هل يحقق اتفاق "الجنتلمان" الأحلام؟!

بقلم: رجب أبو سرية

رغم السوابق المريرة والمحطات السابقة الصعبة، على طريق ملف المصالحة الداخلية، إلا أن المواطن الفلسطيني ليس أمامه من خيار سوى أن يتأمل خيراً هذه المرة فيما يقال إنه سعي لإنجاز ما يسمى باتفاق "الجنتلمان"، الذي تسعى للتوصل إليه قيادتا حركتي حماس وفتح، برعاية قطرية ومباركة سعودية / مصرية.
في تفاصيل ما يدور الحوار حوله، وهذه المرة، تجري الحوارات على درجة من السرية والكتمان، لضمان عدم عرقلة التوصل للاتفاق، ويبدو أنه تم طي ملف تلك الاتفاقات والتفاهمات المحبطة السابقة، ومن أجل تجاوز عدم الثقة، الذي تعمق بسبب التوصل لأكثر من اتفاق سابق، دون إنهاء الانقسام، جاء الحديث عن اتفاق "الجنتلمان"، ما يعني، الترفع عن المماحكات، والارتقاء لمستوى من الأخلاق بالالتزام بما يتم الاتفاق عليه، واحترام الكلمة، حتى لو كان الاتفاق شفاهياً!
ما يعزز احتمال النجاح هذه المرة - برأينا - أمران: أولهما، أن الحوار يجري حول اتفاق محدد، وليس حول كل بنود الشأن الفلسطيني، وبالتحديد حول حكومة وحدة وطنية، وليس حكومة توافق أو تكنوقراط، ما يعني دعماً تلقائياً وحقيقياً من قبل الفصائل، وإن وجود الفصائل، يشكل على الأقل شاهداً أو مراقباً على أي من الطرفين، هو ما يعطل أو يعرقل أو يراوغ في عملية المصالحة وإنهاء الانقسام.
كذلك حول ملف موظفي حماس في غزة، حيث يقال إن حماس تبدي مرونة واضحة في هذا الشأن، ولم تعد تصر على حل الملف بكامله رزمة واحدة، بل تقترح "خارطة طريق" للملف، وإن هذا الأمر كان وراء خلو مراسيم الرئاسة الخاصة بالمدراء العامين، من ترقيات لموظفي غزة.
ثانيهما، أن الحركتين في حالة صعبة للغاية على مستوى إدارتهما لكل من الضفة أو غزة، فالسلطة تبدو في حالة من الارتباك، حيث إن هناك مواجهة بين الشباب الفلسطيني والجيش الإسرائيلي منذ أربعة أشهر، لم تجبر إسرائيل على الخضوع لمطالب السلطة بمفاوضات مشرفة، ولم تتورع إسرائيل بإضعاف السلطة إلى أبعد الحدود، كذلك فإن حماس عاجزة عن فعل أي شيء لغزة، ولا حتى حل مشكلة الكهرباء، فضلاً عن المعبر وعن مجمل تفاصيل الحياة المعيشية.
وكلا الحركتين تدركان أنهما وخلال عشر سنوات مضت، لم تقدما أي إنجاز يذكر على الصعيد الوطني، بل إن مشروع الشراكة السياسية الذي دشن عام 2006 بهدف تقوية الوضع الداخلي، لإنهاء الاحتلال، أنتج العكس، حيث ضعفت الجبهة الداخلية، وفشلت السلطة في الوصول بأوسلو إلى خط إنهاء الاحتلال، ولم تتحول غزة بإدارة حماس إلى رافعة لتحرير القدس والضفة، بل تحولت إلى عبء على المشروع الوطني، وتبين للمواطن الفلسطيني، أن فتح باتت حركة شائخة، بقيادات بيروقراطية، كذلك تبين أن ما يهم حماس هو حركتها أكثر من الشأن الوطني الفلسطيني، كذلك بدت حماس حركة إخوانية أكثر منها حركة فلسطينية، وهكذا، فإنه تأكد بالملموس والمتحقق خلال عشر سنوات مضت، أن ثنائية الحكم الفلسطيني، كانت مدمرة، وضارة للغاية.
ويبدو أن حركة حماس قد اقتنعت أخيراً - بعد نحو ثلاث أو أربع سنوات من التدجين على الاعتدال السياسي بعد أن انتقلت من التحالف مع إيران / سورية للتحالف مع قطر / تركيا - بأنه أفضل لها أن تحكم غزة "لوجستياً" كما كان حالها منذ عام 2000 حتى عام 2006، وأن تعزز وجودها، عبر المؤسسة الرسمية الفلسطينية، وهي ترى صعوبة أن تلم منافستها، حركة فتح، أشتاتها، خاصة في مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، فيما الرئيس عباس نفسه يسعى بكل قوة لتحقيق إنجاز يحلم به الفلسطينيون _ طبعاً كان الأثير على قلبه هو أن يحقق إنهاء الاحتلال _ يختتم به حياته السياسية.
أيّاً يكن الأمر، فإن ملفات إقليمية، يبدو أنها في طريقها للحسم، وفي الوقت الذي تنكفئ فيه واشنطن على ذاتها، خاصة في عام الانتخابات الرئاسية، يزداد فيه نفوذ روسيا، الذي بدأ يحقق دخولها العسكري على ملف الحرب في سورية، تقدماً واضحاً، لذا فمن الطبيعي توقع أن يطرأ أمر ما على الملف الفلسطيني، ويبدو أن قطر تجد في غزة، درة التاج الأميري، فغزة على كل حال ميناء مهم على الشاطئ الشرقي للمتوسط، بعرض 50 كيلومتراً، والتي هي في حالة صراع مع روسيا على كيفية رسم خريطة أنابيب الغاز البري، تجد في تحقيق حلم فلسطيني بإنهاء الانقسام البوابة المناسبة لدخول قلوب وبيوت وعقول الفلسطينيين جميعاً.
رجب أبو سرية
2016-01-29
[email protected]