ربما أتناول في هذه المقالة مسألة بالغة الأهمية في حياتنا ، ألا وهو ظاهرة شخصنه الأمور سواء أكانت أزمات أو مشاكل سياسية أو اقتصادية أو مجتمعية ، أو حتى نجاحات وإبداعات فردية ، ونقصد بشخصنة الأمور هنا إلى إرجاع سبب الأزمة أو المشكلة أو حتى النجاح إلى شخص معين بعيدا عن العوامل التاريخية والثقافية والمجتمعية ، أو الظروف البيئية التي ساهمت في نشأتها أو تحقيق النجاح .
إن شخصنه الأمور ليست جديدة في مجتمعاتنا على أي حال فهي موجودة في سياق الحركة التاريخية للمجتمعات منذ القدم ، ولكنها لم تكن تأخذ بعدا إعلاميا كبيرا بسبب عدم توفر الوسائل المناسبة للإعلام في الماضي ، ونجاحها أو فشلها كان مرتبطا ارتباطا وثيقا بقدرة وإمكانات الشخص في تلك الظروف ، وبالتالي لم يكن احد يعلم بها إلا القليل ، لذلك راح ضحيتها العديد ، حيث كان العديد من أعلام الفكر والسياسة على مر العصور ضحايا هذه الظاهرة ، ولننظر إلى التاريخ الطويل نجد أن الكثير من رموز العلم والفكر والثقافة تعرضوا إلى التجريح والاهانة ، والتخوين والتكفير ومن ثم السجن أو القتل ، ومع ذلك فإننا ما زلنا نتناول فكرهم وعلمهم بل البعض منهم ما زلنا نرى فيهم أمثلة ونماذج يجب أن يحتذى بهم ، ما زلنا نأخذ بآرائهم ورؤيتهم ومراجع هامة في حياتنا العامة والخاصة ، وكل هذا لم يكن ليحدث إلا نتيجة الصراعات المتنوعة بين بني البشر على مر التاريخ منذ أن قتل قابيل هابيل إلى الآن .
ما دفعني لتناول مثل هذا الموضوع هو ما لاحظته على كثير من المواقف الرسمية والشعبية تجاه العديد من القضايا التي تحيط بقضيتنا الرئيسية وهي صراعنا مع عدونا ، واقصد بالمواقف الرسمية مواقف القيادات الفلسطينية من جميع الفصائل والأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية ، أما المواقف الشعبية فهي مواقف الكثير من أبناء شعبنا ، وتتجلى هذه المواقف بشكل ملفت للنظر على صفحات الشبكة العنكبوتية من خلال المقالات والتصريحات والبيانات المختلفة أو على صفحات التواصل الاجتماعي المتعددة ، وسرعان ما تتجلى هذه المواقف في السباب والشتم لشخوص قيادية بعينها من جميع القوى الوطنية والإسلامية ، فعلى سبيل المثال إذا نظرنا إلى بعض المحطات الرئيسية في تاريخنا المعاصر، كتوقيع اتفاق أوسلو وبداية مرحلتها ، وقف العديد من القوى الفلسطينية لمعارضة هذه الاتفاقيات معتبرا إياها تفريط بالثوابت الوطنية الفلسطينية ، وتنازل عن الحقوق ، ووصل الأمر إلى حد تخوين من قاموا بالاتفاق والتوقيع عليها ، ولكن سرعان ما وجدنا من عارض واستنكر وشجب هذه الاتفاقيات قد اخذ ببعض نتائجها مستفيدا في تنقله وحركته واستثماراته وأعماله وحديثة الخ ، فلماذا إذا كان الرفض والشجب ، اتهمت السلطة الوطنية وعلى رأسها الرئيس أبو عمار ، بالقيام بالتنسيق الأمني ، ونسى الجميع أن انتفاضة الأقصى ومن قبلها هبة النفق ، اندلعتا في ظل التنسيق الأمني ، وان العديد من العمليات الاستشهادية نفذت في ظل التنسيق الأمني ، وان المقاومة الفلسطينية مارست دورها في ظل التنسيق الأمني ، وان أبا عمار قد حوصر واستشهد في ظل التنسيق الأمني، مقصد القول أن شعبنا إذا أراد أن يقول كلمته لا يهمة تنسيقا امنيا ولا عدم تنسيق، فلماذا نجعل منه أم المشاكل ، كذلك عند حدوث الانقسام الفلسطيني انبرى الكثير في نفس الأسلوب من السباب والشتائم وإرجاع أسباب الانقسام إلى شخوص معينة فحماس وجهت الاتهام إلى قيادات في السلطة الفلسطينية ، والسلطة وجهت اتهامات لقيادات في حماس وهكذا ، وحتى الآن ، فلماذا علما بأنه بات للجميع يدرك أن الجميع مسئولا عن الانقسام ولو بدرجات متفاوتة.والغريب أن مثل هذه المواقف والتوصيفات ما زالت مستمرة حتى الآن فها هي صفحات التواصل الاجتماعي ومقالات العديد من الكتاب تعج بسيل منها ، على الرغم من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية والتي ربما تكون الثالثة كما نأمل ، وبالمناسبة فهي تندلع في ظل التنسيق الأمني أيضا .
أنا لا أدافع عن نهج أو سياسة سئمنا منها جميعا ، ونرفضها جميعا وبات الجميع حتى الرئيس عباس نفسه أعلن عنها وعن نفاذ صبرنا تجاهها ، نحن نتناول الموضوع بموضوعية وبتفكير بصوت عالى ، حتى لا ننزلق إلى مزالق الخطر ، نعرف ويعرف الجميع أن المدة القانونية لكل من الرئيس والمجلس التشريعي قد انتهت ، يعني إذا رجعنا إلى النظام الأساسي الفلسطيني نجد أنفسنا أمام انتهاء صلاحية مؤسساتنا الشرعية الرئاسية والتشريعية ، فلماذا هي باقية إلى اليوم ، ومن السبب في بقائها ، لا نريد أن نرجع السبب إلى الأشخاص ، لان المسألة مسالة جمعية ، وليست شخصية فردية ،هناك أسباب كثيرة لما نحن فيه ، أولها إلا حتلال الإسرائيلي المتربص بنا والذي يقوم بعد افاسنا ، يتحكم في مياهنا وهوائنا وأرضنا ، هناك شبكة العلاقات العربية والإقليمية والدولية وتبادل المصالح المشتركة التي تتوه فيها بل وتتلاشى خطوط وحدود الصداقة والعداوة بين الشعوب والدول ، ظروف سياسية يجد القائد أو الرئيس أو المسئول الكبير لأي دولة آو شعب نفسه مجبرا على التعاطي مع هذه الظروف بما يخدم مصلحة بلادة ،وملتزما بما تفرضه التزامات العلاقات الدولية تحت مظلة القانون الدولي وقانون العلاقات الدولية ، تعاطي يتماشى بالطبع مع قدراته الذهنية والفكرية والعلمية ، لان هذا القائد أو الرئيس يعمل في الغالب ضمن دائرة من المستشارين والخبراء في شتى المجالات ، ويأخذ في الاعتبار حتى الرأي العام ، على خلاف باقي الأفراد الذين يأخذون الأمور من زاويتهم الخاصة التي قد تضيق آو تتسع حسب إمكانات الفرد . وبسؤال بسيط لو افترضنا ذهاب القائد أو الرئيس أو المسئول بشكل مفاجئ هل يمكن أن نرى الأمور قد تغيرت إلى الأفضل ، هل يمكن رؤية ذهاب مشاكلنا إلى غير رجعة ، أو بمعنى هل يمكن رؤية قضيتنا الفلسطينية قد حققت النجاح الذي نصبو إليه جميعا ، في ظل ما ذكرته من معطيات دولية وإقليمية لا .
وبعد فإننا نتناول هذا الموضوع في الوقت الذي قرر فيه شباب هذا الوطن الوقوف في وجه البغي والطغيان ، عدونا الذي استمرأ القهر والطغيان ، خرج شبابنا رافضين كل مظاهر الذل والهوان آملين في تحقيق ربيع فلسطيني يرسو بنا إلى بر الأمان حيث الوحدة والتماسك والحرية والاستقلال ، لذلك نحن بحاجة إلى التماسك والابتعاد ما يؤدي إلى الفرقة والضعف ، أن كثرة وانتشار الاتهامات التلقائية ، وما يصاحبها من تخوين واتهامات بالتفريط للقيادات وأقول القيادات من كل لون وطيف أمر لا داعي له ، لان ازدياد واتساع دائرة الاتهامات والاتهامات المضادة ستكون الشعلة التي ستحرف جهود شعبنا ونضالاته وتضحياته التي لم تنقطع إلى ما لا يحمد عقباه ، مطلوب الآن الإمساك عن إصدار أي مواقف قد تسيء إلى علاقاتنا الداخلية ونسيجنا ، المطلوب الآن الوقوف صفا خلف هؤلاء الشباب الذين يضربون أروع الأمثلة في التضحية والفداء ولم يقل احد منهم انه فتحاوي أو حمساوي ، فقط يرفع العلم الفلسطيني رمزه ورمز عزته ، بوقوفنا وصمودنا وتسامحنا مع بعضنا البعض ، ونشر روح الإخوة بيننا ، سنجعل انتفاضة شعبنا ربيعا مثمرا انشاء الله وليس ربيعا اجدبا كما حدث ويحدث في مناطق أخرى مجاورة ، ليكن طريقنا هو الطريق الفلسطيني ، إلى ارض فلسطين ونذكر قول شاعرنا الكبير محمود درويش على هذه الأرض ما يستحق الحياة .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
17/10/2015