بدأت بعض الأصوات في إسرائيل تعبر عن خشيتها مما أسمته بالكابوس، وتعني بذلك أن تنتهي السلطة وتجد إسرائيل نفسها ذات صباح مسؤولة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية "خسارة أن غزة خارج الحسابات"، هذه التخوفات أصبحت جزءا من السيناريوهات الواقعية التي يتم تداولها بجدية داخل المؤسسة الإسرائيلية، فقد ناقش المجلس الوزاري المصغر "الكابينيت" قبل أسبوعين ذلك السيناريو وسط انقسام الآراء بين الجيش والمؤسسة الأمنية من جهة التي تعتقد بأهمية بقاء السلطة وكيفية تقويتها، ومن جهة أخرى المستوى السياسي الذي يقوده اليمين بات يرى أن في وجود السلطة ما يشوش على مشروعه بالسيطرة على الضفة الغربية على المستوى الدولي.
صحيح أن وجود سلطة وطنية في الضفة الغربية هو بجانب وجود السكان بالرغم من قضم الأراضي، لكن تكامل السلطة والسكان يكفي بنظر العالم للدفع باتجاه استقلال الفلسطينيين وإعطائهم دولة، وذلك لم يعد يقبله اليمين الجديد في إسرائيل الذي لا يبالي بالحديث عن حل أو انهيار السلطة والذي أصبح قيد النقاش العام، وهو ما حذر منه وزير الخارجية الأميركي جون كيري عندما تحدث في مؤتمر مركز صابان، هذا لم يكن تحذيرا عابرا بقدر ما أنه قد يصبح حقيقة كما قالت أوساط إسرائيلية والتي اعتبرت أن الولايات المتحدة هذه المرة تجيد قراءة الواقع الفلسطيني.
إذن، الأمر لم يكن عابثا في تصريح كيري، فالوقائع على الأرض تؤكد ذلك سواء من ناحية إسرائيل التي تعيد صياغة العلاقة مع الفلسطيني بما يتعارض مع الاتفاقيات الموقعة أو أنها تمارس روح تلك الاتفاقيات بما يضمن السيادة الإسرائيلية على كل شيء مبقية للسلطة قضايا هامشية إنسانية بعيدا عن القضايا الوطنية، بالرغم من أن الوظيفة الأولى للسلطة وفقا لما جاء وهي التفاوض مع إسرائيل على حل الدولتين، وقد توقفت المفاوضات أو أوقفت لأن اليمين المعارض للاتفاقيات ظل أمينا على عهده الذي قطعه بإلغاء اتفاق أوسلو، وها هو الآن يتسيد سدة الحكم والقرار.
في آذار العام الماضي توقفت المفاوضات، لم يكن توقفا عابرا أو مؤقتا كما كان يحدث خلال العقدين الماضيين، تاركاً فسحة من الأمل باستئنافها، بل أن ما حدث هو إعلان موتها إلى غير رجعة، فقد كانت فرصة كيري للأشهر التسعة هي الأكثر جدية وأيضا كانت الفرصة الأخيرة بعدها ليس كما قبلها، فهي الاختبار الحقيقي والنهائي، وقد قدمت آخر الحكومات إجابتها النهائية مسدلة الستار على تاريخ طويل من المماطلة والخداع مارسه جميعهم.
لم يكن ما قالته إسرائيل في نهاية فرصة الأشهر التسعة سوى تتويج للوقائع التي كانت تفرض على الارض والتي أنهت عمليا حل الدولتين من خلال جملة من الاجراءات المنظمة جدا، تسير وفقا لبرنامج كانت كل حكومة من حكومات العقدين الماضيين تقوم بما هو مطلوب منها فيه وتسلم للأخرى دورها في ذلك البرنامج، وقد ثبت أن دور أية حكومة لم يختلف عن أخرى في البناء الاستيطاني والذي لم تكن مصادفة فيه أن حكومة باراك العمالية كانت أكثرها استيطانا بين حكومات تشكلت بعد عقد ونصف من أوسلو.
كانت تلك الحقيقة مدعاة لتساؤلات فلسطينية حول ما العمل؟ وهو السؤال الذي كان يطرح في الأروقة العامة وأيضا الخاصة لدى مؤسسة القيادة التي عكفت منذ عام ونصف العام توسع دائرة المشاورات باحثة عن خطط عمل لسيناريوهات إدراكها للحقيقة، فقد تم إجراء المشاورات بهدوء بعيدا عن الإعلام مع السياسيين والمثقفين ومراكز الدراسات وتضمن هذه الخطط بدائل السلطة، وهو السؤال الذي تقاطع مع السؤال المتأخر للكابينيت الإسرائيلي الذي ربما تسرب إليه جزء من خطة السلطة والتي أطلقت عليها الأروقة الخاصة الخطة "ب" وهو نفس السيناريو الذي جاء تحذير جون كيري ربما لمعلومات وصلته أو ربما تقدير لما هو قائم، ولكن الولايات المتحدة نعم تقرأ ولكنها تستند إلى معلومات ومعلومات دقيقة.
الخطة "ب" موجودة منذ أشهر في الأدراج، وقد قدمت إجابات على تساؤلات كثيرة، بل أن عناصرها تشكل خارطة طريق متدرجة، فقد كانت التعقيدات الأبرز وهي الجهاز الحكومي البيروقراطي والسكان والقضاء في ظل غياب السلطة الوطنية .. أجابت الخطة التي تم طبخها في دوائر مغلقة جدا على السيناريو الذي دفعت الحكومة الإسرائيلية الأمور باتجاهه أو أرادت أن تبقى السلطة منزوعة الدسم السياسي والوطني بلا مفاوضات، وفقط تقوم بالدور الإنساني تجاه المواطنين، وأن يتم تحويل هذا الوضع إلى وضع ثابت ودائم.
لقد صدرت بعض الإشارات من أطراف في القيادة الفلسطينية تؤشر لما تفكر به القيادة الفلسطينية، لكن أبرزها ما قاله عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد شتية في لقائه مع الصحافيين الأجانب والذي أشار فيه إلى أن التحرك الفلسطيني سيبدأ باتجاه تنفيذ بعض الخطوات الفلسطينية، وهو ما يعني الذهاب نحو مرحلة جديدة مختلفة عما سبقتها، والإشارة الأبرز هو ما تحدث به شتية حول وضع الاستاتيكو القائم والرغبة بتغييره.
هل أخرجت القيادة الفلسطينية والرئيس الخطة من الدرج؟ ربما ذلك، فالمراقب للامبالاة الفلسطينية تجاه شكل العلاقة مع إسرائيل، والتهديدات المتصاعدة بوقف تنفيذ بعض ما جاء في اتفاقيات أوسلو، وتخفيض مستوى التنسيق الأمني بحيث أصبح بين صغار الضباط وبإذن مباشر من الرئيس أبو مازن، وما يصدر عن بعض المسؤولين يشير إلى أننا ربما على أعتاب مرحلة جديدة ومختلفة باتت تدركها إسرائيل والولايات المتحدة، فلم تكن اجتماعات الكابينيت مصادفة، ولم يكن أيضا تصريح وزير الخارجية الأميركي مصادفا أيضا.
التاريخ لا يسير دوما بقرارات وتخطيط مسبق، قد يسير أحيانا إلى حيث تستدرجه الأحداث وأحيانا على غير رغبة الأطراف الفاعلة، نحن أمام استعصاء .. أمام نهايات طبيعة لمسار سار خاطئا ووصل إلى الحائط .. نحن أمام إسدال الستار على حل الدولتين .. وجود السلطة مرتبط بحل الدولتين عن طريق المفاوضات .. انتهت المفاوضات وانتهى حل الدولتين، ماذا بعد؟ هذا هو السؤال الذي يشغل الجميع، فالسياسة لا تعرف الفراغ الذي يريده الإسرائيلي في المكان، الحركة هنا تلقائية .. المحطات الأولى تسلم ما بعدها .. هل حان الدور للخطة البديلة ؟ قد نكون أمام ذلك ..!
أكرم عطا الله
2015-12-13