تكثر المقالات، والكتابات، والمقاربات النقدية، الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والأدبية الصحفية، في الصحافة العربية لكتاب مرموقين أو مغمورين (والتي تقدم مقارنات ظالمة بين العرب وغيرهم من الأمم) ... ويسري نشرها بين جمهور القراء العرب، كسريان النار في الهشيم، ما يكشف عن حالة إكتئاب فردية وجماعية يعاني منها هؤلاء الكُتاب، والجمهور العربي الذي يتلقفها، ويتداولها في وسائل الإتصال الإجتماعي المختلفة في ((عصر السوشل ميديا))، وكأن الكاتب والقارئ قد إكتشفوا إكتشافاً لا مثيل له، وقد شخصوا حالة المجتمع العربي تشخيصاً دقيقاً، وبالتالي لم يبقَ سوى تناول (الترياق) الشافي الذي يعيد للمجتمع وللأمة توازنها وعزتها وكرامتها وقوتها، وتفوقها على (هُم) وعلى (الآخر) ..!!
وبمجرد تداول مثل تلك المقالات والكتابات وقراءتها تنتهي مهمة الكاتب والقارئ على السواء، في تأكيد جملة من المفاهيم السلبية عن الذات الفردية والجمعية في آن واحد، من مستوى الفرد إلى الجماعة، ومن مستوى الحاكم إلى المحكوم، وكأنه يقول ويكرس في ذهن المتلقي مقولة ((فالج لا تعالج))، والإستسلام إلى هذه القدرية غير الصائبة، وغير الموضوعية في التشخيص من جهة، وفي عقد المقاربات والمقارنات من جهة أخرى، لأنها تُغَيِبْ العوامل الحقيقية التي جعلت مِنْ (نحنُ) .. ما (نحنُ) عليه، وتلك العوامل التي جعلت مِنْ (هُمْ) ما (هُمْ) عليه ...
إن بحث تلك العوامل بموضوعية متناهية، بعيداً عن المواقف المسبقة أو المعلبة في النظر إلى الذات وكذلك في النظر للآخر، والغور في الأسباب العميقة التي جعلت مِنْ (نَحنُ) ما (نَحنُ) عليه، وتلك الأسباب التي جعلت مِنْ (هُم) ما (هُم) عليه، هي الخطوة الأولى في المقاربة العلمية والموضوعية بين (هُمْ ونَحنُ...) والتي يستتبعها الأخذ بالأسباب العملية والموضوعية والعلمية للتغيير، على مستوى الفرد والجماعة، وعلى مستوى البنية المؤسساتية للمجتمع الواحد، والدولة الواحدة، والعلاقات البينية على مستوى الأفراد، والجماعات المكونة للمجتمع، وللأمة بصفة عامة، وصناعة الأمل، وتحديد الأهداف المبتغى تحقيقها، على مستوى الأفراد والجماعات والمجتمع والأمة، وتحديد الوسائل والأساليب التي يجب إستخدامها لبلوغ تلك الأهداف، سواء التساوي، أو التوازن، أو التفوق على (هُمْ)، والخروج من حالة الكآبة الفردية والجماعية التي يعانيها إنساننا، أو مجتمعنا الوطني أو العربي على السواء، حتى يتم تغيير هذه الصورة النمطية السلبية التي جرى تكريسها عن إنساننا، وعن مجتمعنا، وعن واقعنا الذي ننشد تغييره نحو الأفضل، وتكريس الصورة الإيجابية والتفاؤلية في ثقافة الفرد والمجتمع، والتخلص من كافة صور وأشكال السلبية التي باتت تطبع مجتمعاتنا العربية ...!!
والتي سعى الآخر (هُم) إلى تكريسها في رسم صورة إنساننا ومجتمعنا العربي عبر عقود، ليبرر من خلالها هيمنته وتفوقه على (نَحنُ) ويجعل من ذاته نموذجاً نسعى إلى تقليده، والسير وراءه، والإستلاب إليه والإنبهار بكل ما يصدر عنه، من إنتاج معرفي ومادي وغيره ...
في حين إذا ما عمقنا النظر فيما هو عليه (هُمْ) سوف نجد أن فيه الكثير الكثير من السلبيات التي نرفضها رفضاً قاطعاً، ونرفض نقلها إلى مجتمعاتنا، أو التأثر بها، فالمقارنات والمقاربات التي تعطي صورة إيجابية مطلقة عن (هُمْ) وسلبية مطلقة عن (نَحنُ) هي مقاربات ومقارنات غير موضوعية وغير علمية وظالمة، ويجب التوقف عنها لأنها لا تخدم (نَحنُ) وإنما تخدم فقط (هُمْ) وتحقق له سياساته وأغراضه لدى (نَحنُ).
بقلم/ عبد الرحيم جاموس