إن موضوع المصالحة الوطنية الفلسطينية موضوع واسع وشامل، ولا يمكن اختزاله في جانب معين أو في زاوية واحدة حادة أو حرجة، إنما نأخذ هذه الموضوع على اتساع رقعة مفهومه الأخلاقي والوطني النظري والعملي، وإن الكتابة من قبل الأقلام الوطنية الحرة والشريفة بهذا الموضوع الضروري والجاد جدا لوطن مثل فلسطين، وخاصة في مثل هذه الظروف، يشد من عضد القائمين على مشروع المصالحة الوطنية الفلسطينية، ويزيدهم وحدتا وإصرار على تحقيق أهدافه وغاياته والتي تعتبر القارب الأمثل لوحدة فلسطين وشعبها وقضيتها المركزية، فمشروع المصالحة الوطنية، يعتبر مشروع ترميم الصدع الحاصل في وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي وإنهاء الانقسام بين شطري الوطن الواحد، وهذا الترميم هو مسؤولية جماعية وليس مسؤولية فردية، وعلى جميع مكونات المجتمع الفلسطيني، وألوان طيفه السياسي والوطني والإسلامي المشاركة الجادة في هذا المشروع ضمن آليات ناجعة وفعالة تدفع مشروع المصالحة إلى الأمام وتنقله من حالة التنظير إلى الواقع العملي.
وفي ظل هذا الانقسام وغياب الرقابة من قبل السلطة التشريعية، وعدم تمكين حكومة التوافق من أداء عملها بالقدر المطلوب، وتدهور الوضع الخدمي والمعيشي ووصوله إلى حالة مزرية وخاصة بعد الحرب الأخيرة على غزة، وحرق الأخضر واليابس فيها، دفع بالمواطن إلى التساؤل من المستفيد من كل ذلك والى أين ستصل الأمور؟ وهل ما يجري من لقاءات مكثفة وتصريحات تطمينية يخرج بها ممثلين القوى والفصائل الوطنية والإسلامية والكتل السياسية والمستقلين بين الفينة والأخرى، وبعد جلسات طويلة، هي واقع يجب تصديقه أم يجري خداع وتهدئة أعصاب فحسب؟ وخاصة وبعد أن استبشر المواطن خيرا بعد تشكيل ما يسمى بحكومة التوافق الوطني، ولم يظن أن ما يجري ضحك على الذقون وصراع لكسب الوقت والامتيازات، والذي يعتبران فيه أنهما من أهم المكاسب المتحققة في نظرهم، وتحت ذلك كله فالمواطن يعيش أصعب الظروف المعيشية وخاصة وان آلاف العائلات أصبحت الآن بدون مأوى يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وهي تعاني من فقدان ابسط الخدمات كالماء والكهرباء والمواد البترولية والأدوية، والوعود لا تنتهي بالتحسين والسيطرة على الأزمات التي لم تعد تجدي نفعاَ.
ويتمثل السبب العائق الذي سيبقى كالنار تحت الرماد، إن لم تحسم أمر المصالحة الوطنية الفلسطينية بين الأشقاء المنقسمين والتي يختلفون عليها كل حسب تصوراته ووجهات نظره، فقد عانت الجماهير الفلسطينية ربما أكثر من غيرها ودفعت ضريبة باهظة جراء غياب لغة الحوار والتفاهم، وهيمنة منطق القهر والقوة والاستبداد والإقصاء والتهميش لعدة سنوات من الزمن، فالحوار الهادئ والبناء، يعد أحد ابرز الوسائل العملية والواقعية الحضارية لمعالجة وحل مشاكلنا وأزماتنا الوطنية للوصول بقضيتنا السامية إلى بر الأمان.
إنّ الجماهير الفلسطينية بقواها السياسية والوطنية والإسلامية والفكرية والمجتمعية والاعتبارية والنخبوية والسياسية والأكاديمية والمستقلين، والتي عبرت وتعبر باستمرار سرا وعلناً عن حالة الرفض والإدانة لاستمرار الانقسام ومسلسل التسقيط السياسي ومنهج الهروب إلى الأمام الذي انتهجته بعض القوى والأحزاب والفصائل، كما رفضت منهج صناعة وتصدير الأزمات، فهي في نفس الوقت تعول كثيراً على اللقاءات الوطنية التي يراد لها إنهاء حالة الأزمة الحالية المتمثلة بالانقسام بين رحي الشعب، وتأمل أن تشارك جميع الفصائل بفاعلية، فلا لغة تعلو على لغة الحوار كأساس لكل الحلّول.
إنّ ما تطمح إليه الجماهير من فصائلها وأحزابها الوطنية، وبعد كل ما عانته من فقدان للحياة الكريمة في ظل هذا الوضع القاتم، أن يكون لها كرامه وحقوق أساسيه وليست مُطلقه ودوله ديمقراطيه حرة مستقلة، تشارك فيها الجماهير في اختيار ممثليها لا بالتوافق المَقيت، حَلِمهم أصبح بدوله قوية وعدالة توزيع وحق كل فَرد في التأهيل والعَمَل والسَكَن المُناسب والحماية الاجتماعية في حالات البطالة والشيخوخة والمَرَض والحوادث، وبقضاء عادل وفصل للسلطات ويكون الولاء فيها للوطن والمواطن ورؤية واضحة للسياسة وأمنه الوطني غير قابل للتجزئة وجهازه الإداري والأكاديمي، وأن تخضع كل الإدارات والواجهات القضائية والخدمية والمهنية والاجتماعية لسلطه القانون وفوق ذلك سلطه الدستور الذي يستمد شرعيته من الجماهير، في ضوء تحديد الصلاحيات، ويقرَن بمسؤولية الرقابة، لا بالتوافقات المريضة والمراهنة على عامل الزمن وقراءه الطالع، والذهاب إلى سبيلا عرافه عجوز شمطاء لقرائه حظها العاثر.
إن المواطن الفلسطيني يتساءل دوماً وهذا من حقه، عن تاريخ محدد أو حتى متوقع لانتهاء معاناته ومأساته وهمومه اليومية، والتي يعيشها منذ سبعه أعوام وبضعة شهور؟ وهو يريد أن يعرف متى يتوقف الانقسام بحق وحقيقي، ومتى تنتهي حالات التشرذم والمهاترات والاتهامات بين هذا وذاك؟ ومتى تستعيد وزارة الداخلية في حكومة التوافق سيطرتها على الشارع؟ ومتى يستطيع الأب والأم أن يطمئنا بأن أبناءهما سيعودون من مدارسهم ورياضهم ووظائفهم وأعمالهم إلى بيوتهم سالمين وخاصة في ظل هذا الانقسام اللعين، وأخيراً يتساءل : متى سيبدأ إعادة إعمار ما دمره الاحتلال على مدار السنوات الثمانية المنصرمة؟
نحن كمواطنين نطالب القيادات الفلسطينية بعدم التخبط في اتخاذ قراراتهم وان يضعوا الوطن والمواطن نصب أعينهم وفي حدقاتهم, والعمل على خدمتهم وتحقيق الرفاهية والحياة الكريمة وتعويضه عن ما لحق به من ظلم واستبداد وتشريد وخراب ودمار وحروب جراء ها الانقسام وجراء الحروب المستمرة عليه من إسرائيل, وتشريع القوانين فورا والتي من شأنها أن ترفع عن مستواه المعيشي.
إن الظروف البالغة الخطورة والحساسية والعصيبة جدا، التي يمر بها وطننا اليوم يلزم فيها على جميع شعبنا الفلسطيني بقواه وفصائله وشخصياته الوطنية والإسلامية والمستقلين، العمل يدا بيد للم الشمل الفلسطيني وتوحيد الصف والموقف والكلمة والإرادة قبل أن يعود وتمزقه رياح الفتنة والنفاق والخيانة والانقسام العاصفة به، وقبل أن يتمكن الاحتلال والإرهاب من تقطيع الوطن وتمزيقه ودفع أبناء الوطن الفلسطيني الواحد نحو حرب أهلية لا تحمد عقباها، فقد بلغ الأمر في الشارع الفلسطيني من الخطورة ما يستلزم إجراء عملية قيصرية سريعة من قبل عقلاء القوم وكبار قادته السياسيين والوطنيين والأحرار والمستقلين والشخصيات المجتمعية والاعتبارية، وخاصة رجال الدين المسلمين والمسيحيين بوطننا الفلسطيني للحد من حالات الانقسام الذي قوض كل مقومات الحياة في وطننا.
لا تريد الجماهير خطابات وشعارات براقة ورنانة، فهناك الكثير من الأطفال يجيدون إلقاء الخطب أفضل من الكثير من القادة والسياسيين.
تريد فرص عمل مجزية الأجر.
تريد معابر مفتوحة على مدار الساعة
تريد ميناء بحري ومطار جوي وتنمية وإعمار
تريد تعليم متقدم في مناهجه ووسائله وأساليبه.
تريد أسواق مليئة بالبضائع.
تريد تجارة حرة ومصانع تعمل.
تريد كهرباء وماء نقي ووقود.
تريد مستشفيات ومستوصفات وعيادات حديثة.
تريد حرية في القول والفعل ملتزمة.
تريد سكن لائق وحدائق ونوادي ثقافية.
تريد شوارع نظيفة، وساحات مطرزة بالخضرة.
تريد قادة ومسئولون يوفرون لهم السعادة والأمن والحرية.
تريد محافظين يرفعون من مكاتبهم أكوام الزهور الورقية الملوثة بالتراب ليفكر بتقديم الخدمات.
تريد مجالس بلديات تلقي جانبا بالسبح الكهرمانية والبدل المكوية او اليسر المحببة بالفضة ويسيرون أمام المعدات الثقيلة ليوجهوها برفع الأنقاض والقمامة وشق الطرق.
تريد وزراء مخلصين يعملون دون كلل او ملل لخدمتهم.
تريد سفراء نزيهين يسهرون على راحتهم وتقديم خدمات بدون مقابل.
آخر الكلام:
عندما يرفع المرء شعاراً، أو يتلفظ قولاً، ويقطعُ عهداً، فعليهِ تطبيقه أو يموت دونه، وإلا فهو الخزي والعار الأبدي، وكما قال الشاعر:
لا تنهَ عن خُلقٍ وتأتي مثلهُ.......عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ
بقلم / رامي الغف*
الإعلامي والباحث السياسي