قبل نكبة جديدة .. الجولان إسرائيلية !!!

بقلم: علاء الدين حمدى شوَّالى

ـ لماذا لم تتدخل الولايات المتحدة حتى الان، كعادتها، لإسقاط نظام بشار الأسد فى سوريا، أو على الأقل تأمين منطقة حظر جوى لحماية المدنيين، كما فعلت فى ليبيا مثلاً، رغم مرور ما يقترب من الخمس سنوات على إندلاع التمرد الداخلى الذى تدعمه ضده ؟
دارت مبررات المحللين حول الموقف الروسى ـ الصينى الداعم للأسد، الحائل دون إصدار قرار من مجلس الأمن، أو إيران وحزب الله وتهديداتهما بالتدخل العسكرى، مع توسيع دائرة العمليات العسكرية لتطال قوى إقليمية أخرى حال تدخل الولايات المتحدة، بينما أعزاه البعض لكون الأسد لازال يمتلك الكثير من أوراق اللعب التى يمكنها قلب الموازين، خاصة الأسلحة الكيماوية.
وكلها إجتهادات غير مقنعة فى رأيى، إذ لا تفسر، مثلاً، عدم إعتراض تلك القوى الداعمة للأسد، بطريقة عملية، على تسليح الولايات المتحدة وحلفائها للمعارضة، وإن كان تسليحاً محسوباً لا يمنحها فرصة التفوق على النظام، كما لا تفسر قلة حيلة تلك القوى أمام الإنهيار المستمر فى النظام السورى وإتساع جبهات التمرد ضده، مما يدفع الى عدم حمل تهديداتها على الجدية، وبالتالى قد ينفى إعتبارها المبرر الفعلى المانع للولايات المتحدة من التدخل لحسم الأمر.
ومن باب الإجتهاد أيضاً، كان تصورى الشخصى كما سنتناوله فى السطور القادمة، وهو تصور إن صحّ، فأظنه سيناريو لا يجيده الشيطان نفسه ! سيعيد تشكيل خريطة القوى الاقليمية جغرافياً وسياسياً وبالقانون، وربما الى الأبد !
الحدث السورى
ـ لم يكن الاسلام السياسى هو المحرك لأحداث سوريا فى البداية، وإنما كان إنتقال ثورة الحرية، كما رآها أصحابها، من تونس ومصر وغيرها، من منطلق أن الثورات دائما مادة جيدة التوصيل بين الشعوب التى لها نفس الواقع والظروف.
نادت تلك الشرائح الثورية بالحرية داخل نطاق وحدود الدولة السورية الموحدة، إلا أنها لم تمتلك القوة التى تيسر لها الصمود فى مواجهة ضربات النظام المؤلمة الذى لم يحاول إستيعابها، كعادة كل الأنظمة العربية، أو القمعية، وعدائها المتأصل مع دروس التاريخ، فتراجعت سريعاً ليحلّ محلها تيارات الإسلام السياسى بأنواعها وفصائلها المختلفة .. إخوان ـ سلف ـ نصرة ـ جيش الإسلام ـ داعش ـ أحرار الشام ـ الجبهة الإسلامية ـ جيش المجاهدين والأنصار ـ حركة حزم ـ أكناف بيت المقدس ـ شام الرسول ـ جيش الأبابيل ـ جيش الأمة ـ جيش المجاهد، وغيرها، خلاف فصائل الأكراد والفصائل الفلسطينية، فى مقابل الجيش السورى النظامى كخصم لأغلبها.
توزعت تلك الفصائل فى كامل أرجاء سوريا، ونشرت آلتها العسكرية وبسطت نفوذها وقوانينها على مساحات تتسع أو تضيق حسب الظروف، وحسب قدرة كل جبهة على الدفاع عن مكتسباتها على الأرض، وحسب حجم الدعم الخارجى الذى حوَّل الأراضى السورية إلى ساحة حروب وكالة وقودها الشعب السورى ومقوماته، دون أى حسابات عقلانية مسئولة، خاصة من دول العربية، التى لم تضع فى إعتبارها منظومة الأمن القومى العربى كعقد واحد إذا إنفرطت حبة منه إنفرط جميعا.
إذاً فالأمر الواضح للجميع أنه لن يكون ثمة غالب أو مغلوب، وأن النهاية المحتومة للدولة السورية هى نفس سيناريو ملوك الطوائف فى الأندلس، يوم أعلن الوزير أبو الحزم بن جهور سنة 422 هـ سقوط الدولة الأموية، فأعلن كل أمير نفسه ملكاً على ما تحت يديه من أراضى، فقُسِّمَت الأندلس الى 22 دويلة تدفع جميعها الجزية لألفونسو السادس ملك البرتغال، فكانت النتيجة ضياعها الى الأبد.
ذلك إذاً هو السيناريو المتوقع مستقبلاً، وتحقيقه يدفعنا الى السؤال المحورى لموضوعنا هذا .. وماذا عن مصير الجولان؟

هضبة الجولان
أُدرِجَت هضبة الجولان داخل فلسطين تحت الإنتداب البريطانى عام 1922، ثم تخلت بريطانيا عنها لفرنسا في 7 مارس 1923 إستنادًا إلى اتفاقية سايكس بيكو، ثم أصبحت تابعة للدولة السورية بعد إنتهاء الانتداب الفرنسي عام 1944، ثم إحتل الجيش الإسرائيلي ثلثى مساحتها تقريباً في حرب 1967.
وفي 14 ديسمبر 1981 قرر الكنيست الإسرائيلي ضم الجزء المحتل من الجولان، حوالى 1200 كم2، إلى إسرائيل بشكل أحادى الجانب فيما عرف بقانون الجولان الذى أنهى سلطة الجيش الإسرائيلى، ونقل صلاحيته الى السلطات المدنية الإسرائيلية العادية، معتبراً الجولان جزءً إدارياً من إقليم "الدولة الإسرائيلية".
وذلك، حسب رأيى الشخصى، كان السطر الأول فى السيناريو الشيطانى القادم، بالإلتفاف على تعريف الإحتلال فى القانون الدولى العام، الذى لم يرد إلا فى نص المادة 42 من لائحة الحرب البرية المرفقة باتفاقية لاهاى لعام 1907، "تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون السلطة الفعلية لجيش العدو"، بينما خلت إتفاقية جنيف لعام 1949والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977، وكذلك ميثاق الأمم المتحدة ومن قبلها عصبة الأمم، من أي تعريف محدد للإحتلال !
صحيح أن مجلس الأمن إعتبر القرار الإسرائيلى باطلًا، وطالبها، بإعتبارها سلطة إحتلال عسكرى، بإلغائه فوراً، ولكن دون توقيع عقوبات أو ضغوط دولية لإجبارها على ذلك.

وتمثل هضبة الجولان أهمية كبيرة للإسرائيليين على ثلاثة محاور:
المحور المائى: أنها مصدر ثلث مياه بحيرة طبريا، مورد المياه الأساسى لإسرائيل والأراضى الفلسطينية، و 14% من مخزون سوريا المائى قبل 4 يونيو 1967.
المحور الإستراتيجى: موقعها المرتفع، الذى يسمح للواقف على سفحها برؤية الأراضى السورية حتى أطراف دمشق، وكذلك الشمال الشرقى من الأراضى المحتلة، أو ما يُعرَف بـ "دولة إسرائيل"، بالعين المجردة.
المحور الدينى: حيث يذكر إسم "جولان" في العهد القديم كإحدى "مدن الملجأ الثلاث" الواقعة عبر نهر الأردن، والتي يلجأ إليها من قتل إنسانًا سهوًا خشية الإنتقام، حسب العقيدة اليهودية، والتى جعلها النبى موسى، عليه السلام، كما يتحدث العهد القديم، لنسل "ماكير بن منسى ـ أو منساه"، الإبن البكر للنبى يوسف، عليه السلام:
(وَفِي عَبْرِ أُرْدُنِّ أَرِيحَا نَحْوَ الشُّرُوقِ جَعَلُوا بَاصَرَ فِي الْبَرِّيَّةِ فِي السَّهْلِ مِنْ سِبْطِ رَأُوبَيْنَ، وَرَامُوتَ فِي جِلْعَادَ مِنْ سِبْطِ جَادَ، وَجُولاَنَ فِي بَاشَانَ مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى ) سفر يشوع 20: 8
( بَاصِرَ فِي الْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضِ السَّهْلِ لِلرَّأُوبَيْنِيِّينَ، وَرَامُوتَ فِي جِلْعَادَ لِلْجَادِيِّينَ، وَجُولاَنَ فِي بَاشَانَ لِلْمَنَسِّيِّينَ ) سفر التثنية 4: 43

الجولان وعلاقات القانون الدولى العام
علينا، لتوضيح موضوع إجتهادنا، البحث أولاً فى علاقات القانون الدولى العام فيما يخص إكتساب إقليم لأملاك دولة ما وضمه تحت سيادتها، مما قد يتفق مع حالة إجتهادنا ..
أولاً: مبدأ الإستيلاء
أقرت قواعد القانون الدولى العام مبدأ الإستيلاء كأحد الأسباب الأصلية لإكتساب الإقليم، وعرَّفته على أنه "فرض سيادة دولة وولايتها على إقليم هو فى الأصل غير خاضع لسيادة أية دولة أخرى، وذلك بقصد إدخاله فى ممتلكاتها الإقليمية"، ووضعت لتحقيق ذلك شرطين أساسيين:
1. أن يكون الإقليم موضوع الإستيلاء غير خاضع لسيادة أية دولة من الدول، سواء كان الإقليم مأهولاً أو غير مأهول، حيث العبرة فى الواقع بممارسة السكان السيادة على إقليمهم.
2. أن تكون حيازة دولة الإستيلاء للإقليم حيازة فعلية تعبر بوضوح عن إنصراف إرادتها الى مد سيادتها إليه، وأن تكون سيادتها على الإقليم كاملة، وأن تقوم بإدارته بنفسها وبواسطة أجهزتها الحكومية المختصة.
وقد إنتهت المحكمة الدائمة للعدل الدولى فى حكم شهير أصدرته فى الخامس من ابريل 1930 فى نزاع بين الدانمرك والنرويج حول السيادة على جرينلاند الشرقية، الى أنه يشترط لإكتساب السيادة على الإقليم عن طريق الإستيلاء، حصول وضع اليد الفعلى على الإقليم، وعرف الحكم وضع اليد الفعلى على أنه "المباشرة المستمرة للسلطة"، وبينت أنه يستلزم لتحقيقه شرطين أساسيين:
1. مباشرة الدولة واضعة اليد لإختصاصات تشريعية معينة من ذلك النوع الذى تقوم به الدول.
2. مباشرة تلك الإختصاصات أثناء فترة معينة، دون إشتراط فترة طويلة ، بل يكفى إثبات مباشرتها تلك الإختصاصات فى أثناء الفترة الحرجة التى سبقت النزاع.

ثانياً التقادم:
هو أحد أسباب إكتساب الإقليم نقلاً عن الغير، أو إكتساب دولة ما السيادة على إقليم كان فى الأصل تابعاً لدولة أخرى، عن طريق مباشرتها إختصاصات السيادة فى هذا الإقليم بصورة هادئة غير منازع فيها لفترة مستمرة من الزمن تكفى لإضفاء صفة الإستقرار على هذا الوضع.
والتقادم من تعريفه، رغم أنه يضفى وصف المشروعية إنتهاءً على أوضاع الواقع غير المشروعة إبتداءً، فيستلزم بالضرورة مباشرة حقوق السيادة على الإقليم بصورة هادئة غير منازع فيها ولمدة كافية لا يتخللها الإنقطاع.
ولا توجد أى قاعدة دولية تحدد المدة اللازمة لإكتمال التقادم، وإن حددتها بعض المعاهدات، فى حدود العلاقة بين أطرافها المتعلقة بموضوع معين، بخمسين عاما

ومع إجماع فقهاء القانون الدولى العام على أن الإحتلال لا ينقل السيادة مهما طالت مدته، ومع وجود العامل الزمنى المتمثل فى تقادم الإدارة الإسرائيلية لهضبة الجولان، سواء تحت الإحتلال أو بعد ضمها لإسرائيل مدنياً ضماً أنهى الإحتلال من طرف واحد، والتى إستمرت 48 عاما حتى اليوم دون أى إعتراض عملى، مقابل 23 عاماً من الإدارة السورية، مارست إسرائيل خلالها كل أشكال إختصاصات الدولة على الإقليم وإدارته بنفسها وبواسطة أجهزتها الحكومية المختصة، وفى إنصراف واضح أمام الجماعة الدولية لإرادتها فى مد سيادتها إليه بصورة كاملة أعلنت عنها بالفعل فى قانون الجولان عام 1981.
إلا أنه، على حد رأيى، فلازال جميع ذلك بمثابة "السند الناقص"، الذى يمنع إتمامه وجود الدولة السورية حيَّة بنظامها الشرعى داخل حدودها الدولية المعترف بها حتى الآن بما فيها الجولان.

سيناريو لا يجيده الشيطان !
هنا تتضح خطورة سيناريو "دويلات الطوائف" الشيطانى، المتوقع كنهاية للأزمة السورية، أعنى غياب الأسد عن المشهد بعد ترتيب الأمر على الأرض، ثم إعلان سقوط الدولة رسمياً، بإتفاق الجميع، وبالتالى تتلاشى الدولة السورية ويحل محلها كنتونات يعلن كل منها نفسه كدولة ذات سيادة على مساحات مأهولة مختلفة من الأرض، فتكتمل لكل منها عناصر الدولة المتعارف عليها فى القانون الدولى العام (شعب ـ إقليم ـ سيادة) !
بمعنى أن ما يحدث ليس هدفه فى الأصل إخراج الجيش السورى كقوة عربية من المواجهة مع إسرائيل كما يطيب لبعضنا أن يصدق، فذلك أمر فَقَدَ معناه بالفعل حتى قبل الاضطرابات، ولا إسقاط نظام الأسد وتشكيل نظام ديمقراطى بديل لسوريا الموحدة، ولكن الهدف الحقيقى، حسب إجتهادى، هو الجولان من البداية، عن طريق إسقاط وموت الدولة السورية وتقسيمها الى دويلات بأيدى أبنائها وشعبها لا بيدَىّ عمرو، الأمر الذى سيلقى إرتياحاً دوليا مقابل وقف عمليات الإبادة التى يتابعها العالم، والتى نلحظ التوسع فى عرض مآسيها الإنسانية هذه الأيام قتلاً وتهجيراً وتشريداً على حدود دول أوروبا بطريقة مكثفة ومتعمدة، مما يوحى بإقتراب ساعة صفر التقسيم.

هنا، بعد التقسيم، سيصبح الجولان، بقدرة قادر، إقليماً غير محتلّ بعد تلاشى الدولة ذات السيادة الحقيقية عليه، وبالتالى سيخضع، على طريقة مبدأ الشُفعة، للدولة الاسرائيلية ذات السيادة الفعلية المستمرة 48 عاماً دون إنقطاع مقابل 23 عاماً تحت السيادة والإدارة السورية كما قلنا، وإلّا فإلى مَن ستؤول ملكيته والسيادة عليه وسكانه الأصليون خارج معادلة الصراع حول الكعكة السورية الشهية ؟!!
اللهم إلا إذا قرر مجلس الأمن أن الدويلة الجديدة التى ستضم دمشق العاصمة، هى الوريث للدولة السورية القديمة، على غرار روسيا والاتحاد السوفييتى السابق، الأمر المشكوك فى حدوثه سواء وفق الهدف من السيناريو الشيطانى، أو لتعذر متوقع فى الربط الجغرافى، طبقاً لدقة السيناريو، بين دويلة دمشق الجديدة وبين إقليم الجولان، إضافة الى حسابات المصالح المتبادلة بين الخمسة الكبار فى مجلس الأمن على أقفية العرب، وهو ما ألمح اليه موقع (Israel Defense) الإسرائيلى، المُتخصص بالشؤون الأمنية والعسكرية، مايو 2015، "أن ثمة إتصالات تجري بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، لفرض وقف لإطلاق النار في سوريا، وتقسيمها إلى دويلات بحسب مناطق سيطرة الجهات المتقاتلة عليها"، والشاهد هنا هو الجملة الأخيرة !!!
كذلك لن يكون من حق أية دولة إقليمية، أو غير إقليمية، الإعتراض على ضم الجولان لإسرائيل، وإلا فعلى المعترض حشد جيوشه لإعادة توحيد الدولة السورية من جديد داخل حدودها الدولية المعروفة 1944، مع تعرُّض المعترضين العرب لتأديب المخالب الأمريكية الجديدة، داعش وأخواتها !!!
ـ لذلك، لم تتدخل الولايات المتحدة حتى الان، كعادتها، لإسقاط نظام بشار الأسد فى سوريا، ألم أقل أنه سيناريو لو صحّ فسيدفع الشيطان لإعتزال السياسة ؟! .. ربما يكون إجتهادى هذا مخطئاً، ولكنه لا يمنعنى عن كراهية الأغبياء.

ضمير مستتر:
وأركض حائراً قلقاً سيفى فمى، وغراره خُطَبى
أشتدّ من وهن إلى وهن وأفر من صخب إلى صخب
وهوانى المشؤوم، أصبح في ثغـر الدنى ترجيع مكتئب
هذا دمى، خذه بلا ثمن وأرقه في كأسٍ من الخشب
أعتق شموخي وأحيني أملا ً فلقد رشفت ثمالة الهرب
وسألتني عني وعن وطني فغلا دمي وهممت بالكذب ..
فقرأت في عينيك معرفة ! فأجبت في خجلٍ :أنا عربى
د عبد الله الرشيد

علاء الدين حمدى شوَّالى
كاتب وباحث سياسى مصرى
[email protected]

مصادر
"القانون الدولى العام فى وقت السلم" دكتور حامد سلطان محمد
"التنظيم الدولى ـ الجماعة الدولية" دكتور محمد سامى عبد الحميد
"محاضرات فى القانون الدولى العام" دكتور وليد فهمى

علاء الدين حمدى شوَّالى