التكملة لصدر بيت الشعر هذا هي: "إن لم تجد ما تأكله"، غير أن للقيادات الفلسطينية على اختلاف هوياتها وأجنداتها وأماكن نفوذها وجهة نظر أخرى تقول:
النار تأكل بعضها حتى لو وجدت ما تأكله.
ومن خلال دفق الأخبار، الصادرة عن الحالة الفلسطينية من الضفة وغزة، ومن امتداداتهما في المحيط الإقليمي والدولي، يسهل اكتشاف القرائن الدامغة، على أن القضية الفلسطينية بعناوينها ومواضيعها البديهية والتقليدية قد اختفت، لتحل محلها عناوين ومواضيع جديدة كلها ينطلق من واقع الصراع الداخلي المحتدم، الذي صار أقوى حضورًا من الصراع التقليدي والمفترض أنه أساسي ومصيري مع الاحتلال.
وهذه عينة من الأخبار التي تم تداولها مؤخرًا ومنبعها الأصلي مطابخ القيادات وما تنتج من عناوين مثيرة للفضول أكثر من كونها مثيرة للاهتمام بقضية كانت يومًا تسمى "القضية المركزية" بالنسبة للفلسطينيين والعرب وأحيانًا بالنسبة للعالم كله.
على مدى أكثر من شهرين.. - هل سيستقيل عباس؟
- من الذي سيخلفه؟ - ما فرص فلان أو علان في احتلال مقعده إذا خلا؟ - ما موقف حماس، وهل هي الوريث التلقائي؟
بعد انشغال في حل هذه الأحجية التي لا أساس لها بحكم أن الحكاية غير جدية، انتقل الجدل إلى أمور أخرى.
- هل هنالك نية للتخلص من قيادات واستبدال قيادات جديدة بها؟
- هل إسناد مهمة جديدة لفلان على حساب علان جزء من سيناريو التوريث؟
- في حال خلو موقع الرئيس هل سيتم اختيار بديله بالتوافق بين القوى أم بالانتخابات العامة؟
- هل ينعقد المجلس الوطني الذي هو برلمان الفلسطينيين جميعًا، ومن سيحضر ومن سيقاطع؟
- وإذا حدثت معجزة وانعقد المجلس الوطني بنصاب قانوني، فهل النصاب القانوني يغني عن النصاب السياسي حال مقاطعة الكثير من الفصائل؟
هذه عينة من الأسئلة التي لا يفهمها معظم الفلسطينيين وكل العرب، وهي من نوع الأسئلة التي تبدو أكثر تعقيدًا من الإجابات عنها.
فما الذي يهم المتعاطف مع القضية الفلسطينية في طنجة والجزائر والرياض والسويد وحتى إسرائيل، كقضية حقوق مصادرة، وشعب محتل وأرض منتهكة، وقتل فردي وجماعي على نحو يومي، أن صائب عريقات جلس مكان ياسر عبد ربه، أو أن محمد زهدي النشاشيبي عضو اللجنة التنفيذية من أيام الشقيري سيغادر أم ستجدد عضويته؟
هذه هي أخبار الفلسطينيين الآن، لم يعد هنالك من متسع للأخبار التي صارت قديمة مثل الاستيطان والمصادرة والجدار والمقاومة وإضراب المعتقلين حتى الوقوف على حافة الموت.
قد نحتاج إلى عدسة مكبرة لنقرأ بعضًا من الأخبار القديمة أمام طغيان أخبار الصراع على السلطة، حتى لو لم يبقَ من السلطة سوى قُلامة ظفر.
إن مأساة ثالثة تحيق الآن بالفلسطينيين؛ الأولى تلك التي عرفت بنكبة عام 1948.
والثانية تلك التي تسمى وما تزال بالانقسام المتكرس منذ ثماني سنوات وعلى الأرجح أن يستمر إلى ما لا نهاية.
أما الثالثة فهي التي تتحد مع عنوان هذه المقالة..
النار تأكل بعضها.. حتى لو وجدت ما تأكله.
نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني