عام ونصف مرَ على العدوان الأخير على قطاع غزة و لكن آثاره لم ينتهي بعد, نتيجة تأخر عملية الإعمار التي تسير وفق آلية بطيئة ومعقدة تعرف بآلية سيري والتي اشترطت خلالها إسرائيل فرض رقابة صارمة على مواد البناء اللازمة للإعمار, بجانب استمرار الحصار المفروض على القطاع منذ العام 2007, واستمرار حالة الانقسام التي ألقت بظلالها الثقيلة على ملف عملية إعادة الإعمار.
لقد ترك العدوان الإسرائيلي على القطاع آثار سلبية على الاقتصاد الفلسطيني عبر أربع قنوات وهي خسارة الإنتاج خلال فترة العدوان, وتدمير المنشآت الإنتاجية بشكل جزئي أوكلي وتقليص الطاقة الإنتاجية, وتدمير البنية التحتية والخدمات الأساسية بما فيها شبكات المواصلات والكهرباء والمياه حيث قدرت خسائر البنية التحتية 400 مليون دولار, وأخيراً خسارة المستهلكين وثقة المستثمرين بالنسبة للمنشآت التي لم يطولها التدمير فضلاً عن الخسائر نتيجة انسداد أبواب الاستيراد والتصدير.
ولقد وظفت قضية الإعمار وبشكل واضح للاستخدام السياسي من قبل جميع الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية, وقد قامت الحكومة الفلسطينية بجرد الخسائر وإعداد خطة لإعادة الإعمار والدعوة إلى مؤتمر دولي لدعم إعمار غزة في القاهرة في 12 تشرين الأول 2014 , وقد أبدى المجتمع الدولي استجابة محدودة للمطالب المادية للحكومة الفلسطينية, وتعهدت الدول والمنظمات المشاركة في مؤتمر القاهرة (51 دولة وهيئة دولية) بتوفير مبلغ 5.078 مليون دولار للفترة 2014-2017 تم تخصيص 3.512 مليون دولار بما يشكل (70%) إلى قطاع غزة والباقي 1575 مليون دولار مساعدات أخرى.
ولا بد أن نشير هنا إلى أن المبلغ الذي تم تخصصية لإعادة إعمار قطاع غزة يمثل 63% فقط من تكلفة إعادة الإعمار وبالتالي لا يكفي لتلبية الاحتياجات التي تمكن قطاع غزة من العودة إلى ما كان عليه قبل العدوان, حيث كانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية في أدنى مستوى لها منذ العام 1967, لذلك كان من الملح للغاية أن يقوم المجتمع الدولي بتقديم تعهدات إضافية تستوفى وتدفع في الوقت المناسب لإعادة إعمار غزة, خاصة وأن حجم الدمار الحاصل في غزة ليس نتاج آخر عدوان فقط بل يعود إلى الاحتلال والحصار اللذين طال أمدهما وإلى تكرار تدمير البنية التحتية.
حتى الآن اقتصرت عملية إعادة الإعمار على إصلاح الأضرار الجزئية من خلال تزويد المتضررين بالمواد الخام أو بدفعات مالية, أما البيوت المدمرة كلياً فحتى اللحظة ما تم إعماره هو بيت واحد شرق مدينة غزة حسب ما صرح به السيد بو شاك مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا في غزة وهذا البيت من أصل 25 ألف بيت تعرض لدمار كلي وبليغ وغير صالح للسكن.
بالإضافة إلى مشروع إعادة بناء ألف وحده سكنية الذي مولته قطر بقيمة 50 مليون دولار, وهناك مشروع مماثل تموله دولة الكويت لم يبدأ بعد.
وعليه فإن عملية إعادة الإعمار إذا استمرت بهذه الوتيرة البطيئة والمعقدة بجانب استمرار الحصار الحالي وعدم كفاية مستويات دعم المانحين, فإن ذلك سوف يؤدي إلى إطالة أمد عملية الإعمار وقد تستغرق عشرات السنين حسب تقديرات المنظمات الأممية والدولية وليس ذلك فحسب فإن غزة ستصبح غير قابلة للحياة اقتصادياً ولا يمكن للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القاتمة أصلاً إلا أن تتدهور, ومن المرجح أن تكون النتيجة مزيداً من اتساع دائرة الفقر والبطالة العالية ونقص الكهرباء ومياه الشرب وانهيار البنية التحتية , وباختصار سوف تكون غزة غير قابلة للعيش فيها, مثلما أكدته الأمم المتحدة.
لذلك لا بد من وقفة جادة لإعادة تقييم عملية الإعمار وآليتها وبذل جهد أكبر من جميع الأطراف الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص للضغط على المجتمع الدولي بتنفيذ تعهداتهم المالية والضغط على إسرائيل لتغيير آلية الإعمار التي لا تتناسب مع حجم الدمار الكبير والعميق الذي خلفه العدوان الأخير
رائد محمد حلس
باحث في الشؤون الاقتصادية
غزة - فلسطين