وربما مطار، بدأ يتراجع قليلاً، بعد أن انتقل الوسطاء للتداول في موضوع المقاومة وسلاحها.
في الفكر السياسي الإسرائيلي، ورؤى الوسطاء الداعمين لهذه الفكرة لا يمكن الموافقة على صفقة كهذه دون التخلص بهذه الطريقة أو تلك من سلاح المقاومة. إذا كانت حماس غير مستعدة للموافقة على أن تقوم هي بالتخلص من سلاح المقاومة، فالأرجح أن تنفيذ مخطط دولة غزة، يحتاج إلى حرب جديدة على القطاع.
الحرب التي وقعت ضد القطاع العام السابق لم تعد تصلح، كدافع، للخوض في مفاوضات حول تثبيت وقف اطلاق النار، فلقد استقرت الأوضاع على ما كانت عليه قبل الحرب، باستثناء ما خلفته من دمار هائل، وأعداد كبيرة من الشهداء والجرحى، فتلك بضاعة لم تعد صالحة للمقايضة.
الظروف كلها الدولية، والإقليمية والعربية والفلسطينية مناسبة جداً، لكي تشن إسرائيل حرباً جديدة على القطاع تستهدف خلع أسنان المقاومة لكل فصائل المقاومة، كعقبة أمام إمكانية فرض تسوية أو اتفاق يؤدي إلى دفع قطاع غزة نهائياً وبعيداً، وتركه لمن يرغب في إقامة الدولة الفلسطينية فيه وهو فقط ما تتيحه إسرائيل للفلسطينيين.