هناك رائحة حرب تفوح من التصريحات المتبادلة بين حركة حماس واسرائيل تشبه تلك التي كانت قبيل الحروب السابقة، تهديدات متبادلة تعكس حجم التحفز والرغبة من الجانبين وتشكيل وحدة مقابل تشكيل وحدة على الجانب الآخر وكأن قدر غزة أن تستمر في النزيف أو كأنها أصبحت ميدان رماية للجيش الاسرائيلي وساحة التدريب التي يجرب فيها وسائل القتل والتدمير الحديثة، وتنتهي كل حرب كما سابقاتها لا شيء سوى استمرار الحصار، حالة من العبث أصبحت تحكم العلاقة بين الطرفين.
لم يكن تصريح نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عابثاً في الثامن من هذا الشهر في خان يونس أثناء تكريمه لشهداء وحدة الظل حين قال إن "الحركة ستذهل العالم في قوتها في أية معركة قادمة مع الاحتلال.... وإن الكتائب لا تزال تراكم قوتها من فوق الأرض وتحتها" وقد اعتبر بعض المراقبين هذا التصريح بمثابة إعلان حرب، فهو يشبه تصريحاً للسيد هنية قبيل العدوان الأخير في قاعة رشاد الشوا الثقافي حين أعلن أن المعركة القادمة تحت الأرض، وعلى الجانب الآخر يبدو الحديث الاسرائيلي المتصاعد عن الانفاق بهذه الحدة ما يشبه تأهيل الشارع الاسرائيلي هذا متوازياً مع الحديث شبه اليومي عن رصد التجارب الصاروخية التي تجريها كتائب القسام في البحر.
حركة حماس أعلنت في الشهر الماضي تشكيل وحدة الظل فيما تعلن إسرائيل في السابع والعشرين من الشهر نفسه قبل أقل من شهر عن وحدة كوماندو من أربع قوات خاصة جاء الإعلان في احتفال لتأسيسها بحضور رئيس الأركان غادي ايزنكوت ورئيس القيادة المركزية روني نوما وقائد القوات البرية غاي تسور وطال روسو قائد العمق بالإضافة لقائد لواء غولاني غسان عليان الذي أصيب في العدوان الماضي أثناء محاولة لواء جولاني اقتحام حي الشجاعية، إذ سيتم وضع هذه الوحدة ضمن دوريات جعفاتي وغولاني معتبرين أن هدفها سيكون خلف خطوط العدو، وعلى الجانب الفلسطيني تعلن حركة حماس أن المعركة القادمة خلف خطوط العدو.
منذ نيسان الماضي بدأ الصوت الإسرائيلي يرتفع كثيرا تجاه غزة وكأن إسرائيل قد أتمت دراسة التجربة التي فقدت فيها أكثر من سبعين جنديا واستخلصت العبر، أو كأنها تريد استكمال العدوان لسد تلك الثغرات التي ظهرت، ففي محاضرة له قبل تسعة أشهر تحدث إيال ايزنبرغ قائد الجبهة الداخلية الإسرائيلية في محاضرة بمعهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب قائلا: "إن العملية الإسرائيلية الأخيرة في غزة لا تشبه بأي شكل من الأشكال سيناريوهات المعركة الكبرى التي يستعد لها الجيش في المرحلة القادمة.
ما قاله إيزنبرغ يتقاطع تماما مع ما قاله رئيس الأركان غادي إيزنكوت في الشهر نفسه حين قام بالزيارة الأولى له بعد تسلمه منصبه لقيادة الجبهة الجنوبية حيث أكد لهم أنه في حال اندلاع حرب جديدة مع غزة فإنها لن تكون إعادة تشبه ما جرى في الحرب الأخيرة وبأن الحرب القادمة ستكون مختلفة وكبار الضباط لديهم التفاصيل التي يعرفونها ويجب وضعها وتنفيذها في الحرب القادمة، إذن لدى إسرائيل نية لشن عدوان يعززه الكثير من التصريحات والتجهيزات.
وبالمقابل فإن تجهيزات حركة حماس بادية للعيان من حفر انفاق وشبكة اتصالات وتجارب صاروخية والحديث عن التصنيع المتسارع الذي تتحدث عنه تقارير إسرائيلية .. كل طرف يبدو كأنه يسابق الزمن يضع خططه وأدواته وتظهر الأسابيع الأخيرة كأن الطرفين أنهيا استعدادهما إلى مرحلة التهديد والإعلان عن الجهوزية وتأهيل الرأي العام وبدأت إسرائيل بتضخيم قدرات حركة حماس وهو تقليد يسبق العدوان لإقناع المواطن الإسرائيلي بجدواه وضرورته أو لأن يصح مطلبا للشارع الإسرائيلي، ويبدو خروج الحكومة للحرب كاستجابة للرأي العام وبقيت فقط الشرارة التي ستبدأ المعركة.
لحركة حماس أسبابها لبدء الحرب وأهمها أن الحصار على قطاع غزة متواصل ما يهدد بمزيد من إفشال لتجربتها في ظل تعثر المصالحة، وأن إسرائيل تتجاهل الحديث في ملف الأسرى وشعورها بأن تجهيزاتها التي أعلن عنها نائب رئيس المكتب السياسي قادرة على تحقيق مزيد من النقاط مثل أسر جنود بالإضافة لشعورها بالخديعة مع نهاية المعركة السابقة فلا شيء تحقق بل وعادت الأمور للأسوأ من حيث الحصار والرواتب وتأخر الإعمار ...
أما إسرائيل وهنا الأهم فلديها أسباب كثيرة لعدوان جديد ضد القطاع وتتمثل هذه الأسباب بالتالي:
1- القضاء على القوة العسكرية للفصائل المسلحة، فإسرائيل لا تريد إجراء تغيير على الوضع السياسي للانقسام القائم ولديها مشكلة دائمة مع تسليح الأجنحة المسلحة وأولها كتائب القسام، فقد اعتادت كل عامين على ضرب تلك القوة لكن القسام يعيد بناء نفسه ما يشكل أزمة دائمة لإسرائيل تستدعي حربا جديدة فقد تجدد الحديث في إسرائيل عن نزع السلاح.
2- تهديد الأنفاق المتعاظم والذي أثبت جدواه في الحرب الأخيرة بخسارة إسرائيل لأكثر من سبعين جنديا، بل وكأن حركة حماس اكتشفت نقطة الضعف الإسرائيلية وربما عملت أكثر على التركيز على الأفاق التي تولد شعوراً لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية أنها اخترقت الحدود أكثر وأصبحت أكثر عمقا فقبل أربعة أشهر وقبل أن يسلم سامي تورجمان قيادة المنطقة الجنوبية وفي مقابلة تلفزيونية في القناة الأولى قال إن تهديد الأنفاق الهجومية التي تحفرها حماس على حدود القطاع هو الأخطر على إسرائيل.
3 - انتهاء العدوان على القطاع دون شعور إسرائيلي خالص بالنصر تبعه جدل إسرائيلي بين أعضاء الحكومة نفسها وبين الحكومة والمعارضة وما زال مستمرا عن جدوى وأهداف الحرب وماذا حققت إسرائيل وكيف كأن أداء الجيش والحكومة بل وهناك اتهام لرئيس الحكومة بالقصور، عوفر شيلح رئيس كتلة يش عتيد وعضو لجنة الخارجية والأمن يتحدث عن ضياع فرصة نزع سلاح غزة من قبل رئيس الحكومة ووزير الدفاع.
4 - عدم تحقيق الهدف السياسي للحرب والذي كاد يتحقق وهو الوصول لحل نهائي مع حركة حماس يقضي بإيجاد حل وهدنة دائمة تضع إسرائيل شروطها كاملة وكذلك حماس، وينتهي هذا الحل بإقامة دولة غزة تساهم فيه دول إقليمية وقد كاد هذا يتحقق في مؤتمر باريس وبرز دور قطري وتركي داعم بهذا الاتجاه لولا أن تم إجهاضه من قبل مصر والسلطة وبعض الدول العالمية التي لا تزال تعتبر أن حل الدولتين هو ما يجب أن يكون، وهذا ما ألمح إليه الصحافي السابق وعضو الكنيست شيلح عندما تحدث هذا الشهر عن مبادرة تجاه الدول في المنطقة من أجل نزع سلاح غزة وتقليل قدرة حماس العسكرية مقابل تحسين الوضع المعيشي وإقامة ميناء.
5- تدريب الجيش الإسرائيلي بعد إدخال منظومة تكنولوجيا جديدة واستيراد أسلحة بعد الحرب السابقة تتلاءم مع الحرب هناك رغبة لتجربتها بالإضافة إلى إدخال التكنولوجيا بشكل أكبر حيث أعلن الجيش الإسرائيلي عن "ايباد لكل جندي" بحيث يشكل وحده غرفة عمليات خاصة باتصال مع البر والبحر والجو في المعركة القادمة هذا لم يتم تجريبه بعد.
لذا على حركة حماس أن تكون أكثر حذرا وتركز جهودها على إجهاض النوايا الإسرائيلية وليس استدراجها، حيث تريد إسرائيل لأسبابها التي عرضت سابقا ومع ذلك يبدو المستجد المتمثل بحزب الله واستمرار حالة الاستنفار في الشمال وشعور إسرائيل بأن هناك ضربة قادمة من الحزب ردا على اغتيال سمير قنطار بالإضافة إلى الحديث عن وصول صواريخ ياخونت الروسية للحزب اللبناني وهي ما كانت تخشاه إسرائيل وتحذر منه كل هذا يجعل أولوية إسرائيل في الفترة الحالية هي حزب الله وليس غزة، فكون أن العين الإسرائيلية مفتوحة هناك الآن لا يعني أن تطمئن غزة لجميع الأسباب التي تجعل رغبة إسرائيل بالعدوان ما زالت قائمة .. كيف يمكن إجهاضها وتجنيب غزة مأساة جديدة ؟ سؤال مطروح على الفلسطينيين وأولهم حركة حماس فغزة بحاجة إلى إعمار وليس إلى دمار ..!
أكرم عطا الله
2016-01-17
[email protected]