أصبحت إسرائيل لا تحتاج إلى الدعم الغربي والأمريكي بخاصة، في شأن احتياجاتها العسكريّة، ومتطلباتها الأمنيّة، بسبب أنها تعتبر نفسها من أقوى دول المنطقة، وأن ما تتلقّاه من دعم، هو معنوي فقط، وفي المقابل، فهي ترى ضعفاً عربيّاً شاملاً، تضمن به وإلى إشعارٍ آخر، عدم تلقّيها حرباً نظامية، بغض النظر عن تقديرات تقول، بأن المستقبل قد يحمل مفاجآت، كما أنها لا تحتاج إلى ذرائع ومبررات، بشأن خلافاتها المتعمّدة أو الاضطرارية، وسواء الحاصلة مع الدول العربيّة أو مع بعض دول المجتمع الغربي، والمتمثّلة بشأن انغلاقها باتجاه العملية السلمية، أو باتجاه ممارساتها الاحتلالية ضد الفلسطينيين بشكلٍ عام.
فبالنسبة للعملية السلميّة التي تم إنشائها لترتيب معاهدة سلام مع الفلسطينيين، فهي بطريقة ما، أفصحت بأنها وصلت إلى نهايتها، ولم يتبقَ سوى الاعتراف بالدولة اليهودية وبعض الأمور التي تحتاج إلى موافقة فلسطينية، ومن ثم التوقيع على معاهدة سلام شافية، بعد أن اعتبرت نفسها، بأنها قامت بتأدية ما عليها من استحقاقات والتزامات بخصوصها.
وسواء كانت بواسطة التفاهمات التي تم الاتفاق بشأنها خلال المفاوضات التي جرت طوال الفترة الماضية وحتى 2014، أو تلك التي تنازلت عنها من تلقاء نفسها وبمحض إرادتها- برغم اعتبارها مُوجعة بالنسبة لها-، كعملية الانسحاب من قطاع غزة 2005، أو عن التي اضطُرّت إلى التخليّ عنها بطريق أحكام قضائية إسرائيليّة، التي ألزمتها بإخلاء أراضٍ أو مبانٍ فلسطينية، في أنحاء متفرقة من القدس والضفة الغربيّة.
وحين تقوم بعض أنظمة المجتمع الدولي، بناءً على مطالبات عربية وفلسطينية، واضطراراً لمصالح وخدمات خاصة، بمراجعة إسرائيل وانتقادها، بأنها هي من أوقفت العملية السياسية بسياستها المتصلّبة، قبل أن توفِ بالتزاماتها، ترد عليها، بأن لا أحد يُدني رقبته إلى السكين، وبأن عليها النظر فيما يصنع العرب بأنفسهم، حيث يُحاربون بعضهم ويقتلون بلا حساب، فكيف لإسرائيل أن تأمن على وجودها، وفي ضوء أنها تعيش خاضعة للتهديد على مدار حياتها، وإذا استمر التهديد رغماً عنها، فهذا هو قدرها، وهو أفضل من أن تجلبه بيديها.
واجهت إسرائيل انتقادات شديدة رسميّة وحقوقية، في أعقاب إسقاط فلسطينية لحملِها، أمام أحد الحواجز الاحتلاليّة (الأمنيّة) المُقامة على إحدى المفترقات في الضفة الغربية، بأن على المنتقدين، الالتفات إلى آلاف الأنفس العربيّة الذين يموتون وعلى كل شكل (قصفاً وتعذيباً وجوعاً)، فإسرائيل لم تتعمد الإيذاء، ولم تُبادر في تنفيذ أي حادثة أو أيّ إجراء عن قصدٍ، وسجلاتها تُوضّح ضآلة عدد الضحايا المدنيين والعسكريين بالنسبة لأي دولة عربية، التي لا تحصل في الأغلب، على أيّة إدانات دولية ذات قيمة، مثلما هو الحال بالنسبة لإسرائيل.
مظاهر التطوير التي تدعي بها إسرائيل ضد عرب 48، وسواء في منطقة النقب والأغوار أو في أنحاء أخرى من البلاد، حيث تقوم بترحيلهم عُنوةً، وإسكانهم على طريقتها، بحجّة بأن ما تقوم به هو لصالحهم باتجاه الحضارة والرفاه، وليس ضدهم، وتُصرّ على أنه لا يمكن إلقاء الشبه بين أفعالها في هذا الصدد، وبين أفعال من يقومون بطرد مواطنيهم إلى خارج البلاد، ويضطرّوهم إلى ترك مساقط رؤوسهم، وإلى سحق أملاكهم بأنفسهم، بفعل المآسي والويلات القاسية التي تعرّضوا لها، قبل لجوئهم إلى أماكن أخرى آمنة.
كما لديها من الشواهد المفعمة بالدقة، وذلك بالنظر إلى ما قام به الجيش المصري، من إخلاء مناطق شاسعة من السكان واقتلاعهم من أملاكهم، بمحاذاة الحدود مع الفلسطينيين، حيث لم تنفع اعتراضات أممية ولا انتقادات حقوقية، باعتبارها تجيئ لدواعٍ أمنيّة، وعلى أن مكاسب الإخلاء، تفوق خسارة ما تعود به تلك المعارضات والانتقادات الحاصلة، سيما وأن المقصود هو الأمن القومي المصري الذي يجب التضحية من أجله.
إن إسرائيل تعرف كيف تتصرف وتدير أمورها، وهي تأتي بأمثلةٍ حيّة وواضحة – مع أننا لا نجد لها أعذاراً- فمنذ بداية أحداث (انتفاضة السكاكين) وبعد نحو ما يقرب من نصف سنة، تقوم بالادّعاء، بأنها لم تقم بأي قتلٍ عمد، وإنما دفاعاً عن أنفسِ مواطنيها، وحينما يقوم أحد ما، بتوجيه الإدانة والنقد لكيانها، فإنه لديها لا يقوم إلاّ بناء على مصالح وسياسات مليئة بالكراهية وبمعاداة السامية، وخير الدلائل هو الالتفات العربي المتسارع عن إيران باعتبارها العدو الأوحد، والمتلهّف للتقرب منها واستجداءها، لإنشاء علاقات خاصة معها، باعتبارها دولة ديمقراطية وإنسانية ومُحبّة للسلام، وتعرف كيف تكافئ أصدقائها وتعتني بهم.
إن استقرار رأي إسرائيل على عدم تقدير المسائلات والانتقادات (العلنيّة المعتادة) الموجهة إليها، وسواء تلك المتجهة نحو العملية السياسية، أو الذاهبة باتجاه إجراءاتها الاحتلالية، هو رأي صائب- كما تدّعي-، سيما وهي تعرف كميّة الصفاء (السريّة الدائمة) المتواجدة بينها وبين أصدقائها، والتي تعتبرها من أهم طاقاتها الداعمة والمتجددة.
د. عادل محمد عايش الأسطل
خانيونس/فلسطين
12/1/2016