تنعكس تداعيات الأداء الاقتصادي في إسرائيل على الاقتصاد والاستقرار المالي في فلسطين بأكثر من جانب, ففي ظل استمرار تبعية الاقتصاد الفلسطيني القسرية للاقتصاد الإسرائيلي, لا تزال قنوات الضغط والتأثير المباشر على الاقتصاد الفلسطيني مفتوحة على عدة أصعدة.
فالنظام المالي الفلسطيني يتأثر بالسياسة النقدية الإسرائيلية وباستقرار الشيكل كعملة رئيسية في التبادل التجاري, والتي تعتبر أيضًا مكونًا أساسيًا في موجودات المصارف العاملة في فلسطين, كما يتأثر النظام المالي الفلسطيني بشكلٍ غير مباشر بتقلبات الأسعار, والطلب على العمالة الفلسطينية في السوق الإسرائيلي, والقيود الإسرائيلية المفروضة على التجارة وتحويل الضرائب التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة بموجب اتفاق باريس (إيرادات المقاصة), وما ألحقته من أثار على الاقتصاد الفلسطيني عمومًا.
وتتمثل قنوات الضغط والتحكم الإسرائيلي على الاقتصاد الفلسطيني في خمسة قنوات رئيسية وهي : سوق العمل, الحركة التجارية, المقاصة والنشاط المالي والمصرفي, إعادة الإعمار والتحكم في مواد البناء, وأخيرًا الموارد الطبيعية (الغاز المكتشف).
تستخدم إسرائيل هذه القنوات كورقة ضغط على الاقتصاد الفلسطيني, من خلال استمرار القيود المفروضة على حرية الحركة والنفاذ وتحديد حجم العمالة الفلسطينية في إسرائيل (معظمهم من الضفة الغربية والقدس خاصة وأن قطاع غزة مغلق بالكامل ولا يسمح لعمالته بالتنقل خارج حدوده), بالإضافة إلى السيطرة الإسرائيلية شبه الكاملة على حرية حركة البضائع الداخلية والخارجية, والذي بدوره ينعكس سلبًا على استقرار ونمو الاقتصاد الفلسطيني على الأمد الطويل, كون الاقتصاد الإسرائيلي الشريك التجاري " القسري" الأكبر والأشد تأثيرًا على الاقتصاد الفلسطيني.
أما على صعيد تحويلات الضرائب (إيرادات المقاصة) فإن استمرار وانتظام تدفقها يبقى مرهونًا بالتطورات السياسية وتستخدمها إسرائيل كورقة ضغط لتحقيق مآربها.
وفيما يتعلق بإعادة الإعمار والتحكم في مواد البناء, اشترطت إسرائيل فرض آلية رقابة صارمة على استعمال مواد البناء (الحصمة والاسمنت والحديد) التي يتم إدخالها إلى قطاع غزة لإعادة إعمار وبناء ما قامت بتدميره خلال اعتداءاتها المتكررة, بحجة أن هذه الآلية ضرورية للحيلولة دون استخدام مواد البناء لإعادة تشييد الأنفاق التي قامت بتدميرها خلال الحرب , وبذلك تكون هذه الآلية تنفيذاً للشرط الإسرائيلي, وبهذه القناة تحكمت إسرائيل من خلال هذه القناة التحكم في عملية إعادة الإعمار ومواد البناء.
وأخيرًا الموارد الطبيعية ( الغاز المكتشف), فالاحتلال الإسرائيلي يتحكم في هذه القناة للضغط على الاقتصاد الفلسطيني, حيث لم يتمكن الاقتصاد الفلسطيني من الاستفادة من حقول الغاز المكتشف حتى هذه اللحظة أو التعاقد مع شركات دولية لاستخراج الغاز والاستفادة منه , نتيجة أن القانون الدولي يحظر على الشركات الدولية الدخول للقطاع كمنطقة محتلة دون تنسيق مع الاحتلال .
وأخيرًا يمكن القول أن إسرائيل تتحكم بهذه القنوات بالكامل, واستطاعت من خلالها التأثير على الاقتصاد الفلسطيني وجعله عرضة للعديد من الأزمات والصدمات التي أدت إلى تذبذب وتدهور اقتصادي أثر على مجمل حياة المواطنين.
رائد محمد حلس
باحث في الشؤون الاقتصادية