تحية وفاء لنسر المقاومة الشهيد سمير القنطار

بقلم: عباس الجمعة

ما أصعب الكلام عندما تتحدث عن رفيق واخ وصديق ومناضل انه الشهيد المناضل عميد الاسرى العرب المحررين سمير القنطار بطل عملية نهاريا البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية عام 1979، حيث ليس أصعب من الكلام في حضرة الشهداء عن الشهداء، حتى لو خرجنا من تلك العقدة، وبدأنا الكلام كما نفعل الآن يبقى السؤال المر عالقا في الحلق، ما جدوى الكلام .

الإجابة فقط خطها الشهداء والأسرى والجرحى والمطاردون من ابناء المقاومة ،ولأمانة سمير القنطار ، الثائر ، الأسير..المطارد ، والقائد الشهيد الذي جمع المجد من أطرافه كلها كان هذا الجهد الذي صنعه سمير ورفاقه ، وما كان منا إلا الجمع والترتيب وإضافة هذه الكلمات .

سمير القنطار تلك الكلمة العظيمة التي لم يحملها الشهيد البطل كاسم فقط بل جسدها بروعة في واقع النضال لدرجة انك لو بحثت له عن اسم فلن تجد غير كلمة سمير لتطلقها عليه، ففي الحياة الاجتماعية كان صدره وسلوكه مفعم بالدفء والحنان وروح التعاون ، وفي الجانب النضالي جسد أسطورة رائعة من الانتماء والتواصل النضالي منذ نعومة أظفاره ، فمنذ الرابعة عشرة من عمره وحتى يوم استشهاده وشعار التواصل النضالي لا يفارقه قولاً وعملاً، ففي الأسر كما بعد التحرر كان دائما ممتشقا سلاح النضال حتى يطبق شعاره الشهير، لن أكون عبداً للمرحلة لأنني لن أعيش سوى مرة واحدة وسوف أعيشها بشرف.

بتاريخ 31 كانون الثاني/ يناير 1978، اختير المناضل سمير القنطار هو واثنان من رفاقه لتنفيذ عملية عبر الحدود الاردنية في ‏منطقة بيسان داخل فلسطين لكنه اعتقل من قبل السلطات الاردنية ‏وسجن لمدة ثمانية اشهر واطلق سراحه، إلا أنه ‏عاد الى لبنان وصمم على النزول بعملية نهاريا البطولية في 22 نيسان 1979 حيث اشرف على ‏هذه العملية امين عام جبهة التحرير الفلسطينية الشهيد القائد ابو العباس ورفيق دربه سعيد اليوسف.

وفي 22 أبريل 1979 تسلل القنطار عندما كان في ال16 ونصف من عمره، مع عبد المجيد أصلان، مهنا المؤيد، احمد الأبرص، من ابطال "جبهة التحرير الفلسطينية" عبر الحدود اللبنانية بحرا في قارب مطاطي. وعند وصولهم إلى مدينة نهاريا، حيث اشتبكوا مع قوات الاحتلال الصهيوني ودرات معركة عنيفة ،والمميز في عملية نهاريا ان المجموعة استطاعت اختراق حواجز الاسطول السادس واخفوا الزورق عن ‏الرادار وحرس الشاطئ، بدأت العملية في الثانية فجرا واستمرت حتى ساعات الصباح، ووصلت ‏المجموعة الى شاطئ نهاريا حيث يوجد اكبر حامية عسكرية اضافة الى الكلية الحربية ومقر ‏الشرطة وخفر السواحل وشبكة الانذار البحري ومقر الزوارق العسكرية الاسرائيلية شيربورغ) ‏اقتحمت المجموعة احدى البنايات العالية التي تحمل الرقم 61 في شارع جابوتنسكي وانقسمت ‏المجموعة الى اثنتين، واشتبكوا في البداية مع دورية للشرطة وحاولوا الدخول الى منزل يملكه ‏‏(امون سيلاع) يقع على الشاطئ مباشرة، وبعد ذلك اشتبك افراد العملية مع دورية شرطة ‏اسرائيلية فقتل الرقيب (الياهو شاهار) من مستوطنة معلوت.

‏ وبعدها استطاعت المجموعة اسر عالم الذرة الاسرائيلي (داني هاران) واقتادوه الى الشاطئ، ووقعت المعركة الرئيسية عندما حاول سمير الاقتراب من الزورق وفي هذه المعركة استشهد احد ‏رفاقه واصيب رفيقه الاخر بجراح بالغة كما ان سمير قد اصيب بخمس رصاصات في انحاء جسده كافة، ‏وبعد ان استقدمت قوات العدو وحدات كبيرة من الجيش دارت اشتباكات عنيفة على اثر احتماء ‏سمير وراء الصخور، ونجح سمير باطلاق النار على قائد قطاع الساحل والجبهة الداخلية الشمالية ‏في الجيش الاسرائيلي الجنرال (يوسف تساحور) حيث جرح بثلاث رصاصات في صدره ونجا باعجوبة. وكانت الحصيلة النهائية للعملية ستة ‏قتلى من بينهم عالم الذرة داني هاران واثنا عشر جريح، وبعد هذه المعركة مع ابطال العملية فلقد استشهد منهم اثنان هما عبد المجيد اصلان ومهنا المؤيد واعتقل سمير ‏القنطار واحمد الابرص.

في 28 يناير 1980 حكمت المحكمة الإسرائيلية على سمير القنطار بخمس مؤبدات مضافا إليها 47 عاما (إذ اعتبرته مسؤولا عن قتل 5 أشخاص وعن إصابة آخرين). تم إطلاق سراح الأبرص في 21 مايو 1985 في إطار صفقة تبادل الأسرى بين الاحتلال و الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بينما تم الإفراج عن سمير قنطار في 16 يوليو 2008 في اطار صفقة تبادل الأسرى بين "إسرائيل" وحزب الله.

تم الأفراج عن سمير القنطار يوم الأربعاء 16 يوليو 2008 في صفقة تبادل بين حزب الله والعدو تم بموجبها الإفراج عنه وعن أربعة أسرى لبنانيين من مقاتلي حزب الله، اعتقلوا في حرب يوليو 2006، وجثث 199 لبناني وفلسطيني وآخرين، مقابل تسليم حزب الله جثث الجنديين الإسرائليين اللذين تم قتلهم في عملية "الوعد الصادق" في يوليو 2006.

واصل مشواره النضالي منذ اليوم الأول لتحرره من الأسر، مقاوما في المقاومة الاسلامية لم يترك موقعه بمواجهة العدو الصهيوني

ان أكثر المواقف التي يمكن للمرء الحديث عنها، للمناضل الشهيد سمير القنطار بانه معروف برجل المواقف الشجاعة والشهامة والتضحية، الإنسان عند سمير موقف، إما أن تكون أو لا تكون، تلك هي قناعاته التي عاشها طوال حياته، تلك القناعات التي كان يدفع مرات كثيرة ثمنها غاليا وتجده مسرورا غير عابىء بالنتائج الشخصية، لقد أرضى ضميره وقناعته.

ما أعظم روحه، أجمل شيء لديه انه مقتنع بعمق أن مهمة النضال تقع على عاتق كل المقاومين الذين يحملون الإيمان الثوري، فهو احب الشهيد القائد ابو العباس واقواله ومواقفه و أحلامه الثورية بحرارة وتوقد الذي كان يجد فيه الثورة ونار التضحية، واجترح المعجزات.

من هنا نقول إن الشهداء لا يمرون في صفحات تاريخنا إلا حروفاً وكلمات معمدة بالدم وسطوراً نسجت من أشلائهم الممزقة .

فسمير القنطار واحد منهم ينبغي أن يستلهم عند كل موقف و منعطف، بمأثرة الشهداء الأبرار، وان يزداد صلابة وتمسكاً بالقضية والموقف، و كلما ساور أحدنا الوهن أو الشك فثمة في مواقفهم ما يغني وينير لنا الطريق و يقودنا للنصر المحتم.

ان سمير القنطار بعد انتصارات المقاومة في لبنان وتحريره من الاسر رآى في سماحة سيد المقاومة السيد حسن نصرالله الامين العام لحزب الله الوالد والقائد وفي المقاومة وجد الجواب، حيث انسجم بنظريته مع الممارسة في بوتقة القضية و الموقف، فكان نموذج وطراز ، تألفه وتصادقه بيسر خلال اقل من دقيقة معه، بعد أن يغادرك تحتاج بل تشتاق للقائه، ففي طفولته معالم رجولة صارمة، و في رجولته ملامح طفولية تكثف البراءة والنقاء والشفافية، ولا أبالغ حين أقول انه يطرح في سلوكه إنسانيته وغناها دون تكليف.

سمير القنطار المقاوم رسم شخصيته النضالية أكثر يسراً وأسهل استيعابا، عرفته عن كثب كوني كنت رفيقه ومن أبناء جيله، كان الأكثر تميزا في ثباته واستمراره، و بعد أن تحرر من الأسر كان مثقفاً متكلماً يحمل عبارات مصقولة وعميقة، في اندفاعه وحماسة ودعابته واستعداداته للاستمرار في المقاومة، فهو لم يصدأ ولم يهرم ولم يمرض وبقي شامخاً شاباً يتدفق حيوية واستعداداً للعطاء، وانخرط في مهامه بسرعة بعد أن أنهى واجباته نحو أسر رفاقه الأسرى الذين يحمل همومهم ، وفتح ذراعيه لمهام النضال في المقاومة الاسلامية وحزب الله مستعداً لها من ابسطها إلى أكثرها تعقيداً، لتفتح له آفاقاً رحبة ولتفجر إمكاناته وثورته للنضال والقتال، فكان مقداماً ورجلاً فولاذياً، لم تنحن ركبتاه، وظل رأسه مرفوعاً إلى الأعلى ، وعيناه مصوبتين نحو الشمس المشرقة على أسوار القدس، فاستشهد قابضاً على جمرات العقيدة والموقف والمبدأ بيد، وعلى زناد الرشاش باليد الأخرى .

هذا هو سمير القنطار يؤكد للأعداء و للأصدقاء، انه ليس عملاقاً خارقاً غير عادي، بل إنسان، وان الإنسان حين يطارد ذاته فلديه من الإمكانات التي إذا تحررت تحوله ألي عملاق.

وامام كل ذلك انحني أمام هامة سمير القنطار القائد المقدام والشجاع، وحتى أكمل دائرة الحقيقة أقول، ما كان لسمير أن يمتلك هذه العظمة ويستحق هذا التقدير لو لم ينشأ في كنف أسرة ومجتمع ساعد في تكوين شخصيته، واكتسب منها عناصرها ومقوماتها، فقد ولد لأم تتدفق إنسانية، وأب صارم في قسماته صلب شفاف ولطيف في معاملته، واخ حمل قضيته كاسير ومناضل، فتشعر بالدفء والراحة ومشاعر الحب الموشحة بالهيبة والاحترام، و أخوات جميعهن بين الصلابة وغنى المشاعر الإنسانية والانتماء العالي للواجب، وفي المجتمع العائلي الذي تخطى الأسرة سمات تتقاطع مع سمات أسرته، وزوجته اعلامية صلبة الذكية الإنسانة التي شاطرته الحياة وتودعه وهي تعتصر الألم، على الرغم من أن زواجهما لم يتعد الثلاث سنوات أو يزيد عنها بقليل.

ختاما : لا بد من القول ، طوبى للمناضلين وللقادة الذين تقدموا الصفوف في التضحية، فاعطوا نموذجا يحتذى، لشعبنا وامتنا ومقاومتنا ، ونحن نعاهد سمير القنطار بأننا سنبقى اوفياء لارثه النضالي المتقدم في مسيرة الكفاح والنضال والمقاومة، وان سمير باستشهاده وهو يقبض على جمر النضال والتضحية، كان شعاره تحرير الارض والانسان .

بقلم/ عباس الجمعة