لترجمة الاقوال الى افعال في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني

بقلم: عباس الجمعة

لم يكن التاسع والعشرون من تشرين الثاني عام 1977 ، يوماً لتضامن الفلسطينيين مع أنفسهم وقضيتهم، بل ان هذا اليوم اصبح يشكل بالنسبة الى شعوب العالم يوما للتضامن مع كفاح شعب فلسطين من أجل الحرية والاستقلال والعودة ، مما يتطلب استثمار هذه المناسبة لرفع الصوت عاليا بمواجهة القوى التي لعبت دورا في صدور قرار التقسيم وضياع فلسطين واستجلاب الصهاينة المستعمرين ، والعمل بأصرار على رفضه والمثابرة بما يقدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات تؤكد أنه صاحب الحق وأن العودة الى الوراء هي ضرب من المستحيل .
واليوم تؤكد الانتفاضة الفلسطينية بتصاعدها واستمراها بانها تشكل بوصلة حقيقية من مسيرة كفاحنا الوطني على طريق حرية وعودة واستقلال الشعب الفلسطيني، ولهذا نطالب الفصائل والقوى والمؤسسات الرسمية والشعبية الفلسطينية، إلى بذل الجهود الموحدة لتوسيع وتعميق أشكال وحالة التضامن الدولي مع الانتفاضة القائمة ومع الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية من خلال صوغ استراتيجية موحدة تعمل على معاقبة مجرمي الحرب الصهاينة، وتوسيع مظاهر مقاطعة الكيان الصهيوني، وتوسيع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والضغط من أجل تنفيذ كافة قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالحقوق الفلسطينية، وكذلك تجسيد أكبر درجات التضامن من خلال التحرك والتواصل مع شعوب العالم وحركاتها واحزابها التقدمية ، والعمل من اجل إنهاء الانقسام وطي صفحته السوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني، ومغادرة كل أوهام المراهنة على إمكانية تحقيق تسوية سياسية "عادلة" مع دولة الاحتلال الصهيوني، لأن العدالة الحقيقية بالنسبة لنا هي إنهاء الاحتلال عن أرضنا كاملة، وأن ينعم شعبنا كباقي شعوب المعمورة، بالحرية وتقرير المصير والأمن والأمان والعيش الكريم على أرض وطنه الفلسطيني.
ومن هنا نرى ان الانتفاضة الثالثة تجاوزت حالة الجدل لجهة وصفها او عفويتها ومحاولات تسقيفها الزمني والسياسي من خلال استمرارها وشعاراتها لتؤكد انها عصية عن الكسر والاجهاض ، وهي تتطلع الى توفير عناصر وعوامل الديمومة لتفتح افاق لتطورها مستفيدة من تجارب ودروس الانتفاضات السابقة وهي تقدم نموذجاً يحتذى به ، وجيلاً جديدا من شابات وشباب فلسطين يقدمون ارواحهم فداء لفلسطين رغم اختلال موازين القوى والظروف المجافية التي تحيط بالانتفاضة بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام .
ان استعداد الشباب الفلسطيني للتحدي والمواجهة لا تعفي اي فصيل وحزب من مسؤولياته الوطنية والتاريخية لجهة ضرورة توفير المرتكزات الوحدوية السياسية والتنظيمية والكفاحية والاقتصادية للانتفاضة والمنتفضين لقطع الطريق أمام محاولات اختراق الانتفاضة من الداخل والخارج ،الهادفة لاجهاضها ومنعها من تحقيق اهدافها المعلنة ، وهذا يستدعي الحفاظ على الطابع الشعبي للانتفاضة كخيار وضرورة لتشمل عموم الشعب الفلسطيني من خلال رسم رؤية نضالية تتناغم مع مجرى الانتفاضة ومواقف تؤدي بالنهاية لزوال الاحتلال ورحيل المستوطنين وتفكيك المستوطنات واستحالة التعايش مع الجدار والاستيطان والاحتلال .
نعم الشعب الفلسطيني يحتاج في اليوم العالمي للتضامن، الى استثمار هذه المناسبة والعمل على تحويلها الى فرصة يستطيع من خلالها ان يقدم للعالم قضيته العادلة وتوضيح ما جرى من مراحل لعبت دورا في صدور قرار التقسيم وضياع الارض وقتل وتهجير السكان واستجلاب ملايين الصهاينة من مختلف بقاع الدنيا ليحلوا مكان الشعب الفلسطيني في فلسطين، حيث تفوقت حينها قوة الاحتلال وحلفاء الاحتلال على قوة الحق، ونحن على ثقة بان شعوب العالم وبرلماناتها تتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يحقق النجاحات تلو النجاحات وعلى المستوى العالمي، وما العزلة الدولية التي يعيشها الاحتلال الصهيوني في الوقت الحالي، الا نتيجة لهذا التضامن وادراك المجتمع الدولي لحقيقة الاحتلال، وما الوعي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ومعه اصدقاء من مختلف الجنسيات والاعراق والديانات الا نتيجة لذلك التضامن، في المقابل باتت الامم المتحدة تدرك ان العودة الى الوراء والاستفراد بالحق الفلسطيني ضربا من المستحيل، وكما تريد الشعوب الاخرى فان الشعب الفلسطيني ايضا يريد، زوال الاحتلال .
امام كل ذلك نقول كثيرة هي المعاني التي تجسدها مناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني ، وهو يجسد صورة بطولية في تمسكه بأرضه، عنوانها التضحية مستفيدا من الثورات المتعاقبة والانتفاضات، مؤكدا بذلك بأن لا حلّ شامل ونهائي للقضية الفلسطينية يمكن أن ينجح ويكون قابلاً للحياة، إذا لم يأخذ بعين الاعتبار حق عودة اللاجئين إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم وأملاكهم وفق القرار الاممي 194، وكل ذلك يتطلب حماية المشروع الوطني والحفاظ على دور منظمة التحرير باعتبارها مرجعية وطنية عامة، ومعبّر عن وحدة الشعب الفلسطيني على الرغم من توزعه ما بين أراضي 1948، والضفة وغزة والشتات، وعلى الرغم من خصوصيات كل تجمع من هذه التجمعات، والتمسك بالثوابت الوطنية المتمثلة في حق العودة، وتقرير المصير، والدولة المستقلة، وعاصمتها القدس، هذا بالمعنى المرحلي، أما بالمعنى الاستراتيجي فنريد أن تقوم دولة فلسطين الديمقراطية التي تتضمن حقوقا متساوية للجميع.
ان ما يجري في المنطقة من هجمة امبريالية استعمارية صهيونية تسعى إلى تنفيذ مخطط تقسيم الدول وغيرها إلى كيانات سياسية طائفية وأثنية ومذهبية بدعم للقوى الإرهابية التكفيرية واتباعهم وتزويدهم بالسلاح والمال ومستلزمات الإجرام من قبل الحلف الامبريالي الأميركي ، بهدف ضرب قوى المقاومة نتيجة مواقفهم المشرفة تجاه القضية الفلسطينية ولثنيهم عن دعم للحقوق والثوابت العربية، يتطلب من الشعوب العربية وقواها القومية والديمقراطية والتفدمية على وجه الخصوص، التحرك باتجاه الوقوف الى جانب فلسطين باعتبارها القضية المركزية، والى تعزيز وحدة القوى في بوتقة مقاومة عربية شاملة للمشاريع العدوانية الامبريالية، والمشاريع الارهابية الرديفة لها التي تسعى لتفتيت العالم العربي الى دويلات طائفية ومذهبية واثنية تبرر وجود الكيان الاسرائيلي ومطامحه التوسعية ودوره كقاعدة متقدمة للامبريالية ولارهاب الدولة في العالم العربي ، ونحن على يقين بان صمود الشعوب العربية وقواها الحية ومقاومتها هو انتصار للمقاومة لفلسطين وشعبها ودفاع عن القضية الفلسطينية.
ونحن اليوم نتطلع ان يشكل يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني زاوية معاكسة تماماً، وهي اولا مطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة القيام بمسؤولياتها، عبر تطبيق قراراتها، وتوفير الحماية الدولية لشعبنا ، من أجل إنهاء الاحتلال وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة التي نصت عليها هذه القرارات ، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام الكارثي، ورسم استراتيجية وطنية تستند لكافة اشكال النضال بمواجهة الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني، والتوجه الجاد ودون تردد إلى مؤسسات الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي، ومطالبة محكمة الجنايات الدولية البدء بمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني وارضه ومقدساته، واتخاذ الإجراءات الجدية لتطوير مقاطعة الاحتلال ومنتجاته وبخاصة منتجات المستوطنات، التي نطالب العالم بمقاطعتها، ووقف التنسيق الأمني المشين.
ختاما: لا بد من القول ان الشعب الفلسطيني متمسك بحقوقه غير المنقوصة، واستمرار انتفاضته الباسلة ومقاومته بمواجهة الاحتلال ، وهو يتطلع الى تحشيد أوسع جبهة تضامن شعبي عربي وعالمي مع كفاح الشعب الفلسطيني، ومع الأسرى والمعتقلين الصامدين الصابرين في السجون الصهيونية، وعوائل الشهداء.. شهداء المقاومة والانتفاضة، لان شعبنا الفلسطيني يتطلع إلى فجر الحرية والاستقلال بمزيداً من الصبر والثبات والصمود، ومزيداً من العمل والنضال والوحدة الوطنية، فقضيتنا عادلة وستنتصر مهما طال الزمان وعظمت التضحيات.


بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي