للأسف فما زال الفلسطينيون بكافة فئاتهم وشرائحهم اكثر انفصالا عن تاريخهم ,وبعدا عن محاولة استخلاص الدروس والعبر مما وقع به اسلافهم من اخطاء ,وذلك على الرغم من استقرائهم للتاريخ ووعيهم لما مرت به القضية الفلسطينية من مراحل وما واكبها من احداث , ورغم ما يحيط بهم من اخطار ايضا,فلو ان الفلسطينيين كانوا قد ادركوا ولو لمرة واحدة بان سبب نكبتهم وضياع فلسطين هو عدم التفاف الشعب حول قيادة واحدة وتشتت ولاءاتهم ,لما كانوا حتى هذه اللحظة دون وطن او قيادة يلتف حولها الجميع , وما كانت معاناتهم في تصاعد واستمرار , ولما أصبحوا ايضا مطية لدويلات ومشايخ لم يكن لها وجود من قبل في الوقت الذي كانت فيه مدن فلسطين وقراها مزدهرة تجارة وعمرانا وثقافة .
وفي الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون قادة للفكر وروادا للفن والثقافة ,فان امراء تلك الدول وشيوخها كانوا لا يتقنون إلا سرقة قوافل الحجيج ونهب القوافل التجارية ,فلما نجعلهم يتحكمون بنا تنفيذا لسياسة الاستعمار وحماية لدولة اسرائيل ؟,ولما نحن وقرارنا اصبحنا كالقشة المحمولة بأيديهم نتطاير بكل اتجاه ارادوا منا ان نسير فيه ولا نعرف اين المستقر ؟.
منذ التحالف الاستعماري لإنهاء الدولة العثمانية وتقسيم ممتلكاتها ,فان فلسطين لم تكن محط اهتمامهم لإقامة دولة يهودية فيها تحقيقا لادعاءاتهم الدينية فقط, بل ان اختيار فلسطين ووفقا لاعتقادي كان من اجل انهاء الشخصية الفلسطينية ايضا التي كانت تلعب دورا محوريا في تكوين الهوية العربية ومحاولة النهوض بها في ظل تصاعد الخلاف ما بين اقطاب الاستعمار قبيل الحرب العالمية الأولى ,ومنذ ذاك التاريخ ,فان دول الاستعمار نجحت في ابقاء الفلسطيني لا وزن له ولا تأثير, بل وأصبح ورغم ما يقدمه من تضحيات بلا قيمة, وان ما يقدمه من تضحية وبطولات ترتد عليه وبالا وزيادة انشقاق, ليس في صفه الوطني فحسب ,بل والاجتماعي ايضا ,وكلما حاول التغلب على ذلك ايمانا منه بوحدة الصف والموقف ووحدة المنهج والقيادة ايضا ,فان المؤامرات كانت له بالمرصاد عربيا ودوليا ومحليا من خلال ادوات التنفيذ, وهي نفسها التي ظهرت مع بدايات النكبة وان اختلفت اليوم المسميات الحزبية والفكرية وحتى العائلية.
ما نشهده اليوم من خلاف ما بين حركتي فتح وحماس في ظل ما يعانيه شعبنا من احتلال وتشرذم هو امتداد لنفس الخلاف الذي كان ما بين المجلسيين والدفاعيين ابان تصاعد الهبات والثورات في العقد العشريني والثلاثيني بهدف احداث الانقسام واستمراره, وان ما يدور الان من تجاذبات ومماحكة واتهامات ما بين كافة قوى وفصائل العمل الوطني ايضا هي نفس ما كان يجري داخل صفوف الحركة الوطنية وقيادة اللجنة العربية من خلافات وصراعات حول البرامج والتمثيل بهدف احداث التنازع والانفصال لإفشال حكومة عموم فلسطين ومنع أي محاولة لبلورة الكيانية الفلسطينية ,وهذا ما ادى في حينه الى التدخلات الاقليمية واشتداد التنافس ما بين سياسة االمحاور, وهو ما ادى ايضا الى ظهور الاستقلاليين كمحور ثالث في ظل امتداد الاطماع وهي نفسها ايضا التي جعلت اليوم من محمد دحلان /سلام فياض الظهور كمحور ثالث واللعب مجددا وفقا لما كان يلعبه حزب الاستقلال برئاسة عوني عبدالهادي في ظل امتداد الاطماع وزيادة التنافس بالإضافة ايضا الى اشتداد التدخلات.
وان ما يدور اليوم ما بين فصائل منظمة التحرير نفسها وباقي فصائل العمل الوطني من حيث علاقة كل منهما مدا وجزرا ,وما يصدر عنهم من تصريحات متناقضة هي نفس ما كان يحدث من تجاذبات وخلافات ما بين داخل قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية,وما بين بعض الميليشيات والأحزاب التي تم تأسيسها بتوافق عربي صهيوني في حينه ,فإذا ما كان خلاف المجلسيين برئاسة الحاج امين الحسيني مع الدفاعيين التي كان يرأسهم راغب النشا شيبي وفقا لما تم ترويجه في حينه حول كيفية مواجهة الاستعمار والصهيونية ,وأي منهما مقدم على الاخر من حيث الاولوية , فقد ثبت فيما بعد, ومما لا يدع مجالا للشك فيه ,ووفقا لما بينته الاحداث والوقائع بان حزب الدفاع ومن كان يواليه هم مجرد سماسرة وطلاب حكم ,ففي الوقت الذي بالغوا فيه بشعارات المقاومة كانوا يروجون فيه لأنفسهم مع الانجليز والصهيونية بأحقيتهم في الحكم ومقدرتهم على تمرير سياسة الاستعمار.
من هنا ,ومنعا لتكرار المواقف من حيث المتاجرة بالشعارات,ومن اجل العمل على ايقاف قلب الحقائق والابتعاد عن مواطن الشبهات, فان حركة حماس مدعوة اليوم الى الوحدة والاصطفاف على قاعدة الدولتين ووفقا لما وقعت عليه باتفاق المصالحة والابتعاد عن شعارات تدرك هي نفسها بأنها بمثابة الحبل الذي يلتف حول استمرار وجودها فيما لو انها لم ترسل ما بين الفينة والأخرى برسائل وتطمينات الى الاستعمار ومن يواليهم بأنهم الاجدر والأقوى في حفظ مصالح الجميع رغم ما يصدر عنهم من تصريحات وما ينتجونه من شعارات المقاومة والممانعة.
على الشعب الفلسطيني ان يقول كلمته الان ,ولنترك الاختيار له بتحقيق ما يعتقد انه الاصلح لقيادته والأصلب في حمايته في حال فشل كافة قوى وفصائل العمل الوطني في الوفاق والاتفاق على استراتيجية وبرامج تنهض به نحو الدولة ,لا قيادته نحو الحروب والدمار وإعادته دوما الى الخلف كلما حاول التقدم , وهنا لا استثني فتح من تحميلها المسئولية الكبرى فيما يجري باعتبارها صمام الامان للقضية الفلسطينية والعمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية ,وصاحبة المشروع الوطني المستمد من واقع شعبنا معاناة ونضالا ,وهي المطالبة وحدها ,لا غيرها ,بإعادة تولي زمام الامور ,لأننا لا نريد ان يكون بيننا دفاعيين جدد, ولا نريد من فتح ان تكون بخذلان المجلسين ,وان تكف السلطة عن المغازلة من اجل ان نبقى في حالة مراوحة في نفس المكان وبلا انجازات تماما كما كانت حكومة عموم فلسطين ,ولا نريد استقلاليين ايضا ما بين ظهرانينا ,فالقضية الفلسطينية لم تعد تحتمل احلافا وتكتلات وشراء ذمم وولاءات لأنها تمر في اسوأ مراحلها ,فإما ان نكون ,او لا نكون ,ونحن بوحدتنا جميعا يجب ان نكون.
ان ما يجري الان على ساحتنا الفلسطينية على كافة الاصعدة يجعلنا نؤكد بأنها نفسها من حيث الظروف والعوامل التي سبقت الايام الاخيرة للشهيد الراحل ياسر عرفات ,حيث انه وفي ظل متابعتنا للأحداث واستقراء واقعنا في ظل جدلية المعطيات السياسية وواقعنا الداخلي يجعلنا نجزم بان حصار السيد الرئيس محمود عباس ما هو إلا مسالة وقت تمهيدا لعزلة سياسيا وربما تصفيته هو الاخر جسديا ,وعليه فان على الجميع الوحدة والاصطفاف ,ولو على برنامج واحد للابتعاد بالقضية عن منعطف حاد وخطير, ولا نريد العودة مجددا للقيام من حيث ندري او لا ندري بتهيئة العوامل لتنفيذ سيناريو الرئيس ياسر عرفات ,فالسيد الرئيس محمود عباس لن يكون الخاسر الوحيد ,بل ان الخاسر الاكبر هو شعبنا وقضيتنا من حيث ضياع انجازات قام بتحقيقها عبر تراكمات نضالية على امتداد سنوات صراعه مع المحتل ,لان زيارة وزير الخارجية الأميركي "كيرى" للرئيس عباس ومغادرته متجهما بعد املاء اشتراطاته تماما كما كانت زيارة سابقه كولن باول للرئيس عرفات لتحذيره من الحصار والعزلة عربيا ودوليا في حال رفض الاملاءات ,وبما ان العرب اليوم في اسوا مراحلهم ,فان الفلسطينيين لن يتحصلوا ولو حتى على مجرد وعود بإحياء المفاوضات مجددا ولو بدون شروط مسبقة , بل سيدفعنا الاستعمار وأدواتهم من العرب الى المجهول لسنوات ما لم يسارع الفلسطينيون الان وقبل فوات الاوان الى الوحدة والاصطفاف وان تتوقف حماس عن اجراءات الانفصال والاستئصال والتوقف عن تصاعد وتيرة التحدي والابتزاز الذي تمارسه حول التمثيل والمعابر والانتخابات وبالتراجع عن إصرارها بعدم التخلي عن غزة ,بل والتوقف ايضا وفورا عن إيحاءاتها بالاستعداد لتولي حكم الضفة بديلا عن السلطة الفلسطينية.
وعلى السيد محمد دحلان ايقاف تحالفه مع الدكتور سلام فياض مع وقف المقامرة بمصير الشعب وقضيته تحقيقا لأجندات الغير ,وذلك من خلال الاعلان عن استعداده بتسليم نفسه للقضاء للفصل في القضايا الملاحق بشأنها , مع الايعاز لأتباعه بضرورة التوقف عن حملة منظمة ارى انها قد بدأت من خلال وسائل الاعلام (مواضيع برامج حساسة قصد دغدغة عاطفة الشارع وإثارته, التنازع على تمثيل نقابي) ,تماما كما كان قد بدا حملته ضد الرئيس عرفات في ظل حصاره تحت عنوان المطالبة بالإصلاح, فإما ان يتم ادانته وتلقي العقوبة وفقا للقانون وبذلك تتوقف الفتنة التي يحاول اتباعه افتعالها ميدانيا ومن خلال وسائل الاعلام بفعل ما يتلقاه من مال سياسي , وإما ان يتم تبرئته والعودة الى حركة فتح وإعادة توليه كافة المناصب ووفقا للقانون ايضا وبما يحقق الوحدة ,لا لفتح فقط ,بل لكافة مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير أيضا ,حينها يمكن لنا ان نعلم بأي اتجاه نسير, كما يمكن لنا ان نضع مجموعة من الاهداف لتصبح قيد التحقيق وبما يخدم امال شعبنا وتطلعاته في التحرر والاستقلال .
الانتفاضة في تصاعد, فإما ان نتوحد من اجل الدم الذي يسيل وبذلك تتحطم كل المخططات التآمرية من الاعداء وأتباعهم على قاعدة الوحدة والاتفاق ,وإما أن نكرر اخطاء اسلافنا حيث نكون بدلك قد ادخلنا انفسنا وقضيتنا لعقود اخرى نحو المجهول من خلال تنفيذنا لنفس سيناريو حزب الدفاع الذي كان يرفض دوما وبإصرار كما حركة حماس اليوم الوحدة والاتفاق تحت عناوين ومبررات واهية ,كما اننا وبصمتنا نعيد افعال الاستقلاليين من حيث التبعية لمحاور اقليمية متواطئة مع الاستعمار وذلك من خلال التعامي عن تحالف دحلان /فياض في الوقت الذي ندرك فيه بأنه ما كان لهذا التحالف ان يحدث لولا ان تم الاتفاق على تنفيذ سياسة المحاور المتفق عليها استعماريا .
وعلى منظمة التحرير الفلسطينية ان تتوقف ايضا عن المراوحة في نفس المكان دون الابداع في خلق البدائل وخلط الاوراق فهي بذلك تكون قد اخطات تماما كما اخطا المجلسيين والحاج امين الحسيني وقيادة الحركة الوطنية نتيجة لموقف منظمة التحرير المتخاذل وغير الحاسم في حماية الكيانية الفلسطينية "السلطة الفلسطينية" تماما كخذلان المجلسيين والحاج امين الحسيني في عدم حماية تجربة الكيانية الفلسطينية "حكومة عموم فلسطين , فعلى منظمة التحرير ان تحسم امرها لأنها ما زالت تملك من اوراق الضغط ما يجعلها قادرة على تحقيق اهدافها ..حينها يمكن لنا ان نقول لتستمر الانتفاضة ,وان الدم لن يذهب هدرا ,وإلا فما علينا إلا ان نتوقف عن الدعوة الى تصاعدها ولنعترف بأننا ذاهبون الى المجهول, ويا خسارة الدم.
بقلم:ماجد هديب