الفلسطينيون في سوريا : خصائص ديمغرافية

بقلم: علي بدوان

من المهم مع انطلاق سيل الهجرات والشتات الجديد لفلسطينيي سوريا باتجاه أصقاع المعمورة الأربع التطرق للواقع الديمغرافي لفلسطينيي سوريا، والذين بلغت أعدادهم مع نهاية العام 2014 ما يقارب 522 ألف نسمة وفق معطيات وكالة الأونروا والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا، حيث تشير المعطيات المستقاة من مصدر فلسطيني قيادي بدمشق أن أعداد من غادر سوريا من فلسطينييها باتت تقارب نحو 200 ألف فلسطيني نتيجة الأزمة الداخلية، وقد حَطَت بهم الرحال بشكلٍ رئيسي في دول الغرب الأوربي والدول الإسكندنافية وأستراليا وكندا في تغريبة جديدة.
يُعتبر المجتمع الفلسطيني في سوريا مجتمعًا فتيًّا تتسع قاعدته العمرية الصغيرة باطراد مع مرور الزمن بفعل عامل الخصوبة لدى المرأة الفلسطينية، وظاهرة النمو الأسي حيث تزداد أعداد أفراد المجتمع الفلسطيني في سوريا بمعدل شبه ثابت في وحدة الزمن (في المتوسط 3.5% سنويًّا)، ونتائجه في زيادة عملية الإنجاب والنمو الطبيعي لنسبة السكان. فنسبة 43,2% منه دون سن الخامسة عشرة، ونسبة 62% منه دون سن السادسة عشرة، لذا يتمتع اللاجئون في سوريا بكونهم مُجتمعًا فتيًّا، تَكبُرُ فيه قاعدة الهرم السكاني المُمثلة بالأطفال والشباب ما قبل السابعة عشرة.
ففي التوزع العمري وفق أهرامات العمر يطغى طور الشباب، ويليه طور الإنتاج، وطور ما بعد الإنتاج، ويتحدد شكل الهرم السكاني لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بمسقط مثلثي على المستوى أشبه بالمثلث المتساوي الساقين ذي القاعدة العريضة، مما يترتب عليه تراجع نسبة القوة البشرية العاملة، وازدياد أعباء الأسرة والإعالة تجاه مُتطلبات الحياة اليومية الصحية والاجتماعية والتعليمية، أما نسبة كبار السن (65 عامًا وأكثر) فتكاد تكون 3,2%. ومن هنا يتمتع مُجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بخصوبة مُرتفعة نسبيًّا وتكاد تماثل نسبة الخصوبة في المجتمع السوري وتعادل 7,35. وتحدد الخصوبة القدرة الإنجابية للمرأة الواحدة في سن حياتها الإخصابية، وتبلغ بالنتيجة 43 بالألف.
وتُعتَبَر التنمية البشرية بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تنمية بشرية متوسطة وفق مقاييس برنامج الأمم المتحدة، بينما حجم القوة البشرية بينهم بلغت بالمتوسط قبل اندلاع الأزمة السورية نسبة 54,5%.
إن مَرَد اتساع قاعدة الهرم العمري السكاني وطغيان الطور الشاب في الهيكل العمري للتجمع الفلسطيني في سوريا يعود إلى ارتفاع مُعدلات الخصوبة الكلية للمرأة الفلسطينية في سوريا مقارنة حتى بالمرأة العربية بالأقطار المجاورة وبالحدود النسبية. مع التراجع الملموس خلال السنوات الخمسة الأخيرة “المحدود والمتدرج البطيء” لمعدلات الإنجاب تبعًا لتعقيدات الحياة الاقتصادية وضعف مردود الأسرة ودخول المرأة سوق العمل الإنتاجي. وبالإجمال فإن عوامل التأرجح في النمو السكاني للاجئين الفلسطينيين في سوريا لم تبرز على السطح بعد، ولم تسبب حتى بتجلياتها الأولية أية تغييرات حادة في النمو السكاني للفلسطينيين فوق الأراضي السورية. وكان لارتفاع نسب التعليم عند المرأة الفلسطينية في سوريا، ودخول العديد من الإناث في سن العمل سوق الإنتاج، وفق وتيرة متزايدة، الأثر الكبير في التراجع المحدود لمعدلات الخصوبة للمرأة الواحدة للعام الواحد كما تم ذكره.
ومن العوامل الفاعلة في اتساع قاعدة الهرم العمري السكاني وطغيان طور الشباب بالنسبة لفلسطينيي سوريا عدم وجود هجرة غير طبيعية (عدد الذكور 104 لكل 100 أنثى) أي أن نسبة الذكور تبلغ 51% داخل مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وهي نسبة اعتيادية وطبيعية جدًّا في المجتمعات المستقرة. مع وجود مقدرة حيوية على التزايد خلال وحدة الزمن بفعل وجود: مقدرة كامنة على التزايد، ومقدرة فعلية ضمن شروط وتحت ظروف الواقع المعاش.
إضافة لما تقدم، وصل العمر المتوقع عند الفلسطينيين في سوريا خلال الأعوام الأخيرة نحو 68.5 سنة للذكور، وحوالي 72.5 سنة للإناث. في حين يَصل العمر في الدول المتقدمة إلى 78 سنة للذكور. وتُعتبر هذه المؤشرات مهمة وضرورية لما تلقيه من رؤية لواقع التجمع الفلسطيني في سوريا. خاصة وأن العمر المتوقع للذكر والأنثى يحمل دلالاته بما يتعلق بدرجة تطور المجتمع ورقية، ودرجة استفادته من الخدمات المقدمة له بجوانبها الصحية والاجتماعية والتعليمية عبر وكالة الأونروا، والحكومة السورية والجهات الفلسطينية المعنية.
وبالنسبة للقوة البشرية بين الفلسطينيين في سوريا فتبلغ 63,8% من إجمالي المجموع المُقدر في نهاية العام 2014 بنحو 522 ألف نسمة، وهي تتفاوت بين الذكور والإناث. وفي دراسة منشورة صادرة عن مكتب الإحصاء الفلسطيني بدمشق فإن عدد المشتغلين من الفلسطينيين في سوريا وصل عام 2000 إلى 54725 مشتغلًا مقابل 45869 مشتغلًا في العام 1995، وأن القطاع العام في سوريا يستوعب أكثر من ثلثي عدد المشتغلين بأجر، حيث تتألف القوة البشرية من قسمين: فئة من هم خارج قوة العمل لكنهم لا يعملون ولا يرغبون بالعمل كالطلبة والمتقاعدين وربات البيوت والذين يعيشون من إيراد استثماراتهم. والفئة الثانية فتضم فئة قوة العمل ذوي النشاط الاقتصادي. مقابل ذلك بلغ معدل النشاط الاقتصادي الخام للاجئين في سوريا نحو28.9%. والغالبية تعمل في القطاع الحكومي السوري وبشكل رئيسي في الخدمات العامة التي تتضمن قطاع التعليم والصحة والأعمال الوظيفية والمحاسبة وغيرها.
ووفق البحوث الميدانية التي أجراها المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن هناك نحو 74% من إجمالي العاملين الفلسطينيين في سوريا يعملون بشكل دائم في حين لا تتعدى نسبة المشتغلين بأعمال موسمية أو متقطعة 26%.
أما مساهمة المرأة الفلسطينية اللاجئة في سوريا في النشاط الاقتصادي فقد بلغت قبل اندلاع الأزمة في سوريا نحو 23,5%، استحوذ قطاع الخدمات على 59,5% منهن، والصناعة التحويلية 26,5%، وباقي النسبة توزعت على القطاعات الاقتصادية المتبقية، ولوحظ أن 70% يعملن بصورة دائمة نظرًا لأن الغالبية يعملن في القطاع العام.
وبالنسبة لمؤشرات التنمية البشرية عند الفلسطينيين في سوريا فقد دلت المعطيات والإحصائيات المتوفرة على أن التنمية البشرية متوسطة لديهم وفق المقاييس الدولية لمنظمات الأمم المتحدة. فقد بلغت ما بين 1000 – 1200 دولار سنويًّا شأنه في ذلك شأن متوسط دخل الفرد للمواطن السوري بشكل عام وذلك قبل اندلاع الأزمة الداخلية في سوريا، وهي الأزمة التي تركت آثارها السلبية الكبيرة على فلسطينيي سوريا أكثر من غيرهم

علي بدوان

صحيفة الوطن العمانية

الجمعة 4 ايلول 2015