لقد تضمن القانون الأساسي الفلسطيني الذي يعد بمثابة الدستور الفلسطيني مجموعةً من الحقوق الشخصية ومنها حق الفرد في الحياة الذي يعتبر من أهم الحقوق المدنية، ويوصف بأنه حقٌ أساسي للإنسان بل هو جماع كل الحقوق، لأن الحياة هي شرط الوجود والاستمرار، لذلك فإن حق الحياة يسبق غيره من الحقوق، ويمنع على الجميع من أفرادٍ وسلطات الاعتداء على الفرد وإنهاء حياته، لأن حق الإنسان في الحياة من الحقوق اللصيقة بالشخص التي لا يجوز التنازل عنها لأي سببٍ كان، كما أنه لا يجوز المساس بهذا الحق بأيه صورةٍ كانت، وبالتالي يقع على عاتق الدولة وضع القوانين التي تحقق الحماية وتوقيع الجزاء على من يعتدي على هذا الحق، والأساس الديني لحق الإنسان في الحياة هو أن حياة الإنسان هبة مقدسة من الله سبحانه وتعالى وأن الإنسان خليفة الله في الأرض، وأمتاز بتكريم ألهي لم ينله أي مخلوق آخر على الأرض، وقد شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى أن يخلق الإنسان من تراب وينفخ فيه من روحه، وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تؤكد خلق اله تعالى للإنسان ومنها قوله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون)، وجاءت المواثيق الدولية لتجسد حماية هذا الحق عندما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق الفرد في الحياة والحرية وسلامة شخصه، وأيضا العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بالنص على الحق في الحياة بأنه حقٌ ملازم لكل إنسان، وعلى القانون حمايته، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً.
وكما هو الحال في أغلب الدساتير العربية ومنها الدستور المصري لم ينص القانون الأساسي الفلسطيني على الحق في الحياة بشكلٍ عام أو من حيث المبدأ، باعتبار أن هذا الحق أمراً مفترضاً، إضافةً إلى خلوه من أية تدابيرَ دستوريةٍ تقيد أو تحد من استخدام عقوبة الإعدام، كحظر إعدام من هو أقل من 18 سنة، ألا إن القانون الأساسي تضمن الإشارة إلى هذا الحق بطريقتين، الأولى تتعلق بتنفيذ حكم الإعدام الصادر من أية محكمة، ويعهد القانون الأساسي صلاحية المصادقة علي تنفيذه إلى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، أما الطريقة الثانية فهي منع إخضاع الفرد لأي إكراهٍ أو تعذيب، وعقوبة الإعدام أثارت الكثير من الجدل لدى فقهاء القانون والسياسة، وانقسمت آراؤهم بين مؤيدٍ ومعارضٍ لها، وتبلور هذا الجدل في ثلاث اتجاهات، الأول يدعو إلى إلغائها لأنها تعد من العقوبات بالغة القسوة، وأنه ليس من حق المجتمع سلب حياة الأفراد، وأن الخطأ فيها لا يمكن إصلاحه، أما الاتجاه الثاني يرى ضرورة الإبقاء عليها؛ لكونها العقوبة الأنجع لمواجهة الجرائم الخطرة صيانة للمجتمع، بينما الاتجاه الثالث فقد طالب بالتضييق منها.
والمشرع العادي الفلسطيني قرر عقوبة الإعدام لطائفةٍ من الجنايات، فنجد أن المشرع في قانون العقوبات المطبق حالياً في قطاع غزة نصّ على عقوبة الإعدام في جرائم أمن الدولة والقتل عمداً، كما وضع المشرع ضماناتٍ تتعلق في تنفيذ حكم الإعدام، فقد تضمن قانون العقوبات لسنة 1960م الساري تطبيقه في الضفة الغربية حكماً عاماً ليس خاصاً بجريمةٍ محددة، بحيث نصت المادة (17) منه على أنه "في حالة ثبوت كون المرأة المحكوم عليها بهذه العقوبة حاملاً، يبدل حكم الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة"، وفي المقابل نصت المادة (215) من قانون العقوبات المطبق في قطاع غزة والتي تحدثت عن جريمة القتل القصد على أنه "كل من أدين بارتكاب جناية القتل قصداً يعاقب بالإعدام، ويشترط في ذلك أنه إذا ثبت للمحكمة ببينةٍ مقنعة أن امرأة أدينت بارتكاب القتل قصدا هي حبلى فيحكم على تلك المرأة بالحبس المؤبد"، في حين نصت المادة (60) من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الفلسطيني لسنة 1998م بوقف تنفيذ حكم الإعدام بحق النزيلة الحامل المحكوم عليها بالإعدام إلى ما بعد الولادة، وحتى بلوغ الطفل سنتين من عمره، والهدف من ذلك هو الحفاظ على شخصية العقوبة، وعلى ذلك منع القانون إعدام المرأة الحامل حمايةً للطفل وحمايةً لحقه في الحياة، فلا يجوز معاقبة الجنين على جرم ارتكبته الأم، وأيضاً نص قانون المجرمين الأحداث رقم (2) لسنة 1937م الجاري تطبيقه في قطاع غزة، على حماية الأحداث من عقوبة الإعدام، وذلك في المادة (13) بقولها أنه "لا يحكم بعقوبة الإعدام ولا يسجل مثل هذا الحكم على ولد أو حدث أو فتى ... " .
ولا تزال القوانين الفلسطينية تفرض عقوبة الإعدام على الكثير من الأفعال، والمحاكم لا تزال تحكم بهذه العقوبة في قطاع غزة، وتنفيذ أحكام الإعدام رغم عدم مصادقة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية عليها، وسجلت مؤسسات حقوق الإنسان في الثمانية سنوات من عمر الانقسام بين شطري الوطن عشرات حالات الإعدام الصادرة عن محاكم قطاع غزة سواء على صعيد المحاكم المدنية أو المحاكم العسكرية، ونفذت تلك الأحكام بدون مصادقة الرئيس، بينما سجلت حالات محددة اثنتين أو ثلاث حالات إعدام صادرة عن المحاكم العسكرية في الضفة الغربية.
ونرى أن إصدار الأحكام بعقوبة الإعدام وتنفيذها، وخاصةً من قبل المحاكم العسكرية يشكل مساً بحق الإنسان في الحياة وحقه في محاكمة عادلة، مما يتطلب العمل على وضع الإجراءات القانونية التي تسمح بنقض الأحكام القضائية الصادرة عن القضاء العسكري التي تقضي بعقوبة الإعدام، لذلك لا معني للنص على أي حقٍ من الحقوق دون كفالة الحق في الحياة والنص عليه في صلب القانون الأساسي، وأن يكون المواطن آمن على حياته في مواجهة السلطة وأجهزتها الأمنية؛ لذلك يعتبر الحق في الحياة عماد الحقوق الأخرى، ولما تبقى فاعلية الإنسان ونشاطه وحركته وبناؤه وأعماره للحياة بوجوده عنصرا فاعلا في الحياة فإذا انعدمت حياته انتهى كل شيء، فحياة الإنسان هي أعلى قيمة يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها .
بقلم / رمزي النجار
[email protected]