لم يكن في حسبان احد ان تتسارع الامور نحو الانفجار في الضفة الغربية بهذا المستوي ولم يكن في حسبان اسرائيل ان تدفع ثمن سياساتها العنصرية الاستيطانية التهويدية بهذه السرعة ,في اقل من 48 ساعة عمليتان موجعتان في ايتمار والقدس وقد نتفاجأ بأكثر من ذلك في الايام القادمة , الموقف على حافة الانفجار باتجاه المواجهة الشاملة ,اسرائيل تدعم المستوطنين لتنفيذ عمليات انتقامية بحق المدنيين الفلسطينيين لتصور للعالم ان الصراع اصبح بين المستوطنين والفلسطينيين وتختبئ هي خلف ذلك لتنفيذ اجندات اكثر قذارة , لم يجد الفلسطينيين امامهم سوي الانتفاض والمواجهة والمبادرة الى الهجوم للدفاع عن انفسهم على غرار ما حدث بالبلدة القديمة بالقدس , لكن العالم يعرف المواجهة ليست مع المستوطنين وحدهم بل جيش الاحتلال الاسرائيلي فكل الشهداء الذين سقطوا حتى الان سقطوا برصاص جيش الاحتلال وبالتالي وجهة الانتفاضة باتجاه جيش الاحتلال والمستوطنين الذين يوفر لهم الحماية ويمدهم بالسلاح, ما تملكه إسرائيل حتى الان استخدام مزيد من القبضة الحديدية ضد الفلسطينيين وتحميل الرئيس ابو مازن مسؤولية ما يحدث بالضفة الغربية والقدس على انه جاء نتيجة تحريض القيادة الفلسطينية على فعل كل تلك العلميات ولا تملك مسارا اخر غير هذا لأنها حكومة يراسها اقطاب اليمين و الاستيطان الإسرائيلي .
المتفحص والمتتبع لتدحرج الوضع بالضفة والقدس يدرك ان الاحتلال الاسرائيلي هو من دفع بالفلسطينيين للوصول الى مرحلة الاحباط الشديد ولا نتحدث عن مستوي معين بل الفلسطينيين من قيادة وفصائل وشعب بل وان حكومة نتنياهو منذ 24 اب الماضي وهي تدفع الى السير باتجاه الصدام العنيف مع الفلسطينيين لكن الدلائل تشير ان الفلسطينيين لا يريدوا ان يصلوا الى المواجهة الشاملة الان , منذ ان جاءت حكومة اليمين المتطرف ونحن ندرك ان الواقع اصبح مخيفا وان الجميع يتجه نحو المواجهة الشاملة وان الانتفاضة الثالثة مسألة وقت لا اكثر , اليوم نقول ان المرحلة التحضيرية والاولى للانتفاضة قد اجتازها الفلسطينيين فلم تعد السلطة الفلسطينية يهمها ان تتوقف الانتفاضة او تهدأ وتيرتها واعتقد انه بات واضحا ان الالتفاف الجماهيري حول الانتفاضة الشعبية اصبح مرضيا الى حد ما وكل يوم ينضم الالاف للمواجهة مع اسرائيل واصبحنا على يقين ان الامور تتصاعد والقيادة راضية تماما على ما يجري لأنها ادركت ان الحراك على الارض بات مطلوبا الانتفاضة الشعبية المدخل الحقيقي لإعادة القضية الفلسطينية لواجهة الاهتمام الدولي بعد انشغال العالم بقضية النووي الايراني ومحاولة نتنياهو ان يشغل ادارة البيت الابيض بمعارضته لهذا الاتفاق باعتبار انه يشكل خطر على اسرائيل بالإضافة الى الوضع في سوريا.
اليوم قد لا نتحدث عن انتفاضة ثالثة فقط وانما قد يتعدى الامر ابعد من ذلك وصولا للمواجهة الشاملة بين الشعب المحتل وسلطة الاحتلال وجيشه ومستوطنيه يمكن ان يستخدم فيها الشعب المحتل كل ما اتيح له من ادوات لتحقيق النصر و الاهداف الاستراتيجية لذلك وتسبيب وجع كبير لسلطة الاحتلال والمستوطنين لردعهم واعاقة مخططاتهم الاستيطانية واغلاق كافة الطرق امامهم وبالنهاية رفع فاتورة الاحتلال الاسرائيلي , الانتفاضة اليوم كشفت كل مخططات اسرائيل القذرة للعالم لزيادة مدي الدعم الدولي للفلسطينيين ومشاركتهم في مناهضة الاحتلال الطويل والوحيد بالعالم ,وما الانتفاضة الثالثة التي يتحدث عنها الاعلام اليوم سوي مرحلة من مراحل المواجهة الشاملة ,هذه المواجهة بدأت بحرب حقيقية بين المدنيين الفلسطينيين في القري والكفور وكامل مناطق الريف الفلسطيني باعتبار انها مطمع للمستوطنين لحساب التوسع الاستيطاني وتخصيصه كمناطق عازلة للاستيطان يقصد بها ايضا عزل مناطق الضفة ومحافظاتها , هذا بات واضحا من خطة الحكومة الاسرائيلية بتوجيه الجيش الإسرائيلي لمحاولة عزل الريف الفلسطيني عن محيطه المدني وبالتالي يستطيع ايضا ان يعيق عدوي الانتفاضة الشعبية والمواجهة واختباء الفلسطينيين المطلوبين بين القري والكفور والجبال المحيطة .
المرحلة الثانية للمواجهة الشاملة كانت قبل اسابيع وهي تكثيف المواجهة الشعبية ومواجهة قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين بكل الطرق وحماية البلدات والقري الفلسطينية ,وهنا نستطيع القول ان الشعب الفلسطيني اجتاز هذه المرحلة ايضا فقد كانت مرحلة قاسية المت الشعب الفلسطينيين كثيرا برؤية أبنائه بحقوله ومساجده وكنائسه تحرق , وهذا كان دافعا لان تتحول اليوم الى انتفاضة يومية وهذا الاسبوع فقط ادرك المراقبين هذا و بدأوا يتعاملوا معها كانتفاضة وليس هبة جماهيرية , هذه الانتفاضة بالطبع تكبر يوما بعد يوم وهذه الانتفاضة سرعان ما تتبناها قيادة فلسطينية موحدة على غرار الانتفاضة السابقة ,والمرحلة الرابعة هي مرحلة المواجهة الشاملة التي لن يدخر فيها الفلسطينيين اي اداة الا وسيتم استخدامها بسبب احتدام المواجه مع جيش الاحتلال والمستوطنين , وهنا قد يجبر بعض الفلسطينيين على استخدام النار للدفاع عن وجودهم التاريخي بالقدس والقري والمحافظات الفلسطينية بالضفة ,ومع المواجهة الشاملة لن تبقي غزة على حال موقف المتفرج بل ستقدم المقاومة الفلسطينية على تنفيذ عمليات نوعية وغير مسبوقة تسبب تعزيزا حقيقيا للانتفاضة الشعبية وصفوف المنتفضين.
قد لا نستطيع التكهن بزمن المواجهة الشاملة ومدي استمرارها فان هذا مرتبط ارتباط وثيق بالدور الذي سيؤديه المجتمع الدولي والاقليمي من توفير حماية للشعب الفلسطيني والضغط المطلوب على دولة الاحتلال لتنهي احتلالها وتسحب جيشها ومستوطنيها من كافة اراضي العام 1967 وهذا يتطلب اقدام المجتمع الدولي على تبني مبادرات سياسية جدية يحتاجها الجميع لحل الصراع على اساس حل الدولتين , واتمنى ان يفهم المجتمع الدولي الحاجة الضرورية لان يتدخل تدخلا ايجابيا وعادلا في الصراع قبل الوصول لمرحلة المواجهة الشاملة لأنها ستكون ضمن دائرة دم اوسع واكبر بكثير مما يتوقع الجميع .
بقلم/ د.هاني العقاد