واضح بأن التطورات العسكرية وما يحققه الجيش السوري من انتصارات في الميدان بدعم وغطاء جوي روسي مباشر وإسناد من قوى المقاومة الأخرى (ايران – حزب الله والأحزاب القومية)،والمتمثل في تدمير الطيران الروسي لألف صهريج تنقل النفط السوري والعراقي المسروق لصالح لص حلب،المنتفع من تلك السرقات والتي تشكل أيضاً الشريان الرئيسي لتغذية وتمويل العصابات الإرهابية في سوريا وبالذات "داعش" والنصرة، وكذلك العمليات الحربية السورية ـ الروسية الناجحة في شمال اللاذقية،والضربات الموجعة للمليشيات التركمانية،وتّرت الأجواء في أنقرة التي رأت أن مخططاتها، سواء لإنشاء منطقة عازلة على الأراضي السورية أو لاقتطاع جبل التركمان أو إقامة حكم ذاتي تركماني في سوريا، تنهار،وكذلك امريكا وجدت ان مشاريعها لإدارة الصراع في المنطقة من خلال الضربات التجميلية ل "داعش" وتوظيفها في ضرب النظامين السوري والعراقي من اجل إستمرار إضعافهما وإدخالهما في حروب ذاتية مدمرة،وبما يضمن بقاء السيطرة الأمريكية على المنطقة،وتحقيق تنمية إقتصادية لبلادها ومواطنيها وتشغيل إحتكاراتها العسكرية والمالية من خلال صفقات بيع السلاح الضخمة،والإنتفاع من النفط المسروق تعرضت للإهتزاز،ناهيك عن تراجع الثقة بها وبدورها في المنطقة،بعد كشف الروس لحقيقة دورها واهدافها،فيما يتعلق بالفرية الكبرى بانها تحارب الإرهاب ولا تدعمه،فامريكا كانت متوهمة بأنها بتوقيع الإتفاق النووي مع ايران سيكون ذلك ربحاً صافياً لها،وليكن الرد الإيراني ومن قمة الهرم السياسي والديني فيها جاء،بأنه لا مقايضات ولا مفاوضات ولا تحالفات بين الجمهورية الإسلامية وامريكا في القضايا الإقليمية الأخرى وخاصة سوريا والعراق،ولذلك شعر اوباما بأن كل رصيده الذي استثمر فيه بتوقيع هذا الإتفاق قد ذهب الى الروس،من خلال الإتفاق واللقاء التاريخي بين مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، والرئيس الذي قدم من المطار حاملاً معه، بالإضافة إلى منظومة الدفاع الجوي "أس 300" المعدلة نسخة ثمينة جداً من مصحف مخطوط بالغ القدم ( يعبّر عن ثراء تراث الإسلام في روسيا)؛ كأنما ليقسم الزعيمان على تحالف استراتيجي لا يقوم فقط على المصالح،وإنما بخلاف ما هو متبع في السياسة الدولية،على الأخلاق أيضاً.خامنئي وبوتين قالا بصوت واحد: لا نخون حليفنا الأسد،وقررا تعميق التنسيق الأمني والعسكري على الأرض،ناهيك عن الإتفاقيات الإقتصادية الكبيرة والنوعية بين الطرفين.
قبل الحديث عن تطورات وتداعيات وسيناريوهات ما بعد إسقاط الطائرة الروسية،لا بد من القول بأن امريكا وقوس تحالفها الواسع من جماعة التتريك ومشيخات النفط والكاز الخليجية،شعرت بان حسم روسيا واجتثاثها للجماعات الإرهابية في سوريا،قد يسقط المنطقة كاملة تحت السيطرة الروسية،ولذلك وجهوا ضربة إسقاط الطائرة المدنية فوق سيناء والذي تبنته "داعش" بعلم ومعرفة امريكا وبريطانيا،بهدف ردع بوتين عن الإستمرار في اجتثاث الجماعات الإرهابية،وخلق إرتدادات وتأليب للرأي العام الروسي ضد بوتين،ولكن لم تأت الأمور وفق ما خطط له،فبوتين رد على إسقاط الطائرة بتصعيد العمل العسكري ضد الجماعات الإرهابية في سوريا،وادخل القاذفات الإستراتيجية تبويوليف في العمليات العسكرية وأستخدم الصواريخ المجنحة ضد قواعد وتحصينات "داعش" في الشام وتحديداً في الرقة وادلب واللاذقية وغيرها،وكذلك وجدنا بان القيادة المصرية عملت على تدعيم علاقاتها العسكرية مع روسيا،وفي مؤتمر العشرين الذي عقد في انطاليا وجهه بوتين اتهامات مواربه بان أربعين دولة تدعم "داعش" والجماعات الإرهابية في سوريا،ومن ضمنها دول تحضر هذه القمة،وهو يلمح الى تركيا والسعودية وقطر وامريكا وفرنسا بالذات،وبعد هجمات "داعش" على باريس والعدد الكبير الذي خلفته من القتلى والجرحى،إهتزت باريس وارتعد هولاند،وبدا يتساوق مع الموقف الروسي بضرورة إجتثاث الإرهاب،وأصبح أقرب للتنسيق والتعاون مع بوتين في رؤيته لمحاربة الإرهاب،وانكشف كذب الموقف الأمريكي من محاربة الإرهاب،وبدا بوتين بطل قومي في حربه على الإرهاب.
أمريكا وقوس تحالفها من مشيخات النفط والكاز العربية وجماعة التتريك ومعهم اسرائيل ودول اوروبا الغربية،تعتقد بأن قضاء روسيا على الجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها،سيفقدهم القدرة على التفاوض وفرض نوع من الشروط على روسيا في طبيعة العملية السياسية والحل في سوريا ومن هي الجماعات التي ستشارك في هذا الحل،ولذلك لا بد من توظيف هذه الجماعات لخدمة "الناتو" لمنع التمدد الروسي وبسط سيطرة النظام السوري لكامل سيطرته على الأراضي السورية،وذلك الكمين المحكم للطائرة الروسية سوخوي (24) من قبل الطائرتين التركيتين داخل الأراضي السورية،لم يكن قراراً تركياً،بل قراراً امريكياً وأوروبياً غربياً،وبالمعنى العسكري مواجهة التمدد الروسي في المنطقة بالنار ومحاولة رسم خطوط حمراء لروسيا،والضغط عليها لمنع الإستمرار في سحق وإجتثاث الجماعات الإرهابية،التي تعول عليها من اجل المشاركة في الحل السياسي في سوريا،ولكن كما قال بوتين الذي لا يتسامح مع من يتطاول على روسيا ومصالحها،وتجربة الشيشان جلية وواضحة ومغروسة في الأذهان،وكذلك القضية الأوكرانية،بأن الغدر عواقبه ستكون وخيمة على تركيا وغيرها ممن اشتركوا في هذه الجريمة،وبوتين لن يكتفي بالعقوبات الإقتصادية والسياسية وقطع العلاقات العسكرية والتجارية ووقف السياحة الروسية الى تركيا،وكذلك ربما استبدال خطوط الغاز الروسية الممدوة من الأراضي التركية وإلغاء زيارة وزير خارجيتها الى أنقرة،وهو معروف بعناده وعدم تراجعه عن مواقفه والدفاع المستميت عن مصالح بلاده،ولذلك هو انتقل بعد إسقاط الطائرة الروسية من موقف الإتهام غير المباشر لتركيا بدعم الجماعات الإرهابية الى الإتهام المباشر لها،وهذا يعني بأن الروس على الأرجح سيكونوا امام اكثر من سيناريو،فهم يدركون جيداً بأن تركيا هي الناتو،ولذلك توجيه ضربة عسكرية مباشرة الى تركيا قد يقود الى حرب إقليمية او دولية،وقد يكون ذلك كميناً لجر روسيا لرد عسكري مباشر يقود لتحرير الجماعات الإرهابية من الطائرات والصواريخ الروسية.
إن إسقاط طائرة روسية مقاتلة اليوم وإسقاط أخرى مدنية قبل حوالي الشهر يضعان روسيا أمام حتمية الرد،وبقسوة. ولكن الهدف الأكثر استحقاقاً قد يكون الجماعات الإرهابية في سوريا.
وعلى الطريقة السورية، فإن الرد يكون بضرب المشروع المعادي في النقطة الموجعة له،وليس من خلال ضرب اليد التي تطعن، بل المحرك لها. بكلام آخر،ردٌ يفيد في مسار المواجهة، لا رداً انتقامياً يشفي الصدور.
في السياق، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها ستسقط أي طائرة ترى في تحليقها في الأجواء السورية تهديداً لها.وهي كلفت الطراد "ماسكفا" بحراسة أجواء محافظة اللاذقية بأنظمة (أس 300) بنسختها البحرية. ولكن احتمالات التدخل البري باتت مرتفعةً جداً،مع وجود معلومات لوجيستية تشير إلى ذلك.
بقلم/ راسم عبيدات