الأمن والإعلام الفلسطيني غياب المهنية وانعدام الإحترافية

بقلم: ماجد هديب

من المعلوم أن حماية المجتمع من كافة الجرائم واستقراره امنيا يعتبر من أهم الأهداف الأساسية لمؤسسات الدولة المختلفة ,سواء تلك التي وصلت الى مراحل متقدمة من النمو والاستقرار, أو حتى تلك الدول التي ما زالت في طور النمو والتكوين, حيث تسعى الدولة ومهما تفاوت حضورها على المستوى الاقليمي او الدولي إلى تعزيز حماية مجتمعها من خلال البحث عن آليات تمكنها الوقاية من الجريمة مع العمل على منعها بكافة أنواعها ,سواء المستحدثة منها بفعل التطور التكنولوجي أو الجرائم التقليدية ,ولذلك فان الدولة تعمل على تنسيق الجهود وتكامل الإمكانيات لتحقيق حماية المجتمع واستقراره أمنيا ومن بين ذلك هو التنسيق التام ما بين الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام لإحداث نوع من التكامل فيما بينهما في عملية الوقاية من الجريمة والعمل على منعها ,وحيث إننا في اطار دولة ما زالت في طور النمو والتكوين استنادا الى مشروعنا الوطني فانه يتوجب علينا العمل والسعي بكل ما نمتلك لحماية هذا المشروع من أية مؤثرات قد تعمل على إفشال تحقيقه ومن بين تلك المؤثرات هي الجريمة, فما هو نوع العلاقة ما بين الامن والإعلام؟,وهل تتوافر في عمل كل منها المهنية والاحترافية في الاداء؟.
اسئلة كثيرة نحتاج الى اجابات عليها, ليس من صناع القرار فقط ,ولا حتى من الادارات المتخصصة اعلامية كانت او امنية ,بل ان على كافة مؤسسات المجتمع الفلسطيني ايضا وبكافة اتجاهاتها المساعدة في الاجابة على ما اذا كانت العلاقة فيما بين الامن والإعلام هي علاقة تكاملية ام تصادمية ؟ ,وإذا ما كانت تصادمية فهل يسعى كل منهما لإنهاء الاخر نتيجة للتعدد والاختلاف فيما بينهما فكرا وممارسة بسبب الانقسام وغياب الارادة السياسية وعدم التوافق على وضع الاستراتيجيات ؟,ام ان احداث التصادم هو بسبب غياب المهنية الامنية والاحترافية بالأداء امنيا وإعلاميا ؟, وذلك من خلال الندوات والبرامج الحوارية للمساهمة في ايجاد قاعدة صلبة نبني عليها برامج واستراتيجيات تحقق امال وتطلعات شعبنا ,ليس بالتحرر والاستقلال فقط ,وإنما في استقراره على كافة المستويات وبما يحقق الامن له بجميع مستوياته ايضا.
عدم التكامل مابين اجهزة الامن والإعلام
ان عدم الاتفاق على استراتيجية اعلامية وأمنية هو الذي يحول دون حماية المجتمع الفلسطيني من الجرائم ويؤدي الى عدم استقراره ,وهذا نفسه ما يؤدي الى عدم التكامل,بل والاتجاه نحو اطار التصادم فيما بينهما ,وبالتالي الى الفشل في مواجهة الجريمة امنيا وإعلاميا ومن بينها الجريمة الأبرز وهي جريمة الانتحار التي فرضت نفسها كظاهرة في الآونة الأخيرة وفقا لعدد الحالات المسجلة خلال مطلع هذا العام .
بل ان غياب المهنية في العمل الامني وانعدام الاحترافية بالعمل الاعلامي ادى الى غياب ذلك ايضا ,حيث ان غياب الاعلام الرسمي للسلطة الوطنية مثلا وأجهزتها الامنية عن تناولهما معا هذه ظاهرة الانتحار في قطاع غزة عبر مادة اعلامية امنية تهدف الى بث رسالة من خلالها مفادها ان عدم تحقيق المصالحة سيؤدي حتما الى تفاقم هذه الجريمة بفعل ما يتعرض له الشباب الفلسطيني من اكتئاب واضطراب هو نوع من غياب المهنية الاعلامية والأمنية وانعدام الاحترافية في الأداء وبالتالي غياب اي نوع من التوافق ما بين اجهزة الاعلام الرسمية والأجهزة الامنية ايضا,حيث ان تطرق الاعلام الرسمي الفلسطيني لهذه الجريمة كخبر عابر وكأنه يتحدث عن ظاهرة في دولة اخرى لما في هذا الخبر من خلو لأية رسالة اعلامية تحقق الاهداف السياسية للسلطة الوطنية لا يثبت غياب المهنية والاحترافية فقط ,بل ويؤكد انعدام أي افق في تطوير الاداء لخلق رأي عام مؤثر يتوافق مع الاهداف السياسية للسلطة الوطنية وخاصة في ظل عدم استثمار غياب اعلام حركة حماس وأجهزتها الامنية في قطاع غزة عن الحديث عن جرائم الانتحار وعدم دراستها اذا ما كانت حالة ظاهرة ام عابرة ,بل ومحاولة اعلام حماس وأجهزتها الامنية التعتيم على هذه الحالة وعدم اتباع المعالجة الاعلامية والأمنية لهده وفقا لما هو متبع عند معالجتها لأي جريمة او حدث طارئ يهدد مشروعها السياسي او استمرار حكمها لقطاع غزة وذلك عبر اعلامها الامني الذي غالبا ما تتباهى بوجوده اداءا واحترافا مع التغني بقدرات العاملين فيه .
فشل المعالجة الاعلامية لجريمة الانتحار
كنت قد تطرقت سابقا إلى جريمة الانتحار وإذا ما كانت هذه الجريمة حالة ظاهرة أو عابرة عبر مقال منشور انتقدت من خلاله غياب أجهزة الأمن عن تقديم المعلومات حول هذه الجرائم بنفس الوقت الذي انتقدت فيه أداء الإعلام وغيابه عن دراسة هذه الحالة عبر ندوات أو برامج حوارية تهدف إلى الوقوف أمامها والخروج بتوصيات تساهم في الوقاية منها ,أو الحد من تفاقمها ,حيث ان التنسيق مع أجهزة الأمن لاستقاء المعلومات الدقيقة لاستضافة الكتاب والإعلاميين وكذلك رجال وذوي الاختصاص في مجال الطب النفسي امر ضروري وذلك للبحث عن الحلول وسبل الوقاية والحديث عن أخطارها من اجل تقديم التوصيات للحد منها أو الوقوف أمامها وهذا ما قد يؤدي للحد من مثل هذه الجرائم لان غياب ذلك سيؤدي حتما الى تفاقم جرائم الانتحار من خلال الإقبال على الانتحار الاحتجاجي بفعل صمت الجميع وعدم القيام بمستلزمات الحد منها ,إلا إنني لم الحظ أي تغيير يدفع في اتجاه البحث عما كنت قد تطرقت إليه وحذرت من تفاقمه سواء كان ذلك على مستوى الأمن ,أو حتى على مستوى الإعلام ,وهذا ما يعزز نظرية غياب التكامل ما بين أجهزة الأمن ووسائل الإعلام وهنا تكمن الخطورة في عدم تطبيق ذلك وانعكاسه على المجتمع من حيث عدم الاستقرار ولو بالحد الأدنى من مقوماته باستثناء ما قامت به قناة الكوفية الفضائية والتي تناولت عبر حلقة خاصة فيها حملت نفس عنوان مقالي السابق وهو إذا ما كانت جرائم الانتحار في غزة حالة ظاهرة أم عابرة؟.


غياب المهنية الأمنية والاحتراف الاعلامي
ومع تقديمنا لمقدمة الحلقة كل الاحترام ,وتقديرنا أيضا لضيوفها الذين شاركوها الحديث عن حالة الانتحار لما تطرقوا إليه من امور هامة عبر هده المادة الحوارية ,إلا إنني أسجل هنا ومن باب تصويب الأداء والبحث عن آليات تطويره بعضا من الملاحظات كنقد لهذه المعالجة الإعلامية لجريمة الانتحار ,مع تأكيدنا على إن هذا النقد في الأداء لا يتعلق بشخص المقدمة او لقصور في اداء القناة,بل ان سببه هو عدم الكفاءة بتحرير ونشر الموضوعات الإعلامية الامنية عند عموم الصحفيين وذلك لعدم وجود المتخصصين بالإعلام الأمني وقلة الخبرة ايضا فيما يفترض أن تقدمه أجهزة الأمن من معلومات للإعلام حول الجرائم سواء كان ذلك على شكل بيانات أو تقارير أو إحصاءات أو دراسة ميدانية ,وهذا ما ادى الى غياب مقومات نجاح هذه الحلقة من حيث الفشل في معالجة جريمة الانتحار اعلاميا.
ان عدم استسقاء مقدمة البرنامج معلومات عن جرائم الانتحار في غزة من مصادرها الأصلية وهي أجهزة امن حركة حماس لمناقشة هذه المعلومات وتحليلها مع ضيوفها وصولا للحقيقة التي تهم المجتمع ,اما منعا للمبالغة في الحديث عن ذلك ,أو لوضع الجميع أمام مسؤولياته من خلال الخروج باستنتاجات عن اسباب اتجاه الشباب نحو ألانتحار وإذا ما كان هناك مؤشرات خطيرة نحو تزايد معدلات هذه الجريمة ام لا مع تقديم توصيات لعدم تزايدها يفرغ اية حلقة تناقش الموضوعات الامنية من محتواها ,وهذا ما انطبق على ما جاء في الحلقة التي بثتها قناة الكوفية وذلك لعدم استضافة مقدمة الحلقة الناطق الرسمي لأجهزة امن حماس أو أي من المتحدثين باسم تلك الأجهزة الأمنية للحديث عن هذه الجريمة بشكل علمي وخاصة ونحن نعلم بمدى التباهي التي تقوم به حماس في إعلامها الأمني ونجاح ما تقوم به من حملات اعلامية امنية ,فحملة مكافحة التخابر التي حققت نجاحا ملحوظا بفعل إعلامها الأمني وما قامت به من برامج لا يقل أهمية عن جريمة الانتحار من حيث ضرورة البدء في حملة لمواجهتها.
إن غياب التركيز على الأسباب الحقيقية لإقدام الشباب على الانتحار من خلال حرق الجسد ,مع عدم تقديم نماذج عن تلك الحالات ودون تكرار ما تم التوصل إليه من استنتاج عبر التكرار المباشر والإيحاء من خلال الإثبات بالمنطق بهدف التأثير بأصحاب الاختصاص لمواجهة هذه الحالة أو للتأثير بكل من يحاول الانتحار هو من أهم أسباب الفشل إعلاميا ,وذلك لغياب الهدف من الوقوف امام هذه الحالة في هذه الحلقة ,وهذا ما يؤدي إلى غياب خلق رأي عام مؤثر لوقوف الجميع أمام مسؤولياته لمواجهة الانتحار علميا وعمليا.
ان تحقيق التكامل ما بين أجهزة الأمن والإعلام لمواجهة الجريمة أمر صعب التطبيق في ظل ما نعانيه من انقسام وغياب الإستراتيجيات الأمنية والإعلامية ,وهذا ما ادى ايضا الى غياب المهنية والاحترافية في التقديم والأداء لتحقيق الاهداف ,مع الجهل في رسم السياسات الأمنية التي تندرج تحتها البرامج التوعوية امنيا عبر كافة وسائل الإعلام المرئي منه والمقروء والمسموع أيضا , وهذا ما يدفعنا الى ان ندعو بقوة إلى تحقيق المصالحة لان الحيلولة دون ذلك يعني الابقاء على اعلام بلا قيمة وأجهزة امن دون نتيجة ,وهذا ما سيؤدي إلى تفاقم الجريمة لعدم وجود بارقة أمل أمام الشباب المكتئب عقليا من الانقسام والمضطرب نفسيا من انعكاساته.
ماجد هديب
كاتب وباحث فلسطيني
[email protected]