أمهات الشهداء ينتصرن على نتنياهو

بقلم: منير شفيق

في الثاني من العام الجديد، في مقابلة مع وكالة الشرق الأوسط المصرية غيَّر محمود عباس رأيَه في الانتفاضة، وقد سبق أن أسماها “الهبّة الجماهيرية” واعتبرها عفوية لا يستطيع أحد أن يدَّعيها، ووجد العذر للشباب الذين أطلقوها بسبب ما أصيبوا به من يأس بسبب عدم قيام الدولة الفلسطينية وفشل حلّ الدولتين. ففي الثاني من كانون الثاني/ يناير، ربما كان التصريح قبل أن تذيعه قناة فلسطين قد أطلقه قبل يوم أي الأول من كانون الثاني/ يناير في ذكرى الرصاصة الأولى التي أطلقتها فتح، أعلن السيد الرئيس عن استعداده مجددا للتفاوض والتخلص من التوتر الجاري الآن.
وبهذا أصبح ما أسماه محمود عباس “الهبّة الجماهيرية” قد تراجَعَ عنه، وندم عليه ليكشف أفكاره ومشاعره الحقيقية نحوه، وهو وصف “توتر”، الأمر الذي يعني أن الوصف الخافي أسوأ وأمَرّ.
والأنكى أنه لم يربط بين الخلاص من “التوتر” من جهة وفتح باب التفاوض من جهة أخرى، وإنما قال يجب التخلص من هذا التوتر. لأن المطالبة بثمن قد يُفهَم منه أنه مع “التوتر” والعياذ بالله. فرهانه الآن ومع إنهاء التوتر، هو أن تنجح مساعي اللجوء إلى الهيئات الدولية باعتبارها الاستراتيجية التي ستحقق هدف العودة إلى المفاوضات.
يعني، باختصار، أن على كل من يأمل أن يُغيِّر الرئيس رأيه في رفضه للانتفاضة عليه أن يُراجِع نفسه. ويتأكد أنه واهم. وأن على كل من تفاءل، ولو في أدنى مستوى، من أن محمود عباس يقف إلى جانب “الهبّة الجماهيرية” أو أنه يرفع اللوم عن الشباب الذي أطلق الهبّة”.
أو بعبارة أخرى أراد محمود عباس بتسمية ما يجري بالتوتر، ومطالبته بإنهاء هذا التوتر فورا، أن يقول لكل من يفترض بأن عليه أن يراجع استراتيجيته الفاشلة في التفاوض والتسوية، كما امتدادها في اللجوء إلى الهيئات الدولية لإنقاذها من الفشل أنك تطلب المحال. بل يقول له، وبلا مداورة “فالج لا تعالج”. فمن يريد الانتفاضة ودحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وإطلاق الأسرى وفك حصار قطاع غزة عليه أن يشقّ طريقه بعيدا من محمود عباس.
ولكن المشكلة هنا مرتبطة بقيادة حركة فتح وبقيادات الفصائل التي ارتضت لنفسها أن تعتبر استراتيجية محمود عباس معبِّرة عن الخط السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ومجلسها المركزي ولجنتها التنفيذية. وأن المقصود هنا، بصورة خاصة، إلى جانب قيادة فتح، كل من قيادات الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، وبالطبع بقية المشاركين في م.ت.ف.
والسؤال هل سينطبق أيضا على كل الذين يشاركون محمود عباس في قيادة فتح وم.ت.ف قوله “فالج لا تعالج”. إذ سيبقى هنالك للكثيرين موقفان أحدهما يعلن دعمه للانتفاضة وفشل استراتيجية التفاوض وحلّ الدولتين، وثانيهما الاستمرار في تغطية موقف محمود عباس، عمليا.
هذا التناقض آن له أن يُحسَم.
أطلق محمود عباس وصف توتر على ما سبق وأسماه “هبّة جماهيرية” في الوقت الذي كانت عشرات الألوف، وفي الأغلب مئات الألوف في مدينة الخليل وسعير وبيت أمّر وبيت أُوْلى يشيّعون سبعة عشر شهيدا، وهو ما تتهيّأ له القدس والمدن والقرى الأخرى له إذ تنتظر تسلّم جثامين شهدائها الذين تحتجزهم قوات الاحتلال لتشييعهم بمئات الألوف كذلك، وبما يشبه الإجماع الشعبي في القدس والضفة الغربية بإعلان الدعم لشهداء الانتفاضة.
إن تسليم العدو لجثامين سبعة عشر شهيدا لمدينة الخليل وسعير وبيت أمّر وبيت أُوْلى جاء نتيجة الموقف الصُلب الذي تجلّى من خلال اعتصام أمهات الشهداء وإصرارهن على تسلّم الجثامين بلا قيد أو شرط، ليُصار إلى تشييعهم بما يليق بهم من حشود شعبية بعشرات ومئات الألوف. وقد كسَرْنَ إرادة العدو لتسليمهم ليلا ودفنهم فورا.
وبهذا تثبت أمّهات الشهداء وانتصارهن في إجبار العدو على الخضوع لشروطهن بأن موازين القوى السائدة فلسطينيا وعربيا ودوليا تسمح بانتزاع الانتصارات من خلال الانتفاضة والصمود. بل وتثبت الجماهير التي التفت عن بكرة أبيها وراء جثامين الشهداء أنها مصمّمة في ظل موازين القوى السائدة على أن تنتقل بالانتفاضة إلى تحقيق أهدافها في دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وإطلاق الأسرى وفك الحصار عن قطاع غزة، وبلا قيد أو شرط، ليُصار إلى السير قدما نحو تحرير فلسطين كل فلسطين.
إن نزول الجماهير في مدينة الخليل وسعير وبيت أمّر وبيت أُوْلى، نموذجا، وبهذه الكثافة، وبهذا الإصرار وتحت المطر والبرد القارص ليعطي دليلا لا يُخطئ أن بالإمكان إذا ما تحوّلت الانتفاضة إلى انتفاضة شاملة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة بأن تفرض الهزيمة على نتنياهو وجيشه وتصنع انتصارا عظيما بإذن الله
منير شفيق
كاتب فلسطيني