أمام معركة الأقصى المستمرة يومياً ، وإصرار العدو الصهيوني على تحقيق هدفه بالاستيلاء على المسجد الأقصى ، وإخضاعه للتقسيم المكاني والزماني ، كما في الحرم الابراهيمي بالخليل ، يجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة عفوية بعيدة عن أي تخطيط آني أو استراتيجي ، بينما يزداد العدو الصهيوني إيغالا داخل المسجد الأقصى ، كما فعل بالقدس برمتها ، حيث استطاع الايغال فيها استيطانيا متزايدا بشكل يومي ، وليس المسجد الأقصى إلا المرحلة الأخيرة من استكمال خطة الاستيطان داخل مدينة القدس ، بينما الفلسطينيون بعيدون كل البعد عن مواجهة المخطط الصهيوني الرامي للسيطرة على مدينة القدس .
وأمام الاقتحامات الصهيونية اليومية للمسجد الأقصى ، نسمع النداءات الفلسطينية للأمتين العربية والإسلامية لنصرة الأقصى ولكن لا أحد يجيب النداء ، سوى بضع صرخات من هنا أو هناك تنديد وشجب واستنكار، لكن على استحياء ، فلم يعد أحد معني بالقدس وبالأقصى ، فالمسجد الأقصى لم يعد قبلة المسلمين ، ولم يعد موضع اهتمامهم ، لأنّ ما يعنيهم اليوم هو تدمير أنفسهم كعرب وكمسلمين بأيديهم ، خدمة لمخطط أمريكي صهيوني يقضي بحماية المشروع الصهيوني على أرض فلسطين .
والفلسطينيون أنفسهم لم يعُد يُسمع منهم سوى الوعيد والتهديد وإطلاق التصريحات الناريّة الجوفاء ، وهم يعيشون أسوأ مراحلهم انقساما وتفرقاً وتناحراً ، وغير مدركين لحقيقة ما يجري في القدس ، وما يجري للأقصى ، وغير متفقين على خوض معركة الدفاع عن الأقصى موحدين فيما بينهم ، فكيف لا يستغل العدو الصهيوني ضعفهم وتفرقهم وهو الذي فعل بهم ذلك ، ويحقق هدفه داخل الأقصى .
إذا كان الفلسطينيون جادون في الدفاع عن الأقصى ولو متأخراً فالمسؤولية الوطنية والدينية والتاريخية تحتم عليهم التخلص من كـِبـْرِهم لتوطيد كبريائهم في الأقصى ، وهذا يتطلب جلوس الجميع على طاولة واحدة ، اسمها طاولة الأقصى ، وإعمال عقلهم في وضع خطة استراتيجية للمحافظة على الأقصى عربياً اسلامياً ، وفتح المعركة مع العدو الصهيوني على العديد من جبهات المواجهة اليومية ، لأن العدو الصهيوني يعيش الآن براحة تامة في كافة أنحاء فلسطين التاريخية .
ومن أولى المواجهات المطلوبة مع العدو الصهيوني ، هو الانتقال من مرحلة السلطة إلى مرحلة الدولة تحت الاحتلال ، هذه المرحلة التي لا بدّ منها عاجلاً أم آجلاً ، لأنها المرحلة التي تعني وحدة الأرض ووحدة الشعب ، والتي تتطلب انعقاداً فوريا للإطار القيادي المؤقت من أجل تجسيد ذلك على الأرض .
وثاني هذه المواجهات وضع استراتيجية إعلامية فلسطينية تقوم على قواعد علمية في العمل الإعلامي بعيداُ عن الارتجال ، تعمل على تحشيد الطاقات الفلسطينية بكل مكوناتها الشعبية والأكاديمية وزجها في معركة المواجهة مع العدو الصهيوني ، واختيار ناطقين إعلاميين يجيدون لغة الخطاب الإعلامي اليومي فلسطينياً وعربياً ودولياً .
وثالث هذه المواجهات تهيئة طاقات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجدها والزج بها حسب الممكن والمتاح في معركة المواجهة مع العدو الصهيوني .
ورابع هذه المواجهات الخروج من المحاور العربية والإقليمية ، لأنّ معركة المواجهة مع العدو الصهيوني تتطلب حشد ما أمكن من طاقات عربية وإقليمية ودولية لتكون رافعة للفعل الفلسطيني على الأرض .
فمعركة الأقصى اليوم هي المفتاح العملي لنهوض النضال الفلسطيني وتصويب المرحلة السابقة ، والانطلاق نحو فعل فلسطيني جاد ومسؤول .
حمص في 20/9/2015 صلاح صبحية