"انتصاراتهم ليست بسبب غبائنا"… التأجيل فرصة للمراجعة!

بقلم: فايز رشيد

لعل مقولة أحد دهاقنة الاستراتيجيين الصهاينة ديفيد بن غوريون: إن انتصاراتنا على العرب وسهولة أخذنا منهم ما نريد…لا بسبب أننا أذكياء.. وإنما اعتمادا على جهلهم وغبائهم!. المقولة تفوح وتنطق بالسموم والعنصرية الكريهة والحاقدة. نحن كأمة عربية أذكياء.. لكننا لا نوجّه جزءا ولو صغيرا من هذا الذكاء باتجاه الصراع مع العدو.. نحن نعرف وندرك كجماهير شعبية عربية، أن نظامنا الرسمي العربي تأتيه (مثلما صرّح العقيد القذافي) حتى بيانات مؤتمرات القمة العربية، جاهزة لتلاوتها على الصحافيين وأجهزة الإعلام والفضائيات العربية والأجنبية. ما كان يمكن للعدو الصهيوني أن يتمادى ويعيش طيلة ما يقارب السبعة عقود لو لم تتوفر إرادة رسمية عربية بشكل أو بآخر، لتقبل هذا الوجود. في خمسينيات القرن الماضي وصفت الكاتبة البريطانية إيتيل مينون مؤلفة الكتاب الشهير "في الطـــــريق إلى بـــئر السبع" الحكومات العربية بأنها "أســوأ المدافعين عن أعدل القضايا"، ولذلك "إذا كنا مدافعـــين فاشلين عن أعدل قضية فالأجدر بنا أن نقوم بتغيير المدافعين لا القضية".. جملة الشهيد غسان كنفاني المعروفة.

عندما أتيحت للمقاتل العربي (بمن فيهم الفلسطيني بالطبع) فرصة القتال الحقيقي في معركة الكرامة وفي حرب عام 1973 ارتجفت أعصاب غولدا مائير ووزير دفاعها موشيه ديان، وأيقن الأخير أن كيانه ماض إلى هاوية حتمية سحيقة. توقف القتال بقرار أمريكي بعد أن جاء طيارون أمريكيون ودهنوا طائراتهم بالألوان الإسرائيلية وشاركوا في المعركة.

ليس المهم النصر فقط، وإنما كيف يجري استثماره سياسيا؟ عبر المقاتل العربي الحدود المحتلة، دمّر خط بارليف واجتاز الجولان، فجأة جاء قرار وقف إطلاق النار وحضر "العزيز هنري".. وآمن السادات بأن 99٪ من أوراق الحل هي بين يدي أمريكا!. أما لو سألته حينها كيف؟ فسيحتار في الجواب حُكما! فكيف تكون أوراق الحل بيد الآخرين.. وأنت الطرف الأساسي فيها؟

معروفة هي طرق التكامل العربي والوحدة الاقتصادية العربية والتعاون العربي، ولكن غير مسموح لنا انتهاج أي من هذه السبل الكفيلة برفع مجمل الوضع العربي إلى قوة عالمية يُحسب لها ألف حساب!.الحكومات العربية تحاول إزاحة عبء المجابهة والمواجهة من خلال الوثوق الاضطراري بالوعود الأمريكية، والاتفاقيات مع العدو الصهيوني!. اتفاقيات كمب ديفيد المشؤومة أعلن شارون وفاتها عندما قامت قواته بإعادة احتلال الضفة الغربية في عام 2004 والبعض منا ما يزال يتمسك بها. الإسرائيليون أعلنوا مرارا، أن حدود كيانهم تكون حيث تصل حدود دباباتهم! ونحن بل سلطتنا الموقرة ما تزال تثق بإمكانية إلزامهم بحدود ما قبل الرابع من حزيران/يونيو عام 1967. للعلم إسرائيل حتى اللحظة دون دستور ودون حدود مرسومة.

الوضع الفلسطيني يأتي في ذات السياق العربي. تمت الدعوة الفورية لدورة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني وكأنها ستحرر فلسطين غدا! هذا رغم الظرف العصيب الذي تمر به قضيتنا الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني عموما، والخلل الكبير في إطار ترتيب البيت الفلسطيني، وتكالب العدو الصهيوني على حقوقنا الوطنية، ومضيّه قدما في مشروعه المجرم لمصادرة واستيطان أرضنا، وتهويد قدسنا وأقصانا وكنائسنا! ورغم الحرق لأطفالنا وأهلنا في دوما وغيرها ( بالأمس استشهدت والدة الرضيع علي الدوابشة) اتخذ رئيس السلطة قرارا بعقد الدورة، كانت طارئة، وبعد زيارته لعمان واجتماعه ثلاث مرّات مع رئيس المجلس سليم الزعنون، تم الاتفاق بينهما على أن تكون دورة عادية، وفي حالة عدم اكتمال النصاب ربما كان ليتم تحويلها إلى دورة بمن حضر، فالصورة كانت ضبابية ذلك لكثرة ما تناقلته وكالات الأنباء.

لطالما تردد على لسان الرئيس عباس بأنه سيتخذ قرارًا مصيريًا ومفاجِئًا في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل واحتار شعبنا وكل المراقبين والسياسيين عن فحوى هذا القرار؟ هل سيكون تقديم استقالته، أو حل السلطة، أو تغيير شكلها ووظائفها أو وقف التنسيق الأمني، وتنفيذ قرارات اجتماع المجلس المركزي الأخير؟ وهل هناك "طبخة سياسية" يجري تحضيرها على نار حامية؟ وهل وهل؟ كان من حقنا طرح كل هذه الأسئلة وغيرها…. أمام ألغاز هدف انعقاد الدورة.

زاد الطين بلّة، ما تناقلته وسائل الإعلام عن لقاء مؤكد جرى بين صائب عريقات وسيلفان شالوم، المسؤول عن المفاوضات في الحكومة "الإسرائيلية"، للبحث في كيفية استئناف المفاوضات، وأمور أخرى غيرها ……الأمر الذي وشى بضغوط أمريكية – صهيونية لقيام حركة سياسية فلسطينية –إسرائيلية جديدة للخروج من قمقم الركود السياسي الحالي!. السؤال الأهم، ما هي الأهداف السياسية التي تقف وراء دعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد، هل هي البحث في أين تقف القضية الفلسطينية الآن، وإلى أين يريد الشعب الفلسطيني إيصالها وكيف (وهذا هو الطبيعي والمطلوب)؟ أو جعل المؤسسات الفلسطينية أكثر طواعية مما هي عليه الآن، وتقديم ترضيات جديدة لبعض المحاور السياسية الإقليمية والدولية؟

من ناحية ثانية حماس ماضية في مشروعها بعقد تهدئة/ هدنة طويلة الأمد (10 سنوات) مع الكيان مقابل رفع الحصار عن غزة، وممر مائي ما بين غزة وقبرص .الهدنة سيجري تجديدها بالطبع. باختصار، لدينا سلطتان تتنازعان، أيهما تمتلك مفتاح سجن شعبنا.. سلطتان تتصارعان على السلطة وأيهما الأكثر تأثيرا في الساحة الفلسطينية؟

بعض الفصائل الفلسطينية الصغيرة هللت لانعقاد الدورة، وبخاصة بعد أن تمت رشوتها بزيادة عدد مقاعدها في المجلس، هذه التنظيمات متقلبة، تعد بمواقف محددة وتتخذ فعليا عكسها، جرى تشبيهها من قبل وفقا لأحدهم بأنها تغمز يسارا وتذهب يمينا. لقد انتصر صوت العقل مؤخرا، بعد رفض الجبهة الشعبية بشكل قاطع حضور الدورة عادية كانت أو استثنائية، دون التوافق الوطني الكامل على عقدها، كذلك جزء كبير من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح في اجتماعها (يومي الاثنين والثلاثاء وقرارها التأجيل)، وكذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي… وبذلك جاء الفرج وتم التأجيل، ما لم تجر تغييرات دراماتيكية في آخر لحظة ويتغير القرار.

إن التأجيل هو فرصة لمراجعة الوضع الفلسطيني فصائليا وجماعيا، ومن أجل تشكيل لجنة تحضيرية من كافة القوى (أمناء التنظيمات، رئاسة المجلس، أعضاء اللجنة التنفيذية) والبحث في المواضيع التي سيجري طرحها على الدورة المقبلة، على طريق الوصول إلى القواسم الوطنية المشتركة على قاعدة الثوابت الفلسطينية، كذلك الاجتماع السريع للإطار القيادي الفلسطيني المؤقت لمنظمة التحرير وتطبيق اتفاق القاهرة، وإعادة بناء جميع مؤسسات م.ت.ف على الأساس المذكور وفي المقدمة منها المجلس الوطني. تماما كما يُفترض أن يتم انتخاب المجلس الوطني من قبل الشعب الفلسطيني حيثما أمكن ذلك. نحن بحاجة إلى وقفات تقييمية ومراجعة للمرحلة منذ اتفاقيات أوسلو وحتى اللحظة… على طريق تجاوز الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية لتكون م. ت. ف ليس فقط الحاضنة لشعبنا في مختلف أنحاء تواجده، ولا الناطقة باسمه فقط، وإنما أيضا البوتقة التي تتسع لكل الفصائل الفلسطينية.

٭ كاتب فلسطيني

د. فايز رشيد