لم أتفاجأ بتصريح محمد علي جعفري (قائد الحرس الثوري الإيراني) الذي أقر فيه بوجود مئتي ألف مقاتل إيراني في سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان واليمن، والذي أدلى به في مراسم تشييع (حميد رضا أسد إلهي) الذي قتل في سوريا الشهر الماضي، وقد ألقى الضوء على الدور الذي يلعبه الحرس الثوري في دول المنطقة، والذي يتبع مباشرة إلى ((الولي الفقيه)) المرشد خامنئي، ويعتبر ((فيلق القدس)) ذراعه الرئيسية في القتال الدائر في الدول التي أشار إليها، وقد دعا الشباب من الجيل الثالث للثورة الإيرانية إلى دعم الولي الفقيه، من خلال الإنخراط في الحرس الثوري، وفيلق القدس، لدعم تصدير الثورة الإيرانية، التي أقامت الجمهورية الإسلامية في العام 1979م بعد سقوط الشاه محمد رضا بهلوي.
ففي العام 1979م جرى إسقاط حكم الشاه، إثر هبة شعبية واسعة النطاق ضد نظام حكم الشاه تذكرنا بالهبات الشعبية في عدد من الأقطار العربية بداية عام 2011م والتي أطلق عليها الربيع العربي، فعلى مدى أربع سنوات قبل سقوط حكم الشاه عملت أجهزة الإعلام الدولية على شيطنة نظامه وتحديداً بعد توقيعه مع العراق إتفاق آذار 1975م في الجزائر، والذي بموجبه إنتهى التوتر في العلاقات العراقية الإيرانية وجرى حل المشاكل الخلافية ونتج عنها تسوية الحدود، وإنهاء الثورة الكردية في شمال العراق والمدعومة آنذاك من إيران وأمريكا والكيان الصهيوني، فقد كانت نشرات الأخبار لا تخلو من خبر عن إنتهاك حقوق الإنسان في إيران، ومطاردة المعارضين لنظام حكم الشاه، حتى بات إسم ((السافاك)) أي المخابرات الإيرانية أشهر مصطلح يجري تداوله ويرمز إلى الرعب، الذي يتعرض له الشعب الإيراني، كما جرى إبراز دور المعارضة الإيرانية على إختلاف أشكالها وتنظيماتها من حزب تودة، ومجاهدي خلق، وغيرها من الأحزاب والقوى الوطنية والعلمانية والمدنية، إلى القوى الدينية ممثلة في الآيات وعلى رأسهم أية الله الخميني، الذي جرى نقله من النجف إلى شاتوبريان في ضواحي باريس، وتسليط الضوء الإعلامي عليه، كأب روحي لهبة الشعب الإيراني ضد حكم الشاه، ونشر أحاديثه الصحفية على أوسع نطاق، وتسجيله للأحاديث الداعية للثورة والعمل على إسقاط نظام الحكم، ليعود إلى إيران في مارس /آذار/1979م، بعد مغادرة الشاه لها عودة الأبطال الفاتحين، وليبدأ في تشكيل الجمهورية الإسلامية، معلنا أنها ثورة المستضعفين في الأرض، وأنها (نهي شرق .. نهي غرب) أي لا شرقية ولا غربية، وقد ألهبت شعاراتها مشاعر الكثيرين من المحبطين وخصوصاً من أبناء الأمة الإسلامية، والذين يتوقون للإنعتاق، والتحرر ومقاومة الإستعمار وفي مقدمته الكيان الصهيوني.
ولكن لم تمضي سوى شهور على إستفراد الآيات والملالي بنظام الحكم وإقصاء كافة القوى السياسية والأصيلة الشريكة في الثورة والهبة الجماهيرية على حكم الشاه وفساده، لتعود إلى مهاجرها وملاجئها وفي مقدمتهم أول رئيس للجمهورية بعد الثورة الحسن بني صدر، وتبدأ معاناة الشعوب الإيرانية الجديدة على يد النظام الشمولي الفارسي الطائفي الذي أسس له الملالي، وليمارس أبشع صور إنتهاك حقوق الإنسان للعناصر الإجتماعية المكونة للمجتمع الإيراني من غير الفارسية الشيعية، من كرد وعرب وبلوش وغيرها، إضافة إلى إعتماد بناء أحزاب سياسية وحركات في دول الجوار تأتمر بمرجعية الإمام الخميني وتسعى لهز إستقرار تلك الدول في سياق سياسات تصدير الثورة الإيرانية، وما نجم عنها مباشرة في إعادة التوتر للعلاقات الإيرانية العراقية خاصة والعربية عامة، وتتحول المظلومية الطائفية إلى أداة سياسية لمد نفوذ الجمهورية الإسلامية في دول الجوار ومن خلالها تدمير الدول والمجتمعات العربية.
هذه الصورة التي بدت عليها سياسة الجمهورية الإيرانية الإسلامية، جاءت بعد أن قرر الأمريكيون ومعهم الغرب والكيان الصهيوني معهم أن تكون حرب أكتوبر للعام 1973م آخر الحروب العربية الإسرائيلية، والسعي إلى تبريد الصراع العربي الإسرائيلي إلى أقصى درجة ممكنة في سياق سياسات تسعى إلى تحقيق الأمن الدائم للكيان الصهيوني وإبعاد شبح أي تهديد مستقبلي لأمنه من الدول العربية، وذلك لا يتأتى إلا بإستحداث صراعات بديلة له في المنطقة، وإشغالها بنفسها من خلال صراعات بينية تأكل الأخضر واليابس، وتؤدي إلى تدمير نسيجها الإجتماعي وتدمير دولها وتقسيمها وشرذمتها على أسس طائفية وإثنية، يصعب تجميعها أو توحيدها، كي يتأتى الأمن الدائم للكيان الصهيوني، بل أكثر من ذلك، يصبح الكيان الصهيوني، لاعباً رئيسياً في صراعاتها وتحالفاتها المستقبلية، والمهيمن والموجه الرئيس لسياسات المنطقة بصفة عامة.
من هنا يأتي فهم الإعتراف الرسمي والصريح لقائد الحرس الثوري الإيراني عن وجود مئتي ألف مقاتل من الحرس الثوري، ومن فيلق القدس تحديداً يقاتلون في عدد من الدول العربية والإسلامية، إلا في فلسطين والقدس محرمٌ عليهم القتال فيها، ليكشف عن مدى التوافق التام بين سياسات الجمهورية الإسلامية، وما خطط له الأمريكيون والغرب عامة والكيان الصهيوني للمنطقة العربية بصفة خاصة، من إحداث صراعات بينية، بديلة عن الصراع العربي الإسرائيلي، فهل يدرك العرب والمسلمون هذا الدور الرئيسي للجمهورية الإسلامية وثورتها الدائمة ؟!!! والمكمل لدور الكيان الصهيوني والإستعمار الغربي في تفتيت المنطقة العربية ودولها، وشل طاقاتها عن المواجهة الحقيقية، مع العدو الرئيسي وهو الكيان الصهيوني ؟!!
لقد آن للمجتمعات العربية، ودولها، أن تستيقظ وتصحوا وأن تعمل على إنقاذ وحداتها الإجتماعية والثقافية والسياسية، ونبذ كافة أشكال الدعاوى الطائفية، والفرقة والإقتتال الذي باتت تئن تحت وطأته شعوبها في أكثر من قطر عربي، والتأكيد على وحدة دولها ومجتمعاتها، رغم ما فيها من تعددية وتنوع على قاعدة الوطن والمواطنة والعدل والمساواة، من أجل إحباط هذه المخططات الإستعمارية الصهيونية والتي تلعب فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دوراً رئيسياً في تنفيذها.
بقلم/ د. عبد الرحيم محمود جاموس