مدير مركز هدف لحقوق الإنسان
كمفهوم يقصد بالمحاكم المتخصصة هي تلك المحاكم التي يتم إنشاؤها بقصد الاختصاص في النظر في نوع واحد فقط من المنازعات على شاكلة القضايا الاقتصادية، والتجارية، والعمالية، والأسرة .... الخ، ناهيك عن كونها تقوم على فلسفة ركيزتها أن هناك بعض أنواع المنازعات التي تتصف بسمات خاصة تفرق بينها وبين غيرها من المنازعات الأمر الذي يتطلب وجود محكمة متخصصة تختص بالنظر فيها.
اعتقد جازماً أن إنشاء محاكم متخصصة في فلسطين يمثل بالنسبة لنا حاجة ماسة بل لا أبالغ القول أنه يشكل مطلباً وطنياً خالصاً وهو أمر تقتضيه الظروف القائمة لدينا والتي أظنها لا تخفى على أحد، فهي بكل تأكيد ستساهم في سرعة الفصل في قضايا المواطنين، خصوصاً ونحن نرى بأم أعيننا الأعداد الضخمة من القضايا التي تعرض على العدد القليل المتاح من القضاة وما نعانيه من عدالة بطيئة التي هي لربما تكون أقرب إلى الظلم بل هي والظلم سواء.
وفى السياق نفسه، نرى أن المحاكم المتخصصة تشكل بالنسبة لنا إضافة نوعية لمنظومة العدالة الفلسطينية، فهي تمثل بالنسبة لنا طريق الخلاص من العبء الكبير الملقى على كاهل المحاكم العادية التي تجتذب ألاف القضايا التي تتكدس في أروقتها خصوصاً وأن المحاكم المتخصصة تساهم في تخفيف وتقليل عدد القضايا أمام المحكمة الواحدة، وهى تمثل حلا ناجعا لإشكالية عدم إمكانية بل نكاد نقول استحالة وجود قاض ملم بكل القوانين وكل النزاعات والقضايا على اختلاف أنواعها وتناقضاتها، فالمحكمة المتخصصة تنظر في نوع واحد من القضايا والنزاعات، والقاضي المتخصص يلم بالقضية المحددة وبالقوانين ذات العلاقة تماما، وهذا بكل تأكيد عامل أساس في تحقيق العدالة السريعة، وضمان الإجراءات الدقيقة، وإصدار أحكام وقرارات سليمة صائبة لا تشوبها شائبة تحظى برضا المتقاضين وتزيد ثقة المواطنين في مرفق القضاء، كما أنها تشكل حلا نوعيا لمشكلة البطء والتأخير في الفصل في قضايا ونزاعات معينة والذي يتسبب في إلحاق أضرارا جسيمة يمكن أن تؤدى إلى ضياع وإهدار الكثير من حقوق المواطنين حتى لو حصلوا عليها بعد فترة طويلة قد تصل إلى سنوات، وعليه فإن سرعة الفصل في مثل هكذا قضايا من قبل المحاكم المتخصصة تعتبر مكملا لتحقيق العدالة.
هذا وحتى تنجح المحاكم المتخصصة في دورها كقاطرة إستراتيجية لتطوير منظومة العدالة الفلسطينية فلا بد من توافر متطلبات من أبرزها أولا: إعداد أعداد كافية من القضاة المتخصصين في نوعية معينة القضايا والنزاعات، وهذه بالمناسبة تجربة أخذت بها الكثير من دول التقدم والتي ساهمت في حل كثير من المشكلات ذات العلاقة بالعملية القضائية وسهلت السبيل إلى تحقيق العدالة الناجزة وصدور الأحكام والقرارات المناسبة التي تناسب طبيعة النزاع، علماً بأن تخصص القاضي في نوع محدد من القضايا والنزاعات لفترة معينة يكسبه فهم أكبر في هذا النوع من القضايا والنزاعات ومهارات وقدرات وفاعلية اكبر في حلها أو حل مشاكلها ذات العلاقة بطريقة تتحقق بها الأهداف التي ينشدها القانون المنظم لهذا النوع من القضايا والنزاعات، وثانيا: مراعاة الاعتبارات والسمات التي تتسم بها بعض القضايا والمنازعات لدى تشكيل هذا النوع من المحاكم واختصاصاتها والسلطات المخولة لقضائها.
بقلم / د. يوسف حسن صافى