أبطال الانتفاضة الجديدة يواجهون ببسالة رصاص الاحتلال، يعيدون الاعتبار لفلسطين ، نحن إذن أمام عملية استعادة لأصل الصراع ، لكن لا ينبغي علينا استسهال الأمر ، ان هذا يفرض علينا دعم الانتقاضة ، الشباب والفتيات الملثمون بالكوفية الوطنية، والمسلحون بما تطاله أيديهم من سكاكين وحجارة ومقلاعي ودهس يواجهون الاحتلال وقطعان مستوطنيه، ورغم قسوة الظروف، تصمد الانتفاضة لان من ورائها شعب عظيم ، هذا الشعب يواجه الاحتلال بشكل موحد وارادة موحدة ، رغم الخسائر الجسيمة وعشرات الشهداء وآلاف الجرحى والاسرى ، لأن الجميع يدرك الان ان الهبة الشعبية وتواصلها اصبحت انتفاضة وهي اندلعت كردة فعل شعبي وطبيعي على الاحتلال وسياسته وممارساته، وعلى انسداد الافق السياسي وفشل اتفاق اوسلو وانكشاف استهدافات الاحتلال منها ومخططاته لفرض املاءاته بعد مفاوضات استمرت اكثر من اثنان وعشرون عاما .
من هنا كان الغضب الشعبي امام حرق الاطفال وتدنيس المقدسات والزيارات الاستفزازية لوزارء حكومة الاحتلال وقطعان المستوطنين للمسجد الاقصى ومحاولة تهويد القدس ، والاستيلاء على الارض وحرق المزروعات واعتقال وقتل الشباب على الحواجز ،ادراك الشباب الفلسطيني بانه لم يعد ممكن السكوت والصمت على بقاء الاحتلال على ارض فلسطين المحتلة ، فكانت الفكرة لدى ابطال الشعب الفلسطيني بانه لا بد من انتفاضة تكون بداية مرحلة جديدة من الكفاح الشعبي الفلسطيني في جميع أرجاء الوطن المحتل ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وهي تطلق ديناميات جديدة في الواقع السياسي الذي تميز بركود شامل بلغ حد التحجر والتكيف مع إرادة المستعمرين .
ان تلاقي هذه العوامل في لحظة زمنية ومكانية واحدة ولد البيئة السياسية لتفجر الانتفاضة ونزول الشباب الفلسطيني للشارع من القدس مرورا بجنين وبيت لحم والخليل ونابلس ورام الله ليعلن ثورة السكاكين والحجارة الرافضة للاحتلال ، حيث دفعته إلى ذلك حيوية التناقض الرئيسي بين الشعب الفلسطيني والاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وحيث تتلاقى مظاهر العسف والقمع والتمييز العنصري والقهر الاقتصادي الاجتماعي العنيف على توليد نزعة المقاومة ، وبالتالي فعفوية الانتفاضة لايعني أبدا انها لا تحمل طابعها السياسي الثوري الذي يتجسد بوعي جذري، فتوحدت فلسطين خلف الانتفاضة الضفة والقدس وغزة واراضي فلسطين عام 1948 لمساندة ودعم الهبة الشعبية لشباب وشابات فلسطين ، لأن الشعب الفلسطيني العظيم لا زال يختزن التجربة الحية للانتفاضة الكبرى وانتفاضة الاقصى ، مضافا لهما تجربة عقود طويلة من الكفاح بكل وسائله، وهو خبرة ما يقرب عقدين من المفاوضات والاتفاقات العقيمة مع الاحتلال، لهذا تسلحت الهبة الشعبية بحقها الشرعي والطبيعي بمقاومة الاحتلال بمختلف الوسائل، هذا الحق الذي كفلته لها الشرعية الدولية وميثاق الامم المتحدة وقراراتها.
وفي ظل الاشتباك المستمر حيث يتصدى شعب فلسطين لقوات الاحتلال الذي اختار خيار الدفاع عن نفسه ومقاومة الاحتلال، وان خيار المفاوضات ليس خياراً للشعوب الا اذ اقترن
بمقاومة شعبية ، حيث يختزن الشعب الفلسطيني تجارب غنية،فجميع الشعوب التي نكبت بالاحتلال لجأت للمقاومة من اجل تقرير مصيرها بتنوع اساليبها ، فغالبيتها مزجت بين هذه الوسائل مع احتفاظه بشكله الرئيسي، لهذا فأننا نؤكد انه باستطاعة الشعب الفلسطيني وقواه الصمود والدفاع عن نفسه وحقوقه بلحمه الحي، من اجل افشال كل المحاولات لكسر ارادته السياسية وفرض شروط الاستسلام عليه وبالتعاون مع اشقائه وحلفائه على المستويين العربي والدولي وبالاعتماد على حقه المشروع وصموده وانتفاضته.
ان تركيز الجهد الأميركي الصهيوني على محاولة احتواء الانتفاضة من خلال تحرك وزير الخارجية الأميركية جون كيري لمساعدة الصهاينة في الخروج من المأزق الخطير الذي أوقعهم فيه شباب الانتفاضة الذين تحولوا إلى نواة حركة مقاومة جديدة يستعصي إخضاعها إلى حد الاستحالة، نؤكد انه ليس بمقدور كيري وأي جهة طمس التناقض الرئيسي المفجر للانتفاضة فهو بالأصل وجود الكيان الصهيوني ، لان هذه الانتفاضة في حال اخمدت او انكفأت فسوف تلتهب بعد حين وسوف تتآكل ترتيبات التنسيق الأمني واي خطوات سياسية تفاوضية لتخدير المزاج الشعبي ، لأن هذه الانتفاضة ستقود الى افشال مشروع الدولتين وقبر اي محاولة لاي تسوية لا تلبي حقوق الشعب الفلسطيني وخاصة حق العودة باعتباره جوهر القضية الفلسطينية.
وفي ظل هذه الاوضاع نرى ان على عاتق القيادة الفلسطينية والفصائل والقوى الفلسطينية مسؤولية الاتفاق على استراتيجية وطنية ومواجهة ضغوط المرحلة السياسية و وتحديد اساليب ووسائل العمل السياسي والجماهيري والكفاحي الملائمة كمرحلة من مراحل كفاحه الوطني ومواصلة كافة الجهود لتحقيق اهدافه، فبرغم الظروف الصعبة والمعقدة والاختلال بميزان القوة وطبيعة المشروع الاحتلالي المستند للقوة العسكرية الطاغية وقصور البعض عن الاستجابة للمتغيرات واشتقاق استراتيجية وطنية وتوحيد قوى الشعب في اطار قيادة موحدة وراء هذه الاستراتيجية برغم كل ذلك فالشعب الفلسطيني سيستمر في المواجهة ، لانه الخيار الوحيد في مواجهة الاحتلال والاستيطان ، مما يستدعي توفير عناصر الصمود للشعب الفلسطيني حتى تحقيق اهدافه وهذه مسؤولية وطنية وقيادية عليا، اولى هذه القضايا الاتفاق على استراتيجية وطنية وعلى تشكيل قيادة وطنية موحدة باعتبارهما ضرورة وطنية عليا لتنتظم تحت لوائها كل فعاليات الشعب الفلسطيني وتعمل في اطارها مجموع قوى الشعب الفلسطيني
لهذا نرى اهمية إعادة القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي في الحالة العربية من خلال تكريس البعد القومي للقضية، وهذا أصبح الآن ضرورة ملحة لحماية الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، وبما يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها في مواجهة الاستراتيجية الكونية للحركة الصهيونية، لأن سياسة تقطيع أوصال الأمة، وعزل قضاياها عن بعضها البعض, كانت هدفا صهيونيا دائما وصولا إلى الاستفراد بالشعوب العربية وفرض الهيمنة عليها ، وقضية فلسطين هي الأساس والتي عملت الصهيونية على فرض اتفاق (أوسلو) والتي لم تحقق الحد الأدنى من مصالح وحقوق شعب فلسطين، كما تتطلب التطورات الراهنة العمل الجاد والسريع لبناء إجماع وطني خاصةً في ظل الظروف الراهنة للانتفاضة من اجل استمرار الوسائل النضالية والتأكيد على حماية الثوابت الفلسطينية واعتبار حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وإزالة المستوطنات كاملة موضوعات لا يمكن التنازل أو التساوم حولها.
ان انتفاضة الشعب الفلسطيني ليست بحاجة إلى مناكفات داخلية، بل من الضروري استكمال الجهود التي بذلت في القاهرة لاستعادة وحدة منظمة التحرير, وإحياء مؤسساتها ومشاركة كافة القوى فيها ، لأن المنظمة هي العنوان والكيان السياسي الموحد لكل شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج, بما يمكن من رسم استراتيجية شاملة وحقيقية متكاملة ضد الاحتلال، تتلاقى مع كفاح شعبنا لنيل حريته بعد تقديمه أغلى التضحيات, فإرادة و إصرار الشعب الفلسطيني بهبته الشعبية هي مواصلة درب الكفاح والنضال حتى تحقيق أهدافه بالاستقلال والحرية والسيادة على أرضه و وطنه.. فالشعب الفلسطيني شعب باسل وعصي على كل محاولات التطويع و كسر إرادته الوطنيه، لأن شعلة الحرية في ضمير كل مواطن فلسطيني وكل إنسان عربي مهمة كل وطني غيور في شعبنا وأمتنا وصولا لحشد كل إمكانيات وطاقات هذه الأمة في معركة التحرير والحرية.
ختاما : لا بد من التاكيد على ضرورة استعمال كافة الوسائل النضالية في الهبة الشعبية التي كفلتها المواثيق والاعراف الدولية والعمل على نقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة من اجل عقد مؤنمر دولي لتطبيق وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، حتى نأتي بالعالم كله، ونقول له انظر هذه هي إسرائيل التي صنعتها ، انظر ماذا فعلت بالمنطقة وبالشعب الفلسطيني، وليقف المجتمع الدولي امام مسؤوليته امام القضية الفلسطينية من جميع جوانبها في هذه المرحلة، حل شامل ولا نقول عادل ولا دائم، ومطالبة أصدقائنا بضرورة تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني واستمرار انتفاضته ، واتخاذ إجراءات قاسية ضد الكيان الصهيوني، ، لأن شعبنا بانتفاضته يخوض معركة ضد النازية الجديدة، هي معركة كافة القوى التقدمية والديمقراطية، وبذلك يكون عهد المناضلين الشرفاء من شعبنا وأمتنا على مواصلة النضال حتى يحقق الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة و وفاءً لدماء الشهداء وآلام الجرحى والأسرى والمعتقلين.وحتى نرى القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين المستقلة.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي