الكهرباء في غزة و البطة السوداء !!

بقلم: حسن عطا الرضيع

بعد مرور عشرة أعوام على إجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية في دورتها الثانية, شهد قطاع غزة العديد من الأزمات الاقتصادية والإنسانية , وأهمها تفاقم مشكلة الكهرباء والتي لها علاقة باستمرار وشرعنة الانقسام عبر الإدارة المعقدة للعديد من الملفات التي أرهقت الأسر الفلسطينية , حيث أن الحل وبعد عشر سنوات يكمن بوجود قرار سياسي وطني وجريء عالي المستوى من مدراء الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني .

أي وجود رغبة وقدرة من قبل طرفي الانقسام على إنهاء الأزمة مع ثبات العوامل الأخرى وهي تقاسم الثروة ومكاسب الانقسام بالتساوي وهذا عامل صعب تحقيقه كونه يخضع لمعايير الربحية والمحاصصة ولمن النصيب الأكبر.

غزة : عشر سنين عجاف سيتبعها سنوات أخرى عجاف .

في سيارة الأجرة:

يقو ل السائق المُلتحي : أن من يسرق حتى لو إبرة خياطة واحدة ( 100 إبرة سعرها 1 دولار أمريكي) فإنه سيتحمل أعباء وهموم يوم القيامة تكون بثقل جبل أحد .

في ظل ذلك هناك سؤال يراود المواطن الفلسطيني البسيط في غزة : وما هو مصير من يسرق قوت الفلسطيني وينهب كرامته ويجعله أسيرا للحاجة ولرغيف الخبز ولكرت التموين, ما هو مصير من جعل متوسط دخل الفرد السنوي في غزة يتراجع لمستويات دون العام 1995 , إذ لا يزيد عن 970دولار سنوياً.

سؤال أخر لنفس المواطن الذي يئن فقراً وحرماناً أن من يسرق رفاهية 1.9 مليون غزاوي بسبب استمرار مأسسة الكهرباء فكم هي الهموم التي سيتحملها ذاك السارق ؟ في حال ما استمر السارقون بسرقاتهم وبشرعية القانون ؟

أمام تلك الأسئلة هناك ارتفاع في درجة كُفر الفلسطيني بغزة لمن يدير أزماته الانسانية والاقتصادية من كهرباء وماء وغاز طهي وملفات الأعمار والحصار والمعابر واختلال سوق العمل وارتفاع نسب الفقر والذين يعتمدون على المساعدات الإغاثية لسد رمق جوعهم .

كم نسبة الرضا الشعبي للفلسطينيين لإدارة الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة : 1 %

نسبة الرفض الشعبي للقيادة الفلسطينية : 99 %

هل يوجد شرعية قائمة : بالتأكيد لا في الذكرى العاشرة لأجراء أخر انتخابات فلسطينية.

في ظل موجة الشتاء القاتم في غزة هناك جدول 4 ساعات وصل مقابل 12 ساعة قطع للكهرباء, إن لذلك تأثير ملموس على الأسر الغارقة في البرد وخصوصا قاطيني الكرفان والأكواخ في غزة أشد ضراوة من ضرب السيوف القواطع فكليهما قتل للإنسان ولكرامته المفقودة.

مُشاغبات :

في عدة بلدان أوروبية : لماذا يوجد ساعات قطع للكهرباء في شارع السفارة الفلسطينية (القنصلية الفلسطينية سابقا) في تلك البلدان التي تعترف بدولة فلسطين؟

الجواب: لأن هناك اعتقاد جازم لتلك الدول أن انقطاع التيار الكهربائي جزء أصيل ورئيس من العادات والتقاليد الفلسطينية وخصوصا الغزاوية .

العالم يحترم عاداتنا وتقاليدنا بقطعه للكهرباء في شارع السفارة الفلسطينية , رغم تحفظ السفير والقائم بالأعمال عن التعليق .

ما يدور في تفكير الطفل الرضيع عند انقطاع التيار الكهربائي هو من يجعله يبكي ويصرخ غضبا من ظلم بحقه ( لماذا إذن يصرخ ليلا عند عدم وجود كهرباء ويضحك في حال وصل الكهرباء ) , هو نفس ما يدور في تفكير الكثيرون في غزة, وكأن لسان حال ذاك الطفل الرضيع الأكثر براءة , إذ لا يخطئ أبداً , كونه من المفترض أن يلد وله حقوق وأهمها وجود النور وليس الظلمة كل ليلة.

يقول ذاك الطفل " والله لو وضعوا غضب الضعفاء والمحرومين في المعمورة كافة في كفة , وغضب ذاك الطفل في كفة لرجحت كفة الطفل الرضيع " .

لو كان الظلام رجلاً لمنحته الجنسية الفلسطينية .

الجنسية : فلسطيني

مكان السكن : غزة

نسبة الحصول على الكهرباء : 25%

متوسط ساعات وصل الكهرباء يومياً : 4 ساعات

في غزة متي يمكن القول أن هناك تعميم للقاعدة التالية " أن المساواة في الظلم عدالة " وسريان قوي لمفعولها .

الجواب : عندما تتحدث لأناس من رفح جنوبا إلى بيت حانون شمالاً ويخبروك أن ساعات وصل الكهرباء خلال هذا البرد القاتم 3 أو 4 ساعات يومياً .

بهذا المعني فهناك سياسة عادلة تتبعها الشركة وهي أن معظم الخطوط هي خطوط أنجبتها بطة سوداء إذ ربما لا يوجد خطوط البطة البيضاء لتلك العملية التوزيعية المُعقدة للشركة .

تعريف الكارثة المجتمعية : هو أن يكون خط الكهرباء المنتظم ل 8 ساعات وصل و8 قطع هو خط بطة بيضاء , وغير ذلك بطة سوداء

السؤال : ماذا يمكن أن نُطلق على خط انتظام للكهرباء 24 وصل وصفر قطع .

في مدينتي الفقيرة بيت لاهيا / عدد ساعات وصل الكهرباء بالأمس : 3 ساعات وكذلك اليوم

أفضل ما يُقال : " أنه لظلم وبهتان عظيم".

لسان حال شركة ومحطة توليد الكهرباء ترتجف وتقول : هذا اللا جدول الحالي , إن عجبكم ذلك كان بها, وإن لم يُعجبكم فلا مانع من أن تلعنوا الظلام ألف مرة. "

صديقي المشاغب والحائر في غزة يقول : أرضينا بجدول 8 ساعات وصل والجدول ما رضي بنا , وسنرضى بجدول 4 ساعات وصل ولكن نأمل من الله أن يرضى بنا.

عودة إلى قصة الغول:

قيل سابقا أن هناك غول بالقرية يُرعب الناس ويمنعهم من الخروج للعمل وخصوصا ليلاً: السبب آنذاك هو عدم وجود كهرباء بالشوارع كان ذلك قبل عقد السبعينات من القرن العشرين.

اليوم 2016 : ومع ساعات وصل للكهرباء 3 ساعات ومع بدء الظلام نرجع لأساطير الماضي إذ أن وجود الظلام يعني وجود إرهاب ورعب يلاحق الأسر الفلسطينية وكأن ذلك غولاً , غول لا يظهر في قرية نائية , وإنما في مدن حديثة متطورة تستخدم أحدث إحداثيات التكنولوجيا ومنها الجيل الثالث والرابع أصدقائي , أثناء المشي بالشارع تشعر أنك تخضع لمثل تلك التأثيرات القديمة , السبب عدم وجود نور.

ما أريد قوله : أن وجود الظلام يرافقه وجود أساطير , ووجود النور يرافقه العلم وتختفي الأساطير

سؤال لم يجيبه أحد في غزة : ما هو السبب الحقيقي من موجة التكبير والتهليل والتصفيق عند وصل الكهرباء قبل موعدها بدقائق؛ ربما المفأجاة.

فقط في غزة:

أحد أسباب الطلاق هو انقطاع التيار الكهربائي .

لأن الظلام يُعتبر سببا رئيسياً في زيادة الاكتئاب (56% من الغزيين يعانون من الاكتئاب) , اليأس, الإحباط, تراجع الإنتاج, وكل ذلك يؤدي إلى ارتفاع الفقر وحدة المشكلات كالعصبية الزائدة والنفور وتدهور الوضع النفسي .

عودة إلى أساسيات البحث العلمي : يعتبر وجود مشكلة للدراسة هي السبب الرئيس لكتابة البحث أو الدراسة المعنية , وأحد أفرع الدراسة وجود فرضيات تتوافق أو لا تتوافق مع النتائج, وباعتبار غزة المنطقة الوحيدة التي تعاني من أزمة للكهرباء ( بالأمس ساعات الوصل لم تتجاوز أل 3 ساعات وكذلك اليوم), على الباحثين في غزة وخصوصا باحثي علم النفس والاقتصاد والاجتماع وضع الافتراضات التالية:

يوجد علاقة موجبة قوية بين ارتفاع معدلات الطلاق وبين زيادة ساعات قطع الكهرباء , وهذه الفرضية تتوافق مع نتائج العام 2014 و 2015 والتي ارتفعت معدلات الطلاق بشكل كبير ( بالعام قرابة 2700 حالة) وفي المقابل ساعات وصل الكهرباء لم تتجاوز الثلث .

في كل بلاد العالم : لا توجد دراسات عن تأثير الكهرباء على أوضاع المجتمع وخصوصا ظاهرة الطلاق .

وبالتالي لا توجد مشكلة للدراسة وتلقائيا لا توجد فرضيات ونتائج

فرضية رئيسة : لا يوجد علاقة بالمطلق بين انقطاع التيار الكهربائي وبين معدلات الطلاق في أي منطقة غير غزة , النتيجة تقول : لا يوجد مشكلة كهرباء وبالتالي لا يوجد ارتباط بينها وبين الطلاق ؛ أرحموا عزيز قوم عاش بغزة.

وفي الختام فإن حل مشكلة الكهرباء يرتبط بتفاهم فلسطيني بسيط واتفاق بين فتح وحماس على إنهاء الأزمة مراعاة لآهات وعذابات أهالي قطاع غزة.

#وآخذ_بال_حضرتك

بقلم/ حسن عطا الرضيع