بسم الله الرحمن الرحيم
من الواضح أن انتفاضة وثورة القدس باتت تمتلك " ديناميات " و" ميكانيزمات " والعوامل الذاتية والموضوعية التي تجعلها في حالة من الاستمرارية والتطور والإبداع والابتكار والتصاعد ، وايضاً التنوع والتكامل في الفعل المقاوم الميداني ، والعمل الاجتماعي / التكاملي ، والذي هو نهج وسلوك مقاوم ، لايقل أهمية عن كافة أشكال المقاومة الفلسطينية ( الجمعية أو الفردية أو الفصائلية ) في ميدان المواجهة المباشرة مع جنود العدو وقطعان مستوطنيه ، وهاهي تسير انتفاضة وثورة القدس نحو شهرها الرابع واثقة ، قوية ، متوازنة ، منضبطة ، متناسقة خطواتها ومنسجمة مع إرادة الشارع والجمهور الفلسطيني ، إنها انعكاس حقيقي لنبض الشارع الفلسطيني ، ولذلك للابد أن يكون الخطاب الإعلامي والسياسي الفلسطيني الرسمي والفصائلي ، ولكل الشخصيات العامة ، السياسية والاعلامية ، ولكل الحريصين على الظهور الإعلامي عبر الفضائيات متناسقاً مع أحداث وفعاليات الإنتفاضة / الثورة ، ومنحازاً كلياً لصالحها ، وانعكاس حقيقي لما يفكر ويرغب به الشارع والجمهور الفلسطيني ، ويتوجب على الجميع أن يُحسِن الإستماع إلى ( نبض الشارع الفلسطيني ) ، وفي هذا المقال أقترح بعض النقاط التي آمل أن يتم التركز عليها في الخطاب الإعلامي والسياسي الفلسطيني ، وهي :
1ــ التأكيد على مظلومية الشعب الفلسطيني ، وأحقيته في وطنه وأرضه ومقدساته ، وتذكير العالم بإغتصاب أرضه وإحتلال وطنه ومقدساته ، وتهجيره وطرده من وطنه ، وإبراز حجم معاناته ومآسيه العديدة.
2ـــ الحديث بإسهاب عن حالة التوحش والإرهاب والإجرام الصهيوني ، وضرب أمثلة دقيقة وصادقة عن ذلك بالأسماء والتواريخ والوقائع ، وخصوصاً المجازر البشعة التي ارتكبها العدو منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم ضد شعبنا ، بالاضافة إلى جرائم الحرب المنظمة التي نفذها وينفذها العدو بشكلٍ مستمر ضد الشعب الفلسطيني .
3ـــ الحديث عن الإستيطان وخطورته ، وأنه رأس الرمح للمشروع الصهيوني الإستعماري ، الذي يسعى للقضاء على الكيانية والكينونة الفلسطينية بمعلومات تفصيلية ودقيقة ، بعيداً عن لغة الإنشاء ، والعمومية ، وتوضيح مخاطر مشروع الإستيطان ، وتهديده للسلم والآمان الأهلي والإجتماعي الفلسطيني ، وتأثيره على شكل وطبيعة الحياة الإنسانية والآدمية للفلسطينيين ، وتهديده للديموغرافيا الفلسطينية ، والإقتصاد الفلسطيني ، وتدميره للبنية الزراعية الفلسطينية ، ومصادرته لأراضي الفلسطينيين ، وشرح الطبيعة العدوانية وسمات التوحش للمستوطنين.
4 ـــ التأكيد على أننا ضحايا ، ولسنا معتدين على أحد ، وأننا الطرف المُعتَدى عليه ، من قبل عصابات التوحش والاستيطان الصهيوني ، ومن جيش وشرطة وأجهزة أمن العدو الصهيوني ، وأننا دوماً ضحايا للعنف والإجرام الصهيوني المنظم ، وأن شعبنا ثورته ومقاومته الفلسطينية هي في حال دفاع عن النفس والأرض والوطن والوجود.
5ـــ التأكيد على الطبيعة العدوانية والوحشية والإجرامية للعدو والمشروع الصهيوني ، وضرب أمثلة دقيقة من التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر ، ومن الحاضر ، وتعداد المجازر الوحشية التي إرتكبتها ومازالت ترتكبها العصابات الصهيونية ، والدولة الصهيونية وجيشها وأجهزتها المختلفة .
6 ــــــ توضيح أننا شعب مسالم ، تعرضنا ومازلنا نتعرض يومياً للإعتداءات والجرائم الصهيونية ، والحروب وجرائم الحرب الصهيونية المنظمة ، والهدف من ورائها ابادة الشعب الفلسطيني المرابط فوق ارضه وشطبه وقضيته من الوجود .
7ـــ نحن في حالة دفاع مشروع عن النفس ، ولا نمتلك جيشاً منظماً، أو قوات عسكرية نظامية ، ولا نمتلك أسلحة ومعدات عسكرية متطورة .
8 ــــــ شرح مستوى وشكل الدعم الأمريكي للعدو الصهيوني مالياً ، عسكرياً ، إقتصادياً، سياسياً ، وأمنياً ، وعلى كل المستويات .
9ـــ تأكيد أحقيتنا ، وإختصاصنا وحدنا كمسلمين بالحرم القدسي الشريف والمسجد الآقصى المبارك ، وعدم وجود أية علاقة لليهود بهما والبالغة مساحته الإجمالية (144دونم ) ، بما فيه ساحة البراق الشريف وحائط البراق الشريف ، الذي إغتصبوه منذ قرابة مائة عام بدعم من الإحتلال البريطاني آنذاك ـــــــ رغم ماقدمه الشعب الفلسطيني من آلاف الشهداء والجرحى والمعتقين خلال ( ثورة البراق ) التي تفجرت أحداثها العام 1929 للدفاع عن ملكية وإختصاص المسلمين وحدهم بحائط وساحة البراق الشريف ، وكل الحرم القدسي الشريف ـــــــ ، وقد قام الإحتلال الصهيوني عقب نكبة 1948، ونكبة 1967 بتغيير ملامح المنطقة كلها بدءً من حي باب المغاربة الذي قاموا بتدميره كليا ، وإنتهاء بساحة وحائط البراق الشريف ، بالإضافة الى الكثير من معالم الحرم القدسي الشريف والأوقاف الاسلامية الملتصقة به التابعة له في البلدة القديمة من القدس الشريف ، ومصادرة جميع الأوقاف الاسلامية التابعة للحرم القدسي الشريف والمخصصة له في القدس الغربية وضواحي العاصمة الفلسطينية المقدسة .
10ـــ نسف الروايات والدعايات والإدعاءات والأكاذيب والأساطير الصهيونية / التلمودية حول طبيعة الصراع القائم على أرض فلسطين ، وفي مقدمة هذه الأكاذيب أحقية اليهود في أرض فلسطين ، ومقدساتها ، وأن الفلسطينيين إرهابيون ، بينما الحقيقة التاريخية والدينية والتراثية والحضارية والواقعية ، تؤكد أنه لاتوجد أية علاقة لليهود ولــــ " بني إسرائيل " بفلسطين التاريخية ، ولم يكن هناك منذ فجر التاريخ أي وجود يهودي أو إسرائيلي على أرض فلسطين التاريخية ، ولايوجد في التاريخ شيئاً إسمه ( هيكل سليمان ) ، عدا عن وجود هذا الهيكل المزعوم في القدس أو مكان المسجد الآقصى المبارك ، وأن مملكة النبي سليمان ( عليه السلام ) ، وكذلك مملكة النبي داوود ، لم تكن أصلاً في فلسطين ، ولم تكن هناك أية مملكة لليهود قط لا في فلسطين ولا في أي مكانٍ من بلاد الشام ، ومن المهم التأكيد أن الكيان الصهيوني تأسس على جملة من الأكاذيب والمزاعم والخرافات والروايات والأساطير التلمودية الكاذبة ...
11ــــ من المهم التوضيح أن الله ــــــ سبحانه وتعالى ـــــــ قد اختص بكرمه ولطفه ورحمته وعظمته وقدرته وجلاله وحكمته وسلطانه ، بيت المقدس الشريف وأرض فلسطين ، وبلاد الشام كلها ( من العريش إلى الفرات ) ــــ مصداقاً لحديث النبي الأكرم الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بالقداسة والبركة والطُهر ، وبالمكانة المميزة ، وجعل الله ــــ سبحانه وتعالى ـــــ بيت المقدس الشريف ، والمسجد الآقصى المبارك مسرى النبي الأكرم ، وسيد الأنبياء والمرسلين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وجعلهما العلي القدير قبلة الإسلام والمسلمين الأولى ، وربط الله بينهما وبين مكة المكرمة والمسجد الحرام برباطٍ وثيق ، وجعل فيها ثالث الحرمين الشريفين الذي باركه ، وبارك ماحوله ، ومن حوله ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الآقصى الذي باركنا حوله ) ــــ سورة الإسراء ــــ ، وجعل الله ( سبحانه وتعالى ) من بيت المقدس وفلسطين المباركة بوابةً لمعراج النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والأنبياء ( عليهم الصلاة والسلام ) ، والمسلمين والخلق جميعاً نحو السموات العُلا ، وهي بمشيئة الرحمن الجليل بوابة المسلمين نحو الجنة ، والإنعتاق الأبدي ، والحرية والمجد والخلود .
12ــــــــ التوضيح أنه ورغم كل الحملات الإستعمارية الكثيرة جداً التي تعرضت لها منطقتنا عموماً ، وبلاد الشام شرق المتوسط وفلسطين خصوصاً ، فلم تكن أبداً بلاد الشام وفلسطين في يومٍ من الأيام لغير العرب الكنعانين ، ومنذ الفتح الإسلامي العمري المبارك ، فقد أصبحت فلسطين وبيت المقدس تتبع مباشرةً صدر الخلافة الإسلامية مباشرةً ، نظرا لأهميتها الدينية والتاريخية لدى العرب والمسلمين ، وهذه السنة العمرية الشريفة توارثها الخلفاء جميعاً عن الخليفة الراشد العادل عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ، وبقيت مستمرة حتى سقوط الخلافة العثمانية ...
13ـــــــ ضرورة أن تتم الإشارة والتنويه في خطاباتنا وأحاديثنا ، إلى كل من ساند شعبنا وقضيتنا الفلسطينية العادلة ، ووقف إلى جانبنا ، سواء من الأشقاء العرب والمسلمين ، والأصدقاء والحلفاء من الدول والشعوب الصديقة ، أو حركات التحرر الوطني العالمية ، والمنظمات الإقليمية والدولية التي ناصرت وتناصر الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة ، وفي هذا الجانب يجب أن يمتاز خطابنا الإعلامي / السياسي بالذكاء والحنكة ، وتقدير كل من وقف الى جانب ثورتنا ومقاومتنا الفلسطينية الحديثة والمعاصرة ، وإلى جانب قضيتنا ، دون التدخل في أية خصوصيات للدول العربية و الإسلامية ، أو الإقليمية ، ومن المهم أن يتركز حديثنا الإعلامي / السياسي حول كل ماله علاقة بالشأن الفلسطيني والقضية الفلسطينية ، دون نسيان شكر وتقدير كل من له فضل أو دعم ومؤازرة ومساندة لشعبنا وقضيتنا ومقاومتنا وثورتنا .
14ــــ ضرورة الإبتعاد عن كل مايمكنه أن يجرنا إلى مستنقع الخلافات المذهبية ، أو الطائفية ، او الإقليمية ، أو السياسية أو العربية ، أو الإثنية ، والإبتعاد عن كل شيئ يمكنه أن يساهم في إضعاف التأييد العربي والاسلامي والدولي لقضيتنا العادلة ، من خلال التورط أو الغوص في أي نوع من انواع الخلافات التي تشهدها منطقتنا الاسلامية والعربية ، او أية مناطق ومحاور أخرى على مستوى الإقليم أو العالم .
15 ـــــ ختاماً : يجب أن يكون الخطاب الإعلامي والسياسي الفلسطيني خطاباً واقعياً مقنعاً ، معتمداً على الحقائق والمعلومات والبيانات الصادقة والدقيقة والمؤثرة ، فنحن نعيش وسط عالم متحضر يحترم عقله ، وعلينا في خطابنا الموجه للعالم من حولنا أن نحترم عقول من نخاطب .... وأن نستخدم اللغة والمصطلحات التي يمكنها أن تساهم في خلق رأي عام مناصر ومؤيد لقضيتنا العادلة ولشعبنا المظلوم ، ولإنتفاضتنا وثورتنا المباركة ، انتفاضة وثورة القدس الشريف .
وإنها لثورة حتى النصر والحرية والإستقلال .
بقلم د.محمدأبوسمره
مفكر ومؤرخ إسلامي / فلسطيني ـــــ فلسطين المحتلة / غزة
رئيس الحركة الإسلامية الوطنية في فلسطين ( الوسط ) ، ومركز القدس للدراسات والإعلام والنشر .
البريد الإليكتروني [email protected]