هل الرعاية الاجتماعية ترعى الفقراء؟

بقلم: رامي الغف

يسلب الفقر الإنسان كرامته وذاته وكيانه، ويجعله أمام أبواب مشرعة من الجحيم المحتدم والقهر واليأس بل ويعطيه واعزاً ودافعاً بأن يستهين بكلّ قيم وثوابت الحياة حتّى يصل به إلى أنّ يسفك الدماء ويقتل الآخر لمجرد شعوره بالضآلة وبأنه كائنٌ آخر، الفقر صنمٌ لم يستطع كلّ أنبياء التغيير ومنظومات الفكر البشري أنّ تكسره وتجتثه من قاموس الحياة الملطخ بالدم، فليس هناك صورة أكثر حلكة من صور الفقراء وهم يستظلون سماء قاسية ويفترشون أرضا محصبة لا يجدون ما يسد به غلواء الجوع ولا ما يكفيهم موؤنة الافتقار في وطن يعج بالهبات والمنح والتبرعات وجباية الضرائب والمكوث، فأي صورة قبيحة هي تلك التي يمكن التقاطها لمجتمعنا الذي تتناهب فقراء تلك الظروف القاحلة الصعبة وتقطع السبل أم أبنائه سكاكين النبذ والإهمال.

إن الخيرون المنصفون قلائل والمؤسسات التي ترعى المحتاجين والفقراء والمسحوقين والغلابه لا تكاد تسد حاجتهم والأعداد الكبيرة من الفقراء والفقراء الجدد من ضحايا الحروب والإنقسام والتدافع السياسي والتوترات في المنطقة والبطالة والترمل وغيرها من مساوئ الانقسام البغيض، فسابقا كان المنعمون وأصحاب الثروات في كل محافظة يعدون على الأصابع أما اليوم فصاروا أكثر يصعب عدهم وحصرهم وهم مرشحون للتزايد والتناسل والتكاثر والانشطار والانقسام والاستنساخ وبفضل ما تجود به وسائل الإثراء الفاحش غير القانونية وهي كثيرة.

إن الفقر يعتبر شراً إنسانياً باعتباره يسبب حرمان الإنسان من أحد حقوقه الذي هو الكفاية في العيش، وشراً اجتماعياً باعتباره يعوق المجتمع عن التقدم المادي والمعنوي، واعتبر الإسلام أن المجتمع الأمثل الذي يسعى إلى تكوينه هو المجتمع الذي لا فقر فيه ولا فقراء.

لقد أعترف الاسلام بأنه لابد أن يوجد أناس لديهم مال كثير واخرون لا يملكون من المال إلا قليلاً، لان التحكم التام بتوزيع الثروات على نحو متساوٍ أمر مستحيل أطلاقاً، وإذا اختلقت المهن وتفاوتت الثروات فلابد أن يختلف مستوى المعيشة ويتفاوت طراز الحياة المادي والنفسي وحينئذ توجد طبقات ليس الطبقات البرجوازية التي شاع استعماله في الادب السياسي في العصر الحديث أو طبقة المتنفذين وأصحاب القرار الذين استحوذوا على الخزينة الفلسطينية، فأن التفاوت الكبير بين طبقات المجتمع الفلسطيني ناشئ عن التفاوت الامتيازات لاعضاء المجلس التشريعي والوزراء والسفراء ورؤساء المجالس المحلية والبلديات.

نعم اليوم صار الفقير اشد فقرا بل باتت الهوة الساحقة التي تفصل بين الطبقات الوسطى وبين أثرياء العهد الجديد وفي أسفل القائمة هناك معدمون مسحوقون ينتظرون الفرج الذي لم يأتي بعد، وفي أعينهم بصيص من الأمل والرجاء ان يتحلى مسوؤلون هذا الوطن بالشجاعة والإنصاف الكافي لتخصيص جزء من أموال الدولة إلى تلك الفئات التي تعتبر الاقل حظا والأكثر فقرا.

إن الوضع الاقتصادي للعائلة الفلسطينية اذا ما قيمناها فهي اما فقيرة او تحت مستوى الفقر او متخومة، لذا نرى اليوم ان بعض تلك العوائل الفقيرة باتت تحت استغلال الكثير من تجار تلميع الصور امام الرأي العام لمنافع شخصية او فئوية أو حزبية من دون الاكتراث الى الدرجة التي يضعون تلك العوائل في ذل و امتهان امام مرأى المتابعين عبر القنوات الفضائية تارة او عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فهم يجعلونهم فرائس لضرب خصومهم بهم من جهة ولجعل هالة كاذبة تحيط بوجوههم العفنة.

هل يعلم السادة المسئولين وأصحاب القرار والقادة الرعاه، ما قد يعانيه الرعيه من المواطنون البؤساء وموظفو الطبقات الدنيا من شظف العيش وغلاء المعيشة وأزمات السكن ونقص المواد البترولية وانقطاع الكهرباء والازدحامات الخانقة في محطات غاز الطهي، ناهيك عن ازمات الأدوية والرسوم المدرسية وطلبات الأطفال من حليب وبامبرز إلخ، إضافة الى المصاريف الاخرى غير المحسوبة من قاموس الراتب وحساباته الخاطئة كل شهر، وهذه الحسابات تقودنا الى موضوع اخر وهو عملية الحساب المعقدة التي يقوم بها المواطن الغلبان، حين يحاول بناء منزل بسيط له، ومواجهة ارتفاع مواد البناء المستمر والمتذبذب والذي غالبا ما تكون حساباتهم خاطئة بسبب عوامل عديدة وأمور غير محسوبة، فيضطر إجباريا إلى تقليص البناء الى ادنى مستوياته، ولا اقصد به جميع خلق الله ولكن اخص الفقراء والمعطلين عن العمل ومواطني وموظفي الدرجات الدنيا الذين قضوا سنوات عديدة في الوظيفة ولكن لم يحصلوا على قطعة ارض.

لذلك مطلوب من قادتنا ومسئولينا وأصحاب القرار في الوطن الفلسطيني هنا وهناك، إسعاد الفقراء والمساكين والمسحوقين والمحتاجين أو مسح دموع الأيتام الذين غابوا عنهم من يعيلهم، وأن يكونوا رحماء على الرعية يتفقدهم وقضاء حوائجهم.

إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك، لذلك انأ أناشد كل مقتدر أن يساهم ويساعد بما يستطيع لأقرب الفقراء له ولو أن كل إنسان مقتدر ساعد احد الفقراء اختلفت إحصائيات ونسب الفقراء جذريا ولن يبقى من الفقر لا شي يسير، فبالفقراء تدخلون الجنه، فهم والله أحباب الله.

بقلم/ رامي الغف*

*إعلامي وباحث سياسي