الانتفاضة التي يقوم بها شباب فلسطين، وسرعة امتدادها واشتداد لهيبها وإصرار مُشعليها، صدمت بشكل خاص الأجهزة الاستخبارية الصهيونية، التي فشلت كما في أكثر من مناسبة، توقع ما يمكن ان يحدث في الأرض المحتلة.
مع انطلاق ‘الانتفاضات، الهبّات،الثورات" تكثر التكهنات والمراهنات، حول مدى استمرارها وتحمل الجماهير "تبعات" ما قد ينتج عنها من نتائج وأثمان باهظة وتضحيات جسام.
كما ويشتد سوق المزايدات وركوب موجة "الثورة" ممن يتقنون التسلق والارتقاء على جماجم الآخرين، والرقص على دماء الشهداء، وآهات الجرحى، فتسمع من يطالب المنتفضين بتحرير يافا وعكا، بينما هو غارق في التطبيع حتى أذنيه، وتسمع "القادة" العظام، مطالبين الشباب بتحرير فلسطين فيما هُم ممن أعمت بصائرهم "نِعَم" أوسلو و"امتيازاته وخيراته".
صار معلوما ان الشعب الفلسطيني يعاني من أزمة "قيادة" مزمنة لم تحسن استثمار ما تقوم به الجماهير على مدار عمر القضية، وهذا يمتد إلى ثلاثينيات القرن الماضي. حيث إن الاستعداد العالي للجماهير لتقديم الغالي والنفيس من اجل الحرية والاستقلال، يذهب عمليا أدراج الرياح، سواء من خلال استعجال "قطاف الثمار" أو سوء "الأداء" والفشل في "إدارة" الصراع، أو من خلال الركض إلى نهايات لا ترتقي إلى مستوى التضحيات، لتحقيق مصالح وامتيازات شخصية بحتة.
منذ الأسبوعين الأولين على الانتفاضة الحالية، صار الكل "يركض لاهثا" لاستثمار وقطف النتائج، وصار الحديث في صالونات السياسة بعامة يستعجل القطاف، علما بأن الخوض في مثل هذا الحديث ما زال مبكرا، خاصة وان الأهداف المطلوب تحقيقها ما زالت غير محددة المعالم، بعيدا عن الهدف الاستراتيجي المعروف والمتمثل بكنس الاحتلال وإقامة الدولة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين..الخ.
الحديث عن استنساخ الانتفاضة الأولى كما يردد البعض، قضية اقرب الى العبث منها إلى الواقع، فلقد تغيرت الظروف والوقائع على الأرض ما بين تلك وهذه، وهذا عائد "لبركات" أوسلو، حيث تدور المواجهات الآن ضمن بؤر معينة تتمثل في نقاط التماس، فيما كان الوضع في الأولى، ان كل شارع وكل زقاق في الأرض المحتلة هو نقطة ساخنة ونقطة تماس على مدار اللحظة بين الجماهير الفلسطينية وقوات لاحتلال.
إضافة لذلك، فان كل ما تسببه الانتفاضة الحالية من إرباك ورعب لعصابة تل أبيب، هو ما يجري في القدس والداخل الفلسطيني، وليس في نقاط التماس، خاصة وان الإستراتيجية الصهيونية تقوم على خوض الحروب والمواجهات بعيدا عن الجبهة الداخلية، وعليه فهي تعمل جاهدة لإبقاء المواجهات محصورة في حدود الضفة، بعيدا عن القدس والداخل.
هذه الحقيقة، تشير الى ان دولة الاحتلال، تعطي الأولوية "لأمن" مراكز المدن في القدس والداخل، بالإضافة الى "أمن" المستوطنات والمستوطنين في الضفة، وبالتالي، فان الكيان يتعمد استخدام اكبر قدر من القوة في الصدامات التي تجري على الحواجز ونقاط التماس التي هي في الحقيقة بعيدة عن "المواطن الصهيوني"، وكذلك مستعمري الضفة، من اجل إبقاء الشباب منشغلين في هذه المواقع وعدم التوجه بمقاومتهم للقدس والداخل، مع العلم ان دولة الاحتلال ليس لديها مانع ان تستمر الصدامات في تلك الأماكن لمائة عام أخرى، لأنها لن تتسبب بما يمكن أن يتسببه طعن مستعمر صهيوني في أي من مدن الداخل.
في المحصلة، شباب الانتفاضة في الشوارع، يحتاجون لإسناد حقيقي من الجميع قبل القفز إلى نهايات قد تقود لإجهاض الانتفاضة، خاصة وانها لم تتحول بعد إلى انتفاضة شعبية عارمة بالمعنى الشامل للكلمة، فهي ما زالت مقتصرة على فئة عمرية محددة، ومن هنا لا بد من تطويرها لكي تصبح شاملة عامة، وهذا يتطلب موقفا معلنا من القيادة السياسية ومن الفصائل "الوطنية والإسلامية"، بدون مواربة، وان يتم اتخاذ خطوات عملية على ارض الواقع من اجل تصليب عود الانتفاضة حتى تتحول إلى انتفاضة عامة وشاملة يشارك فيها الكل الفلسطيني وان لا تبقى مقتصرة على فئة عمرية محددة.
بقلم/ رشيد شاهين