قرار إخراج الحركة الإسلامية – الشق الشمالي عن القانون جرى تداوله منذ بداية الهبة الشعبية الحالية التي إنطلقت شرارتها من مدينة القدس في 13/9/2015،والتي كان سببها المباشر ما تعرضت له القضية الفلسطينية من تراجع كبير وإهمال متعمد من قبل القادة الدوليين وفي المقدمة منهم أوباما الرئيس الأمريكي والقادة الإقليميين والعرب في الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة،وما تبع ذلك من إقتحام للمتطرف وزير الزراعة الصهيوني "أوري أرئيل" ومعه ثلاثين من المستوطنين المتطرفين للمسجد الأقصى،من بعدها وفي إطار مواجهة تصاعد الهبة الشعبية الجماهيرية في القدس وشمول تأثيراتها ومفاعيلها للداخل الفلسطيني – 48 -،شن المستوى السياسي الإسرائيلي والقادة العسكريين حملة شرسة على الحركة الإسلامية – الشق الشمالي- ،بأنها تمارس التحريض والكذب ضد دولة الإحتلال،والقول بأن دولة الإحتلال تعمل على تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً وتتنكر للتفاهمات القائمة مع الأردن حول ذلك،وكان تنفيذ القرار مسألة وقت لا اكثر،وبإنتظار اللحظة السياسية المناسبة التي تخدم رؤية ووجهة نظر حكومة نتنياهو العنصرية المتطرفة.
وقد توفرت لنتنياهو وحكومته الفرصة المناسبة من خلال تفجيرات وعمليات باريس الإجرامية والإرهابية التي قامت بها عصابة "داعش"،لكي يوظف ذلك ويصور بأن هناك إسلاماً إرهابياً متطرفا يغزو العالم،وهو يريد ان يربط بين الحركة الإسلامية – الشق الشمالي - ،وبين جماعة "داعش" الإرهابية،بالقول بان داعش والحركة الإسلامية - الشق الشمالي - في الداخل الفلسطيني – 48 – وجهان لعملة واحدة.
إخراج الحركة الإسلامية عن القانون ملاحقة سياسية وليس في هذه الخطوة أي بُعد قانوني قضائي والدليل على ذلك أنّ حظر الحركة الإسلامية جاء بناءً على قوانين الطوارئ الانتدابية، فغالبية المؤسسات التي تمّ إغلاقها، وهي 17 مؤسسة ليس لها أي نشاط مباشر بنشاط الحركة الإسلامية في القدس. القرار غير ديمقراطي وغير قانوني وغير أخلاقي في الدرجة الأولى والحكومة الإسرائيلية من خلال هذا القرار تفتح مواجهة وتعلن الحرب ضد المجتمع العربي داخل البلاد، فالحركة الإسلامية الشمالية لم تقم بأي عمل غير قانوني، وإذا كان هناك من بين أفرادها مَن قام بعمل غير قانوني فمن المفروض أن تقدمه الحكومة للمحاكمة وألا تُخرج جميع أعضاء الحركة الإسلامية ومؤسساتها خارج القانون.
اعتقد بان قرار إخراج الحركة الإسلامية – الشق الشمالي – سيشكل نقله نوعية في التعاطي والتعامل والعلاقة ما بين الجماهير العربية والمجتمع الفلسطيني هناك ودولة الإحتلال،واذا لم تتصدى القيادات السياسية والمجتمعية هناك مع الجماهير العربية لهذا القرار العنصري المتطرف،فهذا سيشكل مقدمة ليس فقط لتجريم الحركة الإسلامية،بل تجريم كل النضال السياسي والوطني لشعبنا واهلنا هناك،بحيث سيمتد التجريم لأحزاب وقوى اخرى تحت نفس الحجج والذرائع الواهية والمفلسة التحريض والتنكر لحق اسرائيل في الوجود وممارسة "الإرهاب"،ولذلك اول من سيكون في دائرة التجريم السياسي والتعرض للإعتقال والتنكيل حركة أبناء البلد والى حد ما التجمع الوطني الديمقراطي وغير ذلك من القوى والقيادات السياسية والمجتمعية في الداخل الفلسطيني.
ولربما يشكل إخراج حركة كامله بهذا الوزن الشعبي والجماهيري في الداخل الفلسطيني، قرار تاريخي وسابقة لم تحدث منذ قيام دولة الإحتلال ،واعتقد انه جرى إخراج حركة "الأرض" بقيادة الراحل صالح برانسي عن القانون،ولكن لم تكن حركة الأرض بحجم وحضور وجماهيرية وشعبية الحركة الإسلامية – الشق الشمالي- .
نحن متفقين بأن هذا القرار العنصري والسياسي بإمتياز ليس له أي علاقة بالأمن والتحريض،بل التضيق على حرية التعبير وحق التنظيم السياسي،وكذلك بتر العلاقة بشكل رئيسي ما بين اهلنا وشعبنا في القدس والداخل الفلسطيني -48 – على وجه التحديد،وخصوصا بأن الهبة الشعبية الأخيرة والمستمرة حتى الان اعادت توحيد شعبنا على طول وعرض مساحة فلسطين التاريخية،وكذلك تخويف وإرهاب شعبنا وثنيه تحت طائلة التجريم السياسي والقانوني عن القيام بدوره بالتصدي للأحتلال وإجراءاته وممارساته العنصرية وجرائمه بحق شعبنا الفلسطيني وبالذات ما يرتكب منها ضد شعبنا واهلنا في القدس.
الصهاينة يعرفون كيف يستثمرون ويحولون انفسهم من جلادين غلاظ يرتكبون ويمارسون كل أشكال العنصرية والتطرف و"الإرهاب" إلى ضحايا للإرهاب واللاسامية،فنتنياهو وحكومته ذرفوا دموع التماسيح على ضحايا باريس ورفعوا اعلام فرنسا على كل مؤسساتهم تعبيراً عن تضامنهم مع ضحايا الإرهاب الداعشي الإسلامي المتطرف،ولكونه ينتمي للعالم "الحضاري والتنويري" فهو يحارب قوى"الظلام والإرهاب" ممثلة بالحركة الإسلامية – الشق الشمالي – وغيرها.وكذلك فهو يقول للمجتمع الإسرائيلي المنزاح كثيراً نحو اليمين والتطرف والعنصرية بأنه حريص على امن وحماية المجتمع الإسرائيلي من قوى الإرهاب والتطرف.
ومن هنا فإن مثل هذا القرار الصهيوني العنصري المتطرف يجب ان يجابه بموقف جماعي وموحد من قبل لجنة المتابعة العربية العليا وكل القوى والقيادات الوطنية والحزبية من اجل اتخاذ مواقف حازمة تليق بهذا الحدث التاريخي،والذي اذا سمح له بالمرور سيجرم كل نضالات شعبنا هناك،وعليه خيراً فعلت لجنة المتابعة العربية العليا بأن اتخذت سلسلة فعاليات ومناشطات وقرارات للمجابهة تتمثل في إعلان الإضراب العام والشامل في كل الوسط العربي في الداخل الفلسطيني – 48 – يوم الخميس القادم 19/11/2015 ،ويجب الإبقاء على الحركة الإسلامية كمكون أساسي من لجنة المتابعة العربية العليا بالفعل والنشاط والخطاب وغيره.
خوض نضال بكل الوسائل القانونية والشعبية وعلى كل الصعد المحلية والدولية، وعدم إسقاط التوجه لمحكمة العدل الصهيونية،رغم ان الجهاز القضائي في دولة الإحتلال موظف في خدمة المستويين السياسي والأمني،ولكن يكون ذلك كهدف اعتراضي. وأيضا يجب طرق كل أبواب السفارات والمؤسسات الدولية لأنّ هذا يتنافى مع الحقوق الأساسية للمواطن والفرد، كالحق في التنظم والتعبير عن الرأي والحق في المشاركة السياسية وما إلى ذلك، وأعتقد أنه يجب تعريف العالم بأنّها عملية ملاحقة سياسية لقيادات المجتمع العربي.
وأرى بأن مواجهة ومجابهة مثل هذا القرار العنصري الجائر غير القانوني وغير الأخلاقي وغير الديمقراطي والسياسي بإمتياز تحتاج لخطوات مدروسة وليست مجرد ردود فعل شعورية وعاطفية و"فورة دم" فقط، والخطوات المدروسة يجب أن يشارك في تنظيمها وتأطيرها أناس مهنيون على المستوى القضائي أو التنظيمي وما إلى ذلك.
بقلم/ راسم عبيدات